; هوامش في سجل الثورة الإسلامية في سوريا | مجلة المجتمع

العنوان هوامش في سجل الثورة الإسلامية في سوريا

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

مشاهدات 19

نشر في العدد 500

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

انقضى أكثر من عام على اندلاع الثورة الإسلامية في سوريا استطاع المجاهدون خلال هذه المدة إحياء الأمل في نفوس المسلمين - داخل سوريا وخارجها - بأن النظام الطاغوتي الحاكم منذ سبعة عشر عامًا بدأ يترنح تحت ضربات الشباب المؤمن، وأن الإرادة الحرة المؤمنة قادرة، رغم صعوبات المعركة وضراوتها على أن تقلب كل الموازين، وتخرب كل المعادلات، وأن الحق بإمكانه أن يواجه القوة الباغية الطاغية، وأن يمرغ رأسها بالتراب.

هذه المعاني يحس بها كل مواطن سوري شهد بدايات التحرك الإسلامي، وتابعه في نضاله حتى اليوم، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم.

فالمجاهدون يتمتعون برصيد كبير ومشرف لدى كل المواطنين في سوريا على السواء، لأنهم من خلال ممارساتهم النضالية أثبتوا أنهم ملتزمون فعلًا بأدب الإسلام في الحرب وأدبه في السلوك، وفي التعامل مع الغير.

لذا أجد من حق هذه الثورة على كل مواطن في سوريا الحبيبة أن يكون له فيها إسهام، ولو بالرأي والنصيحة والدين النصيحة… وأملي كبير أن تكون ملاحظاتي التابعة من تحسس فعلي للمرحلة التي بلغتها الثورة محل بحث ودراسة من القائمين على الثورة، سواء منهم العاملون المجاهدون في داخل القطر أو المهاجرين المبعدين الذين يدعمونها من الخارج.

أولًا: الثورة مظلومة إعلاميًا:

لم يشهد التاريخ الحديث حركة نضالية في حجم الثورة الإسلامية في سوريا يضرب حولها حجاب كثيف من التعتيم الإعلامي، على الرغم من أن «الإخوان المسلمين» كما يعلم الجميع داخل سوريا وخارجها حركة تمتلك طاقات علمية ومادية تحسدها عليها كل القوى المناوئة.

ولقد شهدت بعيني كيف أن زبانية النظام القائم في دمشق لكثرة ما مر تحت أيديهم من كفاءات علمية في الإخوان المسلمين… باتوا يتهمون كل صاحب كفاءة علمية أو لقب علمي بأنه من الإخوان المسلمين…

ورغم هذا فإن «الإعلام» الخاص بالمعركة ما يزال متخلفا، خاصة في خارج القطر.

صحيح أن الإعلام الغربي الذي يتحكم بوكالات الأنباء لا يهمه إبراز ثورة إسلامية، وأن هذا الإعلام يخدم مصالح الحكومات التي تموله، وأن الإخوان المسلمين ما زالوا خارج اللعبة الدولية ولذا فإن أي إعلام خارجي لا يتعامل معهم وأي دولة مجاورة لا تتبنى قضيتهم… لكن الثورة تستطيع أن تفرض نفسها على العالم لو تعاملت مع مؤسسات الإعلام الدولية بشكل علمي وعصري فالإمام الخميني نفي من إيران وتركيا فالعراق، ومكث هناك منذ عام 1963 ولو قدر له أن يبقى عشر سنوات أخرى حيث كان لما تعرف العالم على قضيته في إيران، وعلى الثورة الإسلامية فيها.

صحيح أن الرجل لم يبدأ في فرنسا من الصفر، ولم يتحرك في الفراغ، ولكن الأشهر الثلاثة التي قضاها الخميني في «نوفل لوشاتو» قرب باريس؛ منحته زخمًا إعلاميًا ضخمًا، ووضعته في دائرة الضوء، وأهلته لأن ينتقل بعد ذلك إلى طهران.

والثورة الإسلامية السورية بحاجة لأن تنتقل من الظل إلى دائرة الضوء هذه؛ كي تطرح نفسها عبر وسائل الإعلام العالمية التي تظلم الحقيقة حين نتهمها بأنها معادية ومغرضة. إن الإعلام اليوم بات علمًا وتجارة ومؤسسات الإعلام وكالات محترفة يهمها أن تنجح، وأن تقدم للقارئ، والمستمع الخبر الجديد والحدث المثير… قد تنقل أحداث الثورة وأخبار المجاهدين بشكل مشوه وقد تهاجمهم؛ ولكنها بهذا تكون قد قطعت نصف الطريق؛ لأن المصدر الوحيد للإعلام الخارجي اليوم عن سوريا هو بلاغات السلطة الغاشمة وبياناتها، ولا يجوز أن يستمر هذا الوضع؛ لأن الضغط الإعلامي بات عاملًا مؤثرًا حتى على الأنظمة الدكتاتورية، والمطلوب توظيفه بما يخدم أهداف الثورة وغاياتها.

ثانيًا: القيادة السياسية:

لقد قطعت الثورة الإسلامية شوطًا بعيدًا في استعادة الشعب السوري ثقته بالحركة الإسلامية المجاهدة «الإخوان المسلمين» وبات الشاب السوري والفتاة السورية والجيل كله يتغنى ببطولات الإخوان، ويردد أحداث تضحياتهم وكأنها أساطير يتناقلها الناس في منتدياتهم؛ ولكن حركة «الإخوان» في سوريا ما تزال دون زعامة معلنة، صحيح أن فترة العمل السري أملت على الحركة أن تكون قياداتها سرية؛ ولكن العمل الحركي تحول إلى ثورة شعبية مسلحة، وهذا يقتضي أن تكون للثورة قيادة سياسية تعلن أهدافها وتتحدث باسمها، وتستقطب التأييد الشعبي حولها

إن لحركة الإخوان المسلمين في سوريا رموزا وقيادات يعرفها الناس من أيام العمل العلني أو الحياة النيابية في سوريا، بعض هذه القيادات قطع صلته بالحركة وبعضها بات جزءًا من تاريخها، ولا بد للقيادة المجاهدة للحركة أن تتقدم لتتحمل مسؤولية المرحلة أمام جماهير الشعب وقواعد الحركة والعالم الخارجي؛ لأن الناس حتى داخل سوريا ما زالوا يتساءلون عن قيادة الثورة وملامحها. قد يكون في الذهن طرح صيغة جبهة سياسية إسلامية، أو وطنية تقود حركة الجهاد وتتابعها لتحقق أهدافها، لكن هذه الجبهة لا بد لها من قائد، أو مجرد ناطق رسمي يتحدث باسمها.

قد يكون الزهد في الزعامة وبالبريق الإعلامي وراء الإيغال في التخفي، ولكن مصلحة الحركة أن تكون لها قيادة معروفة تستقطب الطاقات المسيرة في الشعب السوري، وتصون الثورة من أن «تُسرق» كما سُرقت ثورات قبلها.

قد تكون - كذلك - قيادات الجماعة في مرحلتها الجهادية هذه من العناصر غير المعروفة شعبيًا، لأن سوريا تعطلت فيها الحياة العامة خلال مدة تزيد على سبعة عشر عاما، ومعنى هذا أن فراغًا واسعًا تشكل نتيجة هذا الانقطاع، وبات معلومًا لدى الجميع أن زعامات الأحزاب السورية كلها قد تقاعدت وحل في قيادة من بقي منها قيادات شابة جديدة.

ومن كان يعرف «أبو عمار» قبل أن تقدمه حركة «فتح» كناطق باسمها؟

لقد بقيت وسائل الإعلام فترة طويلة تتلمس طريقها لمعرفة اسمه الحقيقي، وهذا لم يمنع بعد ذلك أن تصبح الكوفية العربية رمزًا لأبي عمار، وأن يصبح هو رمزًا لحركة المقاومة الفلسطينية.

ثالثًا: أهداف الثورة ومنهاجها:

عنصر ثالث وأخير أرى أنه ما زال غامضًا في سجل الثورة السورية الإسلامية هو منهاجها في ميادين الحياة العامة، فالمواطن السوري العادي ما زال يتساءل عن أهداف الثورة وتوجهاتها، ما شكل النظام الذي تسعى لإقامته بعد تقويض النظام القائم؟ هل هو ديمقراطي برلماني، هل هو رئاسي؟ ما مكان العلماء «رجال الدين» في هذا النظام؟ هل سيعطي الأحزاب السياسية حرية العمل الحزبي؟ ما مقدار الحريات العامة التي سيتمتع بها المواطن في ظل هذا النظام؟ وعن الاقتصاد، هل سيعتمد النموذج الغربي في الاقتصاد الحر أم سيكون الاقتصاد الموجه؟ هل سيتيح المجال للقطاع الخاص أم يعتمد تأميم المرافق العامة؟!

وعن الملكية أم يحظر ذلك؟ وعن علاقات العمال بأرباب العمل، وعن الأسرة والضمانات الاجتماعية والضمان الصحي وضمان العجز والشيخوخة و... و... كل هذه قضايا ينتظر المواطن موقفا للثورة الإسلامية فيها.

صحيح أن «الإخوان المسلمين» حركة فكرية لها رصيد ضخم من الدراسات في شتى هذه الحقول؛ لكن الطرح الفكري ترك أمورًا كثيرة عائمة غير محددة، خاصة في إطار نظام الحكم وشكله.

ومطلوب من قيادة الثورة -ونحن نتوسم إنها باتت وشيكة الوصول إلى أهدافها- أن تطرح منهاجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وليس هذا الكلام سابقًا لأوانه، بل قد تأخر عن أوانه قليلًا، لأن هناك قطاعات كبيرة من الشعب السوري ما تزال تتردد في تأييد الثورة بانتظار موقفها من بعض هذه القضايا، بل إن الأقليات الطائفية في غالبيتها ما تزال تدعم النظام، رغم سخطها العام؛ لأنها لا تعرف مصيرها في نظام إسلامي.

إن الثورة مطالبة بأن تحدد للطوائف موقعها وللأقليات المذهبية والعرقية مكانها، لأن النظام الطائفي المستبد يوهم الأقليات بأن الإخوان المسلمين إذا تسملوا السلطة، فسيرمون بهم في البحر. ولذا نجد الحكم القائم يعتمد على تأييد هذه الأقليات انطلاقًا من هذا الموقف.

هذه الملاحظات أرى -ويرى معي كل مواطن سوري مخلص للثورة- أن حسمها بات أمرا ملحًا لا يحتمل الانتظار، وأنها لو عولجت بشكل جدي وسريع فستكون خطوة واسعة على طريق النصر المؤزر القريب بإذن الله 

مواطن «عربي- سوري» ۱۹۸۰ 

دمشق في ١٩٨٠/٩/٢٥

 




الرابط المختصر :