; واحة الإسلام في إسبانيا | مجلة المجتمع

العنوان واحة الإسلام في إسبانيا

الكاتب أبو أنس

تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1970

مشاهدات 20

نشر في العدد 11

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 26-مايو-1970

إسبانيا أو الأندلس بلاد لها في نفوس المسلمين سحر خاص، وحنين وشوق لا مثيل لهما.. كانت أغلبية سكانها من أجدادنا المسلمين، ولقد قامت بها دولة للإسلام عمرت قرونًا طوالاً، ورفع من فوق مآذنها نداء «الله أكبر» أجيالاً بعد أجيال.. بها قرطبة، وغرناطة، وبلنسيا وبرشلونة، وكلها لها ماضِ إسلامي عريق؛ فلا تزال خطب الخطباء المسلمين ترنّ في أذن التاريخ، ولا يزال وقْع أقدام الجيوش الإسلامية غضًّا في مواقعها؛ فأين ذهب هؤلاء؟!!

في ظل هذه الخواطر يسر مجلة «المجتمع» أن تنقل لقرائها الكرام صورة حية من واقع إسبانيا الحالي، تاركة لهم عقد مقارنة مذهلة بين الماضي التليد والحاضر الغريب، ومناسبة هذا الحدث زيارة قام بها مؤخرًا للكويت أحد قادة الطلاب العرب المسلمين في إسبانيا؛ فأثار في النفس هذه الأشجان.

حاضر إسبانيا:

يعيش في إسبانيا حاليًا حوالي ستة عشر مليونًا من السكان غالبيتهم العظمى من النصارى الكاثوليك، وهي أكبر بلد أوروبي من حيث المساحة، وتتنوع تضاريسها بين سهل ساحلي في الجنوب وآخر في الشمال، وبين جبال في الوسط  تكسوها الخضرة النضرة وتسيح فيها الأنهار وعيون المياه العذبة. وتعتمد المناطق الجنوبية على الزراعة، أما الشمال فيعتمد على الصناعة. وأهم المدن في المنطقة الجنوبية: غرناطة وقرطبة، أما في الشمال فهناك برشلونة، وتقع العاصمة مدريد في الوسط تقريبًا.

المسلمون في إسبانيا:

يبلغ عدد المسلمين في إسبانيا حوالي ثلاثة عشر ألف نسمة، منهم ستة آلاف طالب من  شتى الأقطار الإسلامية والعربية، والباقون وهم سبعة آلاف مسلم أكثرهم من المغاربة، ويتمتع المسلمون بالحرية الدينية التامة؛ فلهم مطلق الحرية في أداء شعائر الإسلام، ولهم مركز طلابي إسلامي.

المركز الإسلامي والطلاب المسلمون:

ظل إقبال الطلاب المسلمين على الجامعات الإسبانية ضئيلاً لا يكاد يُذكر إلى عهد قريب؛ فقد كانوا يفضلون الدراسة في البلاد الأوروبية الأخرى كألمانيا الغربية وفرنسا وإنجلترا وغيرها؛ ولذلك كان عدد الطلاب المسلمين حتى عام ١٩٦٦م  يتراوح بين ١٠٠ و١٥٠ طالبًا، ولكن لما ازدادت شروط الالتحاق بالجامعات الأوروبية الأخرى وتعقدت أقبل الطلاب المسلمون على جامعات إسبانيا فارتفع عددهم حتى بلغ في الآونة الأخيرة ستة آلاف طالب.

وهنا نبتت فكرة إنشاء مركز طلابي إسلامي، فقامت مجموعة رائدة من الطلاب المسلمين بالحصول على ترخيص لإنشاء مركز يهدف إلى المحافظة على الطلاب المسلمين وتنمية روابط المودة والصداقة بينهم وبين الطلبة الإسبان، وبدأ المركز نشاطه بإقامة صلاة الجمعة وافتتح فروعًا في بلنسيا وبرشلونة، وأخذ يحض الطلاب المسلمين على المحافظة على دينهم، وعقد دروسًا لتعليم الدين والفقه، كم شرع في توزيع الكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية على مختلف المكتبات والكليات الجامعية بغية إزالة الشبهات العالقة في أذهان الناس تجاه الإسلام والمسلمين، وهناك عدد من الطلاب المسلمين الفقراء يدرسون في الجامعات على نفقة المركز.

موقف الإسبان من العرب والمسلمين:

مما يلفت النظر أن الطلبة المسلمين في إسبانيا ينالون الكثير من احترام الإسبان وإعجابهم، كما يجدون التسهيلات العديدة؛ فهم بمعاملتهم الصادقة والتزامهم بتعاليم الإسلام يزيلون عمليًّا ما علق في أذهان الإسبان وعقولهم من شطط على الدين الإسلامي، وحقد على النبي الكريم عليه السلام، وهذه الأمور زرعها في قلوبهم القساوسة والرهبان.

وليس من المغالاة في شيء أن نقرر بأنه لو أتيحت للحركة الإسلامية فرصة الانطلاق الحقيقي لتبدل الجو عما هو عليه الآن، ولأصبح الإسلام ظاهرًا في الفردوس المفقود.

ولقد حرص القائمون على الحركة الإسلامية حرصًا شديدًا على توثيق الروابط، وزيادة التعاون مع المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، كما ناشدوا المؤسسات الغنية أن تهب لدعم النشاط الإسلامي في إسبانيا من الناحية المادية؛ لتسير في خطى ثابتة مطردة، ولكن ويا للأسف لم يلب هذا النداء، ولم يستمع لهذه الصرخة إلا من كان له قلب ينبض بالإيمان، ويميد بالحركة والانفعال ويخفق بتسبيح الرحمن.

رحلة بحرية إلى إسبانيا:

هناك اتجاه بين شباب الإسلام في البلاد العربية، وخاصة في الكويت وإمارات الخليج والسعودية، للاقتصار على بلاد الشام ولبنان في قضاء عطلة الصيف، وقليل منهم يخرجون عن هذه الدائرة، ولسنا هنا ندعو إلى مقاطعة المصايف العربية؛ فالأقربون أولى بالمعروف، ولكننا نهيب بالشباب المسلم أن يخرج بعضهم إلى خارج هذا النطاق ليصلوا ما انقطع بينهم وبين إخوانهم المسلمين في العالم المتعطشين إلى لقائهم؛ ففي سيلان على سبيل المثال تصدر صيحات تناشد العرب: أن هلموا لزيارتنا ولا نريد منكم أموالاً ولا جهودًا، ونعود إلى موضوع هذه السطور فنقول بإن إسبانيا بلاد يعجز البيان عن وصف جمالها الطبيعي، ويكفي أن نذكر أنها «الفردوس المفقود»؛ فلا تزال الأسرة فيها متماسكة، ولا تزال الحياة فيها بسيطة غير معقدة.

أما الحياة في إسبانيا فرخيصة للغاية، وتتوفر فيها كافة الفواكه مما تعرف وما لا تعرف. وبعد، فإن في زيارة الشباب المسلم لإسبانيا رفعًا للروح المعنوية للطلاب المسلمين، وإحياء للماضي التليد والمجد العتيد الذي ازدهر في تلك الديار مئات من السنين، لا بشيء إلا بفضل هذا الدين الحنيف. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠).

الرابط المختصر :