; واحة الشعر: حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري | مجلة المجتمع

العنوان واحة الشعر: حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري

الكاتب الأستاذ الدكتور جابر قميحة

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994

مشاهدات 13

نشر في العدد 1084

نشر في الصفحة 54

الثلاثاء 18-يناير-1994

يا أبا أيوبَ والإسلامُ قُرْبى وانتسابُ

قد أتيناك ففي اللُّقيا اغتنامٌ واكتسابُ

نتملَّى أرضَ مجد يزدهى فيها الخطابُ

يا كريما ضافَ خير الرُّسل يا طبْتَ وطابوا

ناخت القصواءُ (١) في رحبك يا نِعْمَ الرحابُ

قد قصدْناك ضيوفا ولنا فيكم رغابُ (٢)

نيِّراتُ القصد لا منها طعامٌ أو شرابُ

أو هوى ليلى ولبنى، أو سعادٌ أو رَبابُ

إنما جِلُناك تحْدُونا بطولاتٌ عجابُ

ذكرياتٌ في فمِ الدنيا هي المسْكُ المذَابُ

حين كنتم بلسما (٣) في السلْم صَفْوا لا يُشاب (٤)

ولكم في ساحة النور بُنودٌ وقِبابُ

وقلوبٌ ملؤها الرحْمةُ والحبُّ اللُّبابُ

****

فإذا ما ظُلمَ البُرْهانُ أو غيل (٥) الصوابُ

هِجْتُمُ الهُول، فَلِلْهولِ زفيرٌ ولُهابُ

وإذا أنتمْ - حُماةُ الحقِّ - آسادٌ غضابُ

رفرفتْ منْ فَوْقهم في ساحة الهوْل العُقَّاب (٦)

وخيولُ الله تَمْضى، فهي في الساحِ الجَوابُ

مثلما السيل لها في الحَزْن والسهل انصبابُ

ولها في ساحة النصر ذهاب وإيابُ

وضباحٌ وصهيلٌ، وصليل وضرَابُ

وحِرابٌ ساِعِراتٌ، فلتقولي يا حرابُ

وسيوفٌ، وحتوفٌ، وزحوف، لا انسحابُ

وُهتاف العزِةِ القعْساءِ يحدُوه السحابُ

والمنايا - لا الدنايا - هي للصحْبِ الطَّلابُ

خالدٌ فيهم، وسعد، والمثنىِّ والحُبَابُ

مِنْ دماهم في نواصي الخيل عطر وخضابُ

لم يكونوا كجيوش قطعُوا الأرضَ وجابوا

ما هم إلا شُمُوسَ زاحفاتٌ او هِضابُ

ليس يثنيهم عن الزحف جبالٌ أو عُبابُ

فهُمُ للموت هبُّوا، وندا الله أجابُوا

يوم دكُّوا الفرس والروم وما هانوا وهابوا

فإذا الأعداءُ - من رُعْبٍ - هباءً أو سراب

إنه المسلمُ - حقًا. سيفُ حقِّ أو شهابُ

في سبيل الله يحيا، لا نفاقٌ لا كذابُ

مصحفا يمشى - عليه من تقى الله ثيابُ

سيقُهُ. إن يبغ باغ - هو للباغى عِتابُ

هكذا كنتم - أبا أيوب - والغرُّ الصِحابُ

دُررّ زانت جبين الدهر شيبٌ وشبابُ

شاب فوداك - من الدهر - وما في الشيْبِ عابُ

لم يكن يُحْسب بالسنِّ مشيبٌ أو شبابُ

ليس بالشبانٌ من هانُوا إذا حطّت صِعابُ

وإذا الشيخ تجلى فهو في الحرب الشهابُ

ثم طال الأمدُ المنكودُ واهتزَّ الجنابُ

وغدا بين قلوب القوم والدين حجابُ

ثم حل الوهن فيهم وهوى الدنيا طلابُ

******

ثم جئناك وللشَّعر نشيجٌ وانتحابُ

بقلوب داميات بعد أن جلِّ المصابُ

من ديار قد تغشّاها ظلامٌ وضبابُ

فالقوانين انتهاكٌ وانتهاشٌ وانتهابُ

وسجونٌ وشجونٌ وعيونٌ واغتصابُ

وحبالٌ ضاريات عُلِّقت فيها الرقابُ

وأنا المسلم في أرضى لي العُقبى اغترابُ

لم يَعُد للبلبُل الغِرِّيدِ في الدوح رحابُ

واستقرتْ في رحاب الدوح بومٌ وغرابُ

شدوه فيه نعيبٌ ونعيقٌ مستطابُ

وعلى الُبلبلِ أن يمضي يُغَشِّيه العذابُ

شاردَ الخطو، حبيس الشدو تقليه (٧) الشعابُ

فينادي الأفق: هل للفجر من ليلك بابُ؟

فإذا الأصداء همِّ وضياعٌ واكتئابُ

إنه ليل كثيفٌ مُجْرِمُ الظلمات.. غابُ

ذو عيون راصدات شَرْعُها ظُفْرٌ ونابُ

قوتها الأعراضُ، أمَا دمِّنا فهو الشرابُ

وبخور الزيف دين والنفاقات كتابُ

والمروءاتُ خطايا والنَّذالات صوابُ

ويح قلبي - يا أبا أيُّوب قد جُنِّ الحسابُ:

ألفُ مليون بلا قدْرٍ ولا حتى الذبابُ!!!

بل غثاء كغثاء السيل بالنفخ يُذابُ

وقلوبٌ من هواء وحناياهُمْ خرابُ

يستوي منهم حُضُورٌ في حماها أو غِيابُ

لا تسلهم عن غِضاب، لم يعد فيهم غضاب

لا تَسَلْهُم عن عُضاب. مات في الغمد العُضابُ (٨)

والخيول الجردُ نامتْ في مآقيها الذبابُ

غابتْ الصَّهواتُ منها وتغشَّاها التُّرابُ

انعاجٌ ما أرى في الساح أم خيلٌ عِرابُ (٩)

وجهاد القادة الأفذاذ أقصاهُ خطابُ

وبياناتٌ علاها من رُؤى الذلّ خضابُ

يا لَقَومي عن جهاد القوم قد صامُوا وتابوا

وأطاعُوا من أضلُّوهم وأغْروْهُمْ فخابُوا

أاعدُّو ما استطعتمْ قد تولاها الغيابُ

أم ترى الأنفال - واذلاه - لم يحو الكتابُ؟

أو دين غير دين الله لُحْمَاهُ ارتيابُ؟

وانقهارٌ وانهيارٌ وانصهارٌ واضطراب

***

أنا لم أقنط (١٠) ولكن ضَلَّ في قومي الصوابُ

ويقيني أنني بيني وبين النصر قابُ (١١)

إنها سُنَّةُ ربي ليس تفنى يا ذئابُ

قد يغيبُ الحقُّ يوما ثم يأتيه الغلابُ (١٢)

فإذا الليل تمادىَ فسيمحوهُ انجيابُ (١٣)

ويشقُّ الأفقَ سيفُ الفجر والآيُّ العِذابُ (١٤)

ويعود البلبل الغِرِيدُ، يا نعم الإيابُ

ويعودُ الدوح دوحًا والروابى والشعابُ

(*) عاش أبو أيوب الانصاري نموذجًا حيًا للمجاهد المسلم حتى في شيخوخته، وقد ظل يجاهد إلى أن لقى ربه في منتصف القرن الأول الهجري، ودفن في إسطنبول بتركيا، والقصيدة ألقاها الشاعر يوم 25/8/1993 في مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية المنعقد في إسطنبول.

١ - القصواء: ناقة الرسول - صلى الله عليه وسلم.

٢ - الرغاب: الرغبات والمقاصد.

٣ - البلسم: العلاج والدواء.

٤ - يشاب: يخلط ويعكر.

٥ - غيل: قتل غدرًا.

٦ - العقاب: «بضم العين» اسم راية الرسول صلى الله عليه وسلم.

٧ - تقليه: ترفضه.

٨ - السيف العضاب: القوى.

٩ - الخيل العراب: الأصيلة.

١٠ - القنوط: اليأس.

١١ - قاب: مسافة قصيرة.

١٢ - الغلاب: التغلب والنصر.

١٣ - انجياب: انقشاع وانتهاء.

١٤ - الآي العذاب: «بكسر العين» الآيات العذبة.

الرابط المختصر :