; وجهة نظر- لماذا نحن مكتئبون؟؟ | مجلة المجتمع

العنوان وجهة نظر- لماذا نحن مكتئبون؟؟

الكاتب د. محمد البصيري

تاريخ النشر الثلاثاء 22-فبراير-1994

مشاهدات 22

نشر في العدد 1089

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 22-فبراير-1994

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة الاكتئاب والشعور بالقلق والخوف من المستقبل لدى الإنسان الكويتي، ودار حول هذه الظاهرة جدل كبير عن أسبابها، وحقيقة وجودها، وكيفية التعامل والتغلب عليها، فالبعض يرجع الأسباب إلى عوامل خارجية، أبرزها الأمن الخارجي، والخوف من تكرار محنة الغزو العراقي الغاشم.

والبعض الآخر يعتقد بأن الأسباب داخلية وخارجية في آن واحد، ويفصل في الأسباب الداخلية، الوضع الاقتصادي، وانخفاض عائدات النفط في بلد أحادي المورد، مع تفاقم وازدياد أعباء البناء والتعمير، بالإضافة إلى التزامات معركة التحرير، وظهور بعض المشاكل والظواهر الاجتماعية، والاختلافات السياسية بين التيارات، والكتل والتجمعات الفاعلة في المجتمع الكويتي... إلى آخر تلك السلسلة الطويلة من الأسباب والمبررات والتفسيرات المنطقية وغير المنطقية لظاهرة الاكتئاب عند المجتمع الكويتي، وفي اعتقادي أن ظاهرة الاكتئاب والقلق والأرق ليست قاصرة على المجتمع الكويتي فحسب، بل هي مرض العصر الذي يعاني منه الإنسان في كل مكان، وخاصة في المجتمعات الغربية، والتي وصلت الإحصائيات فيها حول هذه الظاهرة إلى أرقام قياسية، بل وبدأت تظهر لديهم أمراض اجتماعية خطيرة من جراء انتشار ظاهرة الاكتئاب في مجتمعاتهم كالانتحار والمخدرات والمسكرات والانحلال الخلقي والتفكك الأسري، حتى إن شركات الأدوية تبيع المسكنات والمهدئات والممنوعات وجميع أنواع أدوية الاكتئاب بمليارات الدولارات. 

ويعتقد الأخصائيون النفسيون أن مرض الاكتئاب ناتج من ضغوطات الحياة العصرية، وينتشر أكثر ما ينتشر في المجتمعات المدنية والحضرية، ويكاد ينعدم عند المجتمعات البدوية والريفية التي تعيش الحياة على بساطتها وعفويتها بعيدًا عن المؤثرات الخارجية من أجهزة إعلام وغيرها من منغصات الحياة العصرية.

ولا شك أن واقع المسلمين ومآسيهم يبعث على الحزن والكآبة، ويصيب المسلم بالحسرة والندامة على ما آل إليه حال الإسلام والمسلمين في مختلف أقطار الدنيا، ولذلك ليس بمستغرب أن يعيش المجتمع الكويتي كجزء صغير من هذا المجتمع الإسلامي حالة الحزن والكآبة تلك، فهو يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويتأثر به سلبًا وإيجابًا.

فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. 

حديث صحيح صريح يدعو المسلم أن يشارك أخاه المسلم في سرائه وضرائه، والاهتمام بأمر المسلمين واجب شرعي بأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، ولاشك أن الاهتمام والتحفز للمساعدة والمناصرة لقضايا المسلمين أمر عظيم، ولكن العجز والضعف عند المسلمين عامة- مع قلة الشأن والهوان- عوامل رئيسية لإثارة حالة الإحباط والاكتئاب والحزن العام لدى عموم المسلمين. 

فهذه البوسنة والهرسك تذبح وتنحر جهارًا نهارًا دون أن يكون للمسلمين أي دور أو تأثير في وقف هذه الحرب الصليبية الحاقدة.

وهذه فلسطين تباع لليهود في ظل مباركة ورعاية دولة بل وعربية دون أن يكون لشعبها أي حق أو دور في تقرير مصيره أو تحديد مستقبله.

وهذه الصومال والسودان وطاجيكستان و أذربيجان وأقليات المسلمين في الفلبين وبورما والصين والهند مصائب ومحن وقتل وتشريد وتضييق ومسح للهوية الإسلامية، ولا نستطيع أن نحرك ساكنًا، بل إن قوة وسلاح بعض الدول الإسلامية والعربية يوجه إلى صدور أبنائها. 

فهل بعد هذه المآسي مآسي؟ وهل بعدها نشعر بطعم السعادة والفرح أم نصاب بالحزن والكآبة والإحباط؟؟

 إن ديننا دين سعادة في الدارين الدنيا والآخرة، وديننا دين أمل ورجاء في الله، ديننا دين تفاؤل وتبشير.. يقول صلى الله عليه وسلم: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، ويقول في حديث آخر: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»....

فليكن الأمل والرجاء والتفاؤل هو شعارنا، والنبراس الذي يضيء لنا دروب الحياة، ويبعث في نفوسنا الفرح والسعادة والأمل والطموح، ولن يكون ذلك إلا بالتوكل على الله، والالتجاء إليه في الشدة والرخاء، والثقة بنصر الله الذي وعد به المؤمنين: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾(محمد:7)..... مع المثابرة على العمل، وتوجيه الجهود والطاقات وعدم الاستسلام لليأس والقنوط، وحالة البؤس والكآبة المنهي عنها شرعًا.. ﴿وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾(يوسف:87).

الرابط المختصر :