العنوان ورقة عمل إسلامية أمام المجلس الأعلى للتعليم
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أكتوبر-1987
مشاهدات 14
نشر في العدد 838
نشر في الصفحة 10
الثلاثاء 13-أكتوبر-1987
• يجب التأكيد على عمق الرابطة بين الإسلام والعلم وربط العلوم التطبيقية بالجوانب العلمية في القرآن والتراث الإسلامي
• المطلوب طرح النظريات الأمريكية والتعامل مع الحقائق القرآنية
• لا بد للدولة وهي تسعى إلى تربية جيلها من أن تحدد التربية كأولوية سابقة على التعليم
كان لتوجيهات صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، وكلمة سمو ولي العهد حفظه الله، في مسألة التربية عميق الأثر في توضيح النهج التربوي الذي تحتاجه البلاد في تنشئة أجيالها، بشكل لا يدع مجالًا للاجتهاد في الأسس التي يجب أن يقوم عليها بناء المناهج التربوية في الكويت.
فقد أكد سمو الأمير على ضرورة تنشئة الجيل الجديد تنشئة إسلامية ترعى وتحفظ حق الله ثم حق الوطن. كما بين سمو ولي العهد أن مناهج التربية في كويتنا الحبيبة يجب أن تكون متميزة بعيدة عن التأثر بالشرق أو بالغرب، ومستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف.
نعم، ففي ظل الإسلام يتخرج الرجال الذين يغيرون تاريخ الأرض وجغرافيتها، والذين يقدمون للبشرية خير مناهج التربية والبناء.. منهج السماء. وهو بشموليته وكونه من عند الله الخلاق العليم، صالح لكل زمان ومكان وإنسان. وهو المنهج الوحيد الذي يملك أن يقدم للبشرية اليوم الحلول الصحيحة والعملية لكل ما تواجهه في عصرها من تدهور في القيم والأخلاق، وضياع لقيمة الإنسان الحقيقية في تاريخ البشرية ودوره في صنع الحضارة.
إن الإسلام هو الأساس الصالح لبناء حضارة إنسانية عالمية، ذات مبادئ وقيم أخلاقية رفيعة، على عكس المنهج الغربي والذي أثبت خلال زمن قيادته للبشرية في تاريخها المعاصر، ومن خلال اعتماده على النظريات التربوية البشرية، أنه أعجز من أن يبني حضارة متزنة يقوم فيها العلم المادي جنبًا إلى جنب مع الأساس الأخلاقي. فتكنولوجيا الغرب لم تحمه من الأمراض الاجتماعية والانحلال الخلقي الذي انتهى بأهله إلى أفتك مرض جنسي عرفه تاريخ البشرية حتى الآن وهو «الإيدز».
ومنهج الغرب في الأخلاق والتربية لم يمنعه من إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ومن بعدها ناغزاكي، أو إشعال حربين عالميتين من الأساس لقتل الناس أبرياء وغير أبرياء، بل إن منهج الغرب في التربية هو بعينه الذي أخرج جيل الخنافس، ثم الهيبز، ثم البنكس، ثم ما لا يعلمه إلا الله.
وإيمانًا منا بأهمية الدور الذي يلعبه المنهج التربوي، من حيث المحتوى أو تقنية العرض في صياغة المنهجية الفكرية والتربوية والعلمية للنشء الإنساني، ومن وحي كلمة سمو أمير البلاد وولي عهده الأمين، وحرصًا منا على التربية القويمة لأبنائنا في الكويت والعالم العربي والإسلامي ككل، نقدم ورقة عمل إسلامية أمام لجنة تطوير المناهج، عسى أن ينفع الله بها القيمين عليها.. والله ولي التوفيق.
بسم الله، والصلاة على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
إن من أوجب واجبات الأمم التي تسعى للتقدم والرقي في تاريخها المعاصر، وبخطى حثيثة للعزة والفخار، أن تنشئ جيلها تنشئة صحيحة، من خلال خطط ومناهج تربوية سليمة وقويمة، ومن خلال مؤسسات تربوية صحيحة وقوية، لتتمكن من أداء دورها التربوي كامة بغير ما نقص ولا تقصير.
وإذا كانت الأسرة فيما مضى هي التي تقوم بدور التربية والتنشئة، فإن الدول المعاصرة ومن خلال المؤسسات التربوية كالمدارس والجامعات والمعاهد تؤدي دورًا أكبر، تستوعب فيه أجيالًا كاملة من عهد الطفولة المبكرة وحتى سن الشباب، لتصيغها كيف تشاء.
وإننا في الكويت كدولة إسلامية عربية خليجية مستقلة ذات سيادة، وإيمانًا منا بالله عز وجل ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وحسب نص المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن دين الدولة الإسلام، وأنه مصدر أساسي من مصادر التشريع، فلا بد لنا من وضع الآتي كاعتبارات أساسية غير قابلة للجدل ولا للنقاش، كونها نابعة من دستور الدولة ومتمشية مع ما ترتأيه القيادة العليا للبلاد، ولأنها معبرة عن إرادة الشعب الكويتي المسلم العربي.. وهذه الاعتبارات هي:
أولًا: التأكيد على الإسلام كعقيدة ومنهج حياة، فكرًا وسلوكًا، اعتقادًا وتطبيقًا.
ثانيًا: التأكيد على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وإنسان.
ثالثًا: التأكيد على أهمية الإسلام في بناء الحضارة الإنسانية ودوره الخلاق في التاريخ الإنساني، وفي تطور العلوم البشرية والإنسانية.
رابعًا: التأكيد على عمق الرابطة بين الإسلام والعلم، وربط العلوم التطبيقية بالجوانب العلمية في القرآن والتراث الإسلامي.
خامسًا: التأكيد على عمق الصلة الإسلامية بين الكويت ودول العالم الإسلامي والعربي والخليجي من خلال رباط العقيدة الواحد.
سادسًا: الاهتمام بتطوير تعليم اللغة العربية وعلومها وتحديثه، وربطه بالقرآن والحديث الشريف، ومختارات منتقاة من كتب التراث لتقويم اللسان العربي المعاصر، وتصحيح الأخطاء الشائعة، وركاكة الأدب العربي المعاصر.
سابعًا: التأكيد على عمق تأثير العقيدة في تشكيل أخلاق وعادات المجتمع الكويتي الأصيلة وارتباطها بالإسلام، وإحيائها من جديد في نفوس الناشئة.
ثامنًا: التصدي للهيمنة العلمانية والإلحادية في المناهج المقتبسة من الكتب والمناهج الغربية، وغربلة هذه الأفكار لدفع أضرارها واتقاء شرورها.
أهداف النظام التعليمي المطلوب:
لا بد أن يكون النظام التعليمي مدعومًا بعقيدة راسخة ومنهج محدد يتوجب تنشئة الجيل على أساسه، بحيث يتبلور في هدف واحد أو مجموعة أهداف تترجم ما تصبو الدولة إلى تحقيقه من خلال مناهجها التعليمية، ويتوجب أن يكون من أهدافنا:
۱- غرس العقيدة الإسلامية في نفوس الناشئة والارتقاء الأخلاقي والإيماني بهم.
۲- غرس حب الوطن والدفاع، والذب والذود عنه بالنفس والنفيس.
۳- نقل المعرفة البشرية أولًا بأول من جيل إلى جيل للارتقاء بالعنصر البشري فكريًّا وعقليًّا ونفسيًّا وجسديًّا.
٤- نقل مناهج استخلاص المعرفة لتمكين العقل البشري من استخدامها باستمرار لاستحداث معارف جديدة.
5- استكشاف وإبراز المواهب والطاقات البشرية التي تتلقى هذه العلوم.
٦- تنمية المواهب والطاقات المكتشفة وتوجيهها الوجهة الملائمة لاستعداداتها الفطرية.
7- استغلال وتشغيل هذه الطاقات بما ينفع الأمة.
8- مراعاة الفروق الأساسية بين الذكور والإناث من الناحية النفسية والعضوية، واختلاف دور كل منهما في الحياة، لتأهيله التأهيل المناسب لذلك الدور.
9- محو الأمية لكافة فئات الأعمار.
10- استكمال الدور التربوي للمدرسة والمنهج الدراسي من خلال الأسرة والمسجد.
صفات النظام التعليمي المطلوب:
كما يجب أن يكون من صفات المنهج التعليمي وخصائصه ما يلي:
۱- الأصالة... بكونه معبرًا عن روح الأمة وعقيدتها، وذلك باستناده إلى الإسلام فكرًا ومنهجًا وسلوكًا.
۲- التميز... بافتراقه من خلال عقيدته عن عقائد ونظم الغرب وفلسفاته ونظرياته الفاسدة الكاسدة، والتي ثبت فشلها في ديار أهلها في إخراج جيل ذي فكر سديد ورأي رشيد أدبيًّا وتربويًّا، واتباعه للمنهج الإسلامي.
3- الشمول.. وذلك بشموله للمعارف الدينية والدنيوية من كافة وجوهها وتخصصاتها النافعة.
٤- المرونة.. وذلك بالتطوير المستمر للمعارف والنظام التعليمي والتقنيات التربوية والمناهج، من حيث المضمون والشكل.
5- احترام اللغة العربية.. فالأمة التي تحترم نفسها تحترم لغتها، واللغة العربية هي لغة القرآن، وصلتنا بكتاب الله والحديث الشريف وتراثنا.
6- الاتزان.. وذلك بموازنتها بين التعليم المهني والأكاديمي وتحقيق كفاية الدولة من التخصصات المختلفة عبر خطط عشرية أو خمسية حسب الحاجة.
ولا بد للدولة وهي تسعى إلى تربية جيلها وإعداده إعدادًا تربويًّا سليمًا من خلال مناهجها التربوية المختلفة من أن تحدد التربية كأولوية سابقة على التعليم، وإذا أردنا جيلًا سليم التفكير، قوي الإيمان، متعلمًا، مثقفًا، صحيح الجسم، معافى البدن، فلا بد لنا من أن نطرح «النظريات الأمريكية» لنتعامل مع «الحقائق القرآنية» حتى يكون لدينا جيل على مستوى القضايا المصيرية والتحديات المطروحة أمام أمتنا في محيطها الإسلامي الكبير والعربي الصغير.
ولا بد لنا أن ندرك أننا إذا أردنا أن نطور جيلنًا علميًّا وعمليًّا من خلال المناهج الدراسية فلا بد أن نفعل ما يلي:
١- بدء التعليم الديني الأساسي في سن الثالثة لحفظ القرآن واستيعاب المنهج القرآني في توجيه العقل والحواس إلى التأمل في آيات الله في النفس والأرض والكون، وتنشيط عقلية البحث لدى الإنسان المسلم.
۲- تطوير مناهج التعليم لتشمل طرق ومناهج البحث والاستنباط العلمي، إضافة إلى أحدث المعلومات العلمية، وعرض الفائدة منها في الحياة العملية. مع عرض كيفية الربط بين مجموعة اختراعات واكتشافات متفرقة أدت إلى قفزة في مجال العلم لاكتشاف أو اختراع جديد.
3- تأصيل منهج للبحث العلمي الإسلامي استنادًا إلى آيات القرآن الكريم والحديث الشريف.
٤- تطوير المناهج الجامعية والمهنية، مع الاتصال المستمر بينها وبين مختلف القطاعات الصناعية والطبية والزراعية والتعدين الموجودة في البلاد، في سبيل التطوير المستمر لهذه القطاعات والاستفادة من الخبرات العلمية، مع إرسال وفود جامعية زائرة وباحثة لهذه القطاعات عبر برامج منظمة ومقننة.
5- إنشاء معاهد أبحاث داخل الجامعات ومختبرات لتطوير الإنتاج في المصانع وربطها سويًّا.
٦- إنشاء مراكز ترجمة متعددة ومتخصصة لترجمة الآثار والكتب والمراجع والدوريات الأجنبية لتيسير عرضها باللغة العربية على أوسع نطاق وأكبر قطاع ممكن من مختلف المراحل الدراسية، مع مراعاة الموازين الإسلامية فيما ينشر مثال: لا داعي لنشر مقال عن تكنولوجيا صناعة الخمور مثلًا.
7- إرسال البعثات قصيرة المدى إلى البلاد المتقدمة تكنولوجيًّا «٦ إلى ١٦ شهرًا» لاكتساب الخبرة العملية التي لا يمكن اكتسابها من بطون الكتب، مع رؤية مزايا وعيوب مختلف التطبيقات العلمية على الطبيعة.
8- الاهتمام بالمختبرات المدرسية والجامعية وتجهيزها بكل ما يلزم.
٩- توفير منح تفرغ للبحث العلمي لكل متفوق فكريًّا وعلميًّا، ولكل مشروع بارز ذي فائدة عامة ومهمة «عامين قابلة للتجديد».
۱۰- تخصيص جوائز مادية وأدبية على مختلف المستويات الدراسية لأفضل بحث علمي، أفضل اختراع، أفضل اكتشاف، وتوفير الدعم الكافي للمبدعين، مع محاولة استغلال هذه البحوث والاختراعات والاكتشافات عمليًّا وصناعيًّا.
۱۱- إعداد برنامج شامل لمحو أمية كبار السن من خلال مشروع يحمل عنوان «اقرأ» ويستهدف تحفيظ الجزء الثلاثين من القرآن «جزء عم» للقضاء على الأمية.
۱۲- رفع مستوى التعليم المهني من خلال المناهج والتطبيقات العملية وحسن اختيار هيئة الإشراف والكادر الوظيفي.
۱۳- مراجعة مناهج الإناث لتتوافق مع التأهيل الطبيعي من الناحية الجسمانية والنفسية لرعاية الأسرة، وتكثيف برامج رعاية الطفل والصحة الأسرية والاقتصاد المنزلي وغيرها.
وهذه الخطط وأمثالها لا تؤتي ثمارها إلا إذا توفر الرجل المناسب في المكان المناسب، وإلا إذا كان هناك تقنين رسمي ترعاه الدولة لدعم هذه الأهداف والخطط التنفيذية.
ونرجو أن نكون قد أعذرنا إلى الله بتقديم هذه الورقة المتواضعة أمام المجلس الأعلى للتعليم، عسى أن ينتفعوا بها، ونسأل الله العلي القدير أن يجنب بلادنا الحبيبة شرور الانزلاق في تيارات الغرب أو الشرق، وأن يجنبها كيد أهل السوء وأذنابهم، وأن نرى في أجيال الكويت القادمة رجالًا أوفياء لله وللسلام، ولهذا البلد المعطاء.. اللهم قد بلغنا، اللهم فاشهد.
الشهادة لله
التربية ليست قسرًا...
يظن بعض أولياء الأمور أنهم يستطيعون التأثير على أبنائهم بالقوة والعنف، ويتجاهلون أصول التربية وغرس المفاهيم في نفوس أبنائهم بالطرق السليمة؛ مما يؤدي إلى إلتزام الابن بما يريده «الأب والأم» خوفًا من العقاب فقط دون أي قناعة ذاتية، وبالتالي فإنه يخالف تعليمات البيت عند أول لحظة تغيب عنه الرقابة فيها.. فذات يوم ذهبت إلى أحد المطاعم فجاءت فتاتان في العقد الثاني من العمر ودار الحديث بينهما وبين «عامل» في المطعم الذي قال لإحداهن: «إنه عندما يعود أخوك من السفر فسوف أخبره بكل أعمالك هذه».. وهنا بدأت ترجوه ألا يخبره لأنه سوف «يضربها»! ففهمت أن غياب الأخ وربما ولي الأمر كان السبب في خروج هذه الفتاة بهذه الصورة!
إن أولياء الأمور يخطئون عندما يظنون أن القوة وحدها كافية لردع أبنائهم، والحق أن العقاب جزء من العملية التربوية ولكنه ليس كل شيء فقط، وأجهزة الإعلام أيضًا مخطئة إذا ظنت أن الأفلام الخالية من «القبل» لا تؤثر في نفوس الشباب، ووزارة التربية وكل من يشرفون على العمل التربوي مخطئون إذا تجاهلوا المعاني الإسلامية والأخلاق الربانية أثناء أدائهم لرسالتهم.. فنصيحة لكل هؤلاء بالانتباه للدور المطلوب منهم وأداء الأمانة كاملة غير منقوصة فـ «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
أبو أیوب
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
التراث الإسلامي وتأويله.. مقاصد واتجاهات.. مقومات وتحديات
نشر في العدد 2184
785
الأحد 01-أكتوبر-2023