العنوان وزراء الداخلية العرب ومفهوم الإرهاب
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 12
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 18-يناير-1994
أظهرت اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب الذي اختتم أعماله في تونس في السادس من يناير الجاري، حرص كل من مصر وتونس والجزائر على جر باقي الدول العربية إلى دوامة الإرهاب التي اختلقتها أنظمة تلك الدول الثلاث ثم غرقت فيها، فوزير الداخلية التونسي أشار في الكلمة التي ألقاها نيابة عن الرئيس التونسي إلى ضرورة التصدي للتطرف الديني -على حد زعمه- وقال: «إن الوقفة الجدية المتكاتفة هي السبيل للتصدي الأفضل والفعال لكل من يحاول تشويه سمعة الدين الإسلامي الحنيف». والعجيب أنه يبدو الحرص على سمعة الدين الإسلامي الحنيف من نظام يحارب الإسلام جهارًا نهارًا ويضطهد العلماء والدعاة وسجونه مليئة بالمسلمين، كما يجرم الحجاب الشرعي وينزعه من على رؤوس المسلمات، ويفتح المساجد للسياح فيما يمنع المسلمين من صلاة الفجر والجمعة، ويجعل الإجازة الرسمية في بلد مسلم يوم الأحد بدلًا من يوم الجمعة، ويدرس لأبناء المسلمين المفاسد الغربية ويمنع عنهم تعاليم دينهم تحت دعوى «تجفيف ينابيع العقيدة الإسلامية والتدين»!
أما وزير الداخلية الجزائري فلا ندري ما هي المكتسبات التي حققتها حكومته منذ مجيئها غير زيادة الضنك والعنت والقتل والإرهاب الذي بدأته السلطة وترفض التنازل عنه حينما قال: «إن أي تهاون في مواجهة ظاهرة الإرهاب سيقضي على كل ما بنينا من مكتسبات».
أما وزير الداخلية المصري فقد «دعا الأمم المتحدة إلى رعاية اجتماع دولي يضم كل وزراء الداخلية في دول العالم للاتفاق على التعاون بهدف مواجهة الإرهاب، ولا ندري أبعاد دعوة وزير الداخلية المصري لمؤتمر يلتقي فيه وزراء الداخلية في دول تحترم آدمية شعوبها مع وزراء للداخلية أيديهم ملوثة بدماء شعوبهم، ويمارس غالبيتهم الإرهاب ضد مواطنيهم بشهادة منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الأخير الذي أدانت فيه تلك الأقطار، وأشارت إلى قيام حكوماتها بممارسة الاضطهاد والتعذيب ضد شعوبها حتى صارت بعض وزارات الداخلية في دولة مثل مصر تلقي القبض كل يوم على العشرات والمئات من أبناء الشعب المصري بتهمة الانتماء إلى تنظيمات دينية متطرفة، حتى صار يُخيل لمن يرصد الأخبار التي تنقلها وكالات الأنباء كل يوم أن معظم الشعب المصري قد صار متطرفًا وإرهابيًّا بمفهوم وتصورات قوى الأمن المصرية.
لقد نشرنا على صفحات المجتمع، وفي العدد ۱۰۷۹ على وجه التحديد دراسة صادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية في وزارة الدفاع الأمريكية، تحذر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون من الانزلاق وراء ادعاءات الحكومتين المصرية والإسرائيلية الداعية إلى ما يسمى بمكافحة الإرهاب في المنطقة، مؤكدة أن مزاعم الإرهاب هذه لم تصنعها سوى هذه الحكومات ضد شعوبها المسالمة؛ حتى تستخدمها ورقة تضغط بها على الولايات المتحدة لكي تحافظ على بقائها وتدفق المساعدات إليها. بل أكد على نفس هذه المعاني كثير من العلماء والمفكرين في مصر، وقد أشار شيخ الأزهر في أكثر من مناسبة إلى أن السلطة قد ساهمت بشكل أو بآخر في تصعيد الأحداث الدائرة في مصر وصناعة ما يسمى بالإرهاب، ولعل وقوف وزير الثقافة المصري أمام أعضاء مجلس الشعب في الأسبوع الماضي ليبرر ظهور صور عارية في مجلة تصدرها وزارته بأنها فن راق يجب إبعاد الدين عنه، يمثل صورة من صور الاستفزاز والإرهاب التي تمارسها تلك الحكومات ضد شعوبها، ولعل وزراء دول مجلس التعاون الست والسودان وغيرهم قد أصابوا حينما رفضوا الانزلاق وراء مصر وتونس والجزائر لتصعيد المواجهة مع الإسلاميين، وأقروا بإدانة الإرهاب وعدم الخلط بين الإرهاب والحركات الإسلامية المعتدلة التي تشارك بعضها في السلطة في بعض الدول العربية، حيث تشكل الحركات الإسلامية عطاءً إسلاميًّا مميزًا ومتلاحمًا مع مصالح دولها وشعوبها.
إننا جميعًا ندين الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، لكن مفهوم الإرهاب هذا يجب أن يكون واضحًا، وعلى الأخص ذلك الإرهاب الذي تمارسه بعض الحكومات ضد شعوبها.
لقد فقدت تلك الحكومات التي تمارس الإرهاب مصداقيتها لدى الجميع، حتى إن الدول الغربية التي تدعمها بدأت تعيد التفكير في سياستها نحوها، ونأمل كذلك من كافة الدول العربية الواعية أن ترفض الانزلاق وراء هذه الدول الثلاث، بل وتسعى لنصحها بالابتعاد عن قمع شعوبها التي عُرفت طوال العقود الماضية بأنها شعوب مسالمة، وأن يسعى الجميع لتحكيم شرع الله وفرض تعاليم دينه على الجميع، فبها وحدها يسود الأمن وتستقر الشعوب وتأمن الحكومات وتندحر الفتنة ويكون الدين كله لله ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: ٢١).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الإرهاب» في القانون الدولي والشريعة الإسلامية.. إشكالية المفهوم
نشر في العدد 2110
106
الثلاثاء 01-أغسطس-2017