العنوان وفاء لذكراهم: مصلحون رحلوا في أكتوبر.. الشعشاعي وأبو غدة والصالح
الكاتب عبده دسوقي
تاريخ النشر السبت 01-أكتوبر-2022
مشاهدات 3
نشر في العدد 2172
نشر في الصفحة 60

السبت 01-أكتوبر-2022
- الشعشاعي.. أصر على الجهاد بفلسطين رغم عذره وقال لإخوانه: "اعتبروني جملًا أو حمارًا أحمل لكم أمتعتكم".
- أبو غدة.. أضاف للعلوم الاقتصادية المعاصرة قيمها الأخلاقية النابعة من الشريعة في المعاملات المالية.
- الصالح.. كانت له مواقفه الوطنية بمواجهة المليشيات اللبنانية المناوئة للسلطة ما أدى إلى اغتياله.
العلماء هم سادة الناس وقادتهم الأجلَّاء، وهم منارات الأرض، وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، وهم كالنجوم ينيرون للناس بعلمهم طرق الحياة التي قد يكتنفها الظلام، وتنعدم فيها الرؤية الصحيحة، لذلك رفع الله قدر العالم العامل الصادق.
وهنا نستذكر سير بعض من رحلوا من هؤلاء الأعلام في أكتوبر:
عبداللطيف الشعشاعي.. صاحب الهمة العالية
بقرية شعشاع إحدى قرى مركز أشمون بالمنوفية بمصر، ولد عبداللطيف عبدالباري الشعشاعي عام 1914م، ورغم أنه ولد كفيفًا، فإن الله وهبه بصيرة وهمة عالية تركت له بصمات وأثرًا في كثير من مجالات العلم والحياة.
حفظ القرآن الكريم صغيرًا، وتخرج في كلية أصول الدين بالجامع الأزهر، وحصل على العالمية، وكان إمامًا وخطيبًا مفوهًا؛ فكان محبًا للعلم، حتى إنه امتلك مكتبة عظيمة عُرض عليه فيها مبلغ قدره 50 ألف جنيه، ورغم فقره وحاجته وعظم المبلغ في وقته فإنه رفض بيعها، وعندما لامه الناس، خاصة أن عنده أولادًا قال لهم: "تركت لهم الله ورسوله".
انتسب لجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر عام 1929م، وأصبح من أقرب الناس إلى مؤسسها حسن البنا؛ حيث اتصف الشيخ بالشجاعة؛ فكان لا يخاف في الله لومة لائم، حتى إنه يوم وفاة البنا خطب بالجامع الأزهر وبأعلى صوت: "مات الشهيد حسن البنا".
اختير الشيخ في مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان منذ تأسيسه عام 1933م، وحينما تألفت الهيئة التأسيسية عام 1945م لتكون بديلًا عن مجلس الشورى اختير فيها أيضًا، وفي عام 1944م اختير ليكون مسؤولًا عن قسم الأخوات المسلمات حيث نهض به ونظم شؤونه، بمساعدة زوجته زينب عبدالمجيد.
كان للشيخ دور عظيم في مواجهة الفكر التنصيري الذي اجتاح البلاد؛ فجاب المحافظات المصرية محذرًا منه، وكاشفًا مخطط المبشرين.
تعرض الشيخ الكفيف للاعتقال أكثر من مرة، فقد اعتقل عام 1948م، كما اعتقل في عهد عبدالناصر وظل خلف القضبان ما يقرب من 7 سنين.
من مواقفه أنه في حرب فلسطين أصر على المشاركة في الجهاد بأي شيء رغم أنه من أصحاب الأعذار الواضحة، ورد على إخوانه حينما قالوا له: "إنك صاحب عذر، وقد رفع الله عنك الحرج"، فأجابهم: "ألا تحتاجون في حربكم جمالًا وحميرًا تحملون عليها متاعكم، اعتبروني جملًا أو حمارًا أحمل لكم أمتعتكم إن لم أستطع القتال".
ظل مجاهدًا بالكلمة والموعظة والتربية العملية حتى توفاه الله في أكتوبر 1974م.
حسن أبو غدة.. العالم الفقيه
وُلد حسن عبدالغني محمد بشير حسن أبو غدة بمدينة حلب السورية، في 21 ربيع الأول 1366هـ/ 12 فبراير 1947م، وهو ابن شقيق العالم الجليل عبدالفتاح أبو غدة.
كان محبًا للعلم منذ طفولته؛ فدرس مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب، ثم حصل على البكالوريوس (الإجازة) في الشريعة عام 1972م من كلية الشريعـة بجامعة دمشق، والماجستير عام 1978م في كليـة الشريعـة والقانون بجامعة الأزهر بمصر، والدكتوراة في الفقه من تونس عام 1986م.
اتسم العالم الراحل بالعلم الغزير، وعُرف بأنه كان واسع الصدر سهلًا متواضعًا بشوشًا، لا تكاد الابتسامة تفارق وجهه، وله العديد من المؤلفات والكتب، نذكر منها: "رسائل إلى المسلم المعاصر"، "فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون"، "حق المرأة في اشتراط عدم الزواج عليها"، "المزاح في الإسلام"، وغيرها.
كانت له بصماته الواضحة في الاقتصاد؛ فقد أفنى حياته في البحث والتمحيص في الفلسفات الاقتصادية المختلفة وتطبيقاتها، ولم يقلد تقليد الأعمى، بل اجتهد وأضاف للعلوم الاقتصادية المعاصرة قيمها الأخلاقية الأصيلة النابعة من الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية والتجارية.
عاش فترة في الكويت قبل أن ينتقل للجزائر ثم إسطنبول حيث توفاه الله صباح الخميس 12 ربيع الأول 1442هـ/ 29 أكتوبر 2020م عن عمرٍ ناهز 73 عامًا، وذلك إثر إصابته بفيروس "كورونا".
صبحي الصالح.. وحلم لبنان المتحد
ولد د. صبحي إبراهيم الصالح بمدينة الميناء الساحلية قرب طرابلس الشام عام 1926م، لعائلة من أصول تركية، وتلقّى علومه الأولى في إحدى المدارس الابتدائية في الميناء.
سافر للقاهرة للدراسة بالأزهر الشريف، وفي عام 1947م حصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، وانتسب إلى كلية الآداب في جامعة القاهرة، وحصل على الشهادة العالمية من جامعة الأزهر عام 1949م، والليسانس في الأدب العربي من جامعة القاهرة عام 1950م، وسافر بعدها إلى باريس، ونال في عام 1954م شهادة دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة السوربون بفرنسا.
بعد تخرجه عمل بالتدريس الجامعي في جامعة بغداد، ثم في جامعة دمشق عام 1956م، ثم أستاذًا للإسلاميات وفقه اللغة العربية بجامعة بيروت العربية عام 1963م، ثم رئيسًا لقسم أصول الدين بالجامعة الأردنية عام 1971م، ثم رئيسًا لقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية عام 1975م، ومديرًا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة نفسها عام 1977م.
كان الشيخ الصالح من العلماء المنفتحين الذين عرفوا الإسلام شاملًا لا يقتصر على جانب فحسب؛ ولذا لم يجد حرجًا في التعاون مع الجماعة الإسلامية بلبنان.
وقد زخرت المكتبة الإسلامية بالكثير من مؤلفاته خاصة في علوم القرآن التي ترجمها للفرنسية.
كما ترأس كثيرًا من المناصب واللجان، منها المجلس الإسلامي الأعلى في لبنان.
كان الصالح خطيبًا مفوهًا، ومحاضرًا بارعًا، ومدرسًا موفقًا، حاز ثناء الزملاء من الأساتذة وطلابه النجباء الذين يقدرونه، ويحترمون شخصه، وحسن أدائه، ودماثة خلقه، وتواضعه، وبساطته.
وبعدما شهد لبنان حربًا أهلية قاتلة، وفي 28 ديسمبر 1985م، عُقِد "الاتفاق الثلاثي" بين المليشيات (القوات اللبنانية المسيحية، حركة أمل الشيعية، الحركة الوطنية اللبنانية الدرزية)، لتتسلّم الأمن في بيروت بديلًا عن سُلطة أمين الجميّل، وإزاء هذا الاتفاق تنامت حركة شعبية رافضة له على رأسها الشيخ الصالح فاغتالته المليشيات صباح 7 أكتوبر 1986م، حيث قام مسلّحان ملثمان على دراجة بخارية باغتياله بثلاث طلقات في الرأس، فور نزوله من السيارة التي أوصلته إلى جمعية للأيتام كان يشرف عليها، ليتوفّى فور وصوله إلى المستشفى متأثرًا بإصابته الخطيرة.
المصادر
1- عبداللطيف الشعشاعي: موقع إخوان ويكي، 23 أكتوبر 2017م، https://bit.ly/3q0Pn2c
2- مجد أحمد مكي: "العالم الفقيه د. حسن عبدالغني أبو غدة رحمه الله، 31 أكتوبر 2020م، https://bit.ly/3AXXLWB
3- صالح محمد الجاسر: أعلام في دائرة الاغتيال، مطابع الخالد، الرياض، 1411هـ.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمصلحـــون رحلــوا في يوليو .. العامر و عبدالحي وعبدالحميد والعمراني
نشر في العدد 2181
14
السبت 01-يوليو-2023

مصلحـون رحلــوا في فبــرايــر.. الجبــــري واليــــازوري والأعظمـــــي
نشر في العدد 2176
14
الأربعاء 01-فبراير-2023

