العنوان نحو قانون أفضل (وقفة مع الدستور)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-فبراير-1977
مشاهدات 15
نشر في العدد 337
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 15-فبراير-1977
تناولت «المجتمع» في أعدادها الثلاثة الماضية الحديث عن مستقبل القوانين التي يجري تعديلها الآن على يد عدد من خبراء القوانين، ودعت «المجتمع» إلى ضرورة الأخذ بالشريعة الإسلامية وإلى صياغة المجتمع الكويتي، وتأسيس قواعده الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية على مبادئ الإسلام، ولم نكن في تأكيدنا للدعوة إلى تأسيس القوانين على الشريعة الإسلامية إلا مستندين على النص الصريح الوارد في دستور دولة الكويت، الذي يقرر صراحة في المادة الثانية بأن: «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع».
وسنناقش هذا النص الدستوري بشقيه، حتى نستبين في وضوح أن كل ما ذهبنا إليه، يسنده هذا النص الواضح الذي ذهب في تفسيره المشرع مذهبًا فيه كثير من الخلط والاضطراب.
أولا- المادة الثانية من الدستور تنص صراحة على أن «دين الدولة الإسلام »، ولم يشأ المشرع في المذكرة التفسيرية للدستور، أن يتعرض من قريب أو بعيد لتفسير هذا الجزء من المادة، في حين أفاض القول عن الجزء الثاني منها والمتعلق بالشريعة الإسلامية وهو ما سنعالجه فيما بعد. وإزاء هذا السكوت الذي عمد إليه واضعو النص، أصبح لزامًا علينا أن نحاول التفسير الصحيح لهذه الفقرة من النص الدستوري.
لنقيم الحجة والبرهان على صحة ما ذهبنا إليه من أنه لا مفر من الأخذ بالتشريع الإسلامي كاملًا في قوانين الكويت، استجابة لنداء الله، أولًا، واستنادًا إلى نص الدستور الصريح الذي يقرر في غير التواء أن دين الدولة الإسلام ومن ثم يصب لزامًا على الدولة الأخذ بما جاء في نصوص الدستور.
فحين تنص الدولة في دستورها على أن دينها الإسلام، فإن مقتضى هذا في وضوح أنها قد ارتضت هذا الإسلام عقيدة وشريعة.. عقيدة أساسها التوحيد الخالص لله وشريعة قوامها الكمال الإلهي الذي لا يشوبه النقص، ولا يعتريه القصور، امتثالًا في هذا لقول الله تعالى: ﴿اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3).
فالدين بهذا المفهوم الخالص، والذي ارتضاه المشرع دينا للدولة، يقتضي- من غير التواء- الخضوع لله وحده، في كل ما شرعه للناس، وهو الأعلم بما فيه خيرهم ونفعهم.. ثم ومقتضى هذا الخضوع هو رفض إشراك البشر فيما شرعه الله للناس.. فإذا كان الإسلام قد حدد للناس إطاره العام، وبين حدود شرع الله في القضايا الكلية، وترك تفصيلها للبشر يواجهونها وفق حوائجهم وما يستجد في حياتهم، فإنه في ذات الوقت يلزم المشرع إلزامًا لا محيد عنه، أن يكون التشريع داخل هذا الإطار الإسلامي، ولا يخرج عنه لعلة طارئة، أو حجة واهية أما القضايا والأحكام الجزئية والتفصيلية، فلا محيد عن الالتزام بها، والأخذ بكل ما جاء فيها، بلا تعديل ولا تغيير ولا تحوير.
فلهذا، حين يرد النص في الدستور قاطعًا بأن المشرع قد ارتضى الإسلام دينا للدولة، فلن يكون لهذا النص أدنی تفسير، غير أن المشرع قد قبل قبولًا لا محيد عنه المعنى الوارد في الآية الكريمة ﴿ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة:3)
ومن ثم كان على الدولة وفقا لهذا النص الدستوري الصريح، الأخذ بالإسلام جملة وتفصيلًا.. والأخذ به في حياة الناس عقيدة صحيحة ومنهاج حياة متكامل، في السياسة، والحكم والاقتصاد والثقافة وفي كل ما يرتبط بحياة الناس في دنياهم وآخرتهم.
وحين تتخذ الدولة الإسلام دينًا لها، فهذا يعني أنها تحمل مسؤولية وأمانة تطبيق هذا الدين في واقع حياة الناس، بما تضعه الدولة من قوانين في إطار الإسلام- تكفل قيام هذا التطبيق حقيقة لا مجازًا..
وحين تعلن الدولة في دستورها أنها تدين بالإسلام، فإنها بذلك تعلن عن خضوعها التام لله تعالى وإن الإسلام الذي ارتضته دينا لها، هو الاستسلام لله تعالى وليس هو إسلام النطق باللسان، ولا هو بإسلام القلب والجنان فحسب، بل هو الإسلام الطاعة والتطبيق والاتباع، الإسلام الذي يملك على الدولة حسها وتفكيرها وعقلها ويحكم حياتها، الإسلام الذي يجعل كتاب الله في نظر الدولة، فوق كل كتاب وحكم الله وشرعه فوق كل حكم وشرع.
وحين تعلن الدولة على رؤوس الأشهاد، بأن: «دين الدولة الإسلام» إنما تقرر في ذات الوقت بأن الدولة شخصية معنوية، يقع عليها، بل ويلزمها ما يلزم الشخص الطبيعي من واجبات، فالدولة وعلى رأسها السلطة الحاكمة القائمة على أمور الناس، من قمتها إلى قاعدتها، يفرض عليها هذا النص الدستوري الالتزام بالإسلام سلوكًا وحياة وممارسة، ومن ثم تكون السلطة منطقية مع نفسها في مواجهة هذا النص الوارد بالدستور.. ويكون الاقتداء بها من كافة رعاياها أمرًا قائمًا على الاقتناع بأن الدولة قد ألزمت نفسها بتطبيق النص لتكون قدوة وحجة تلزم بها الآخرين.
وإزاء هذه الحقيقة الدستورية صريحة يصبح لزامًا على الدولة أن تتدخل بالتوجيه والإلزام، للمستشارين القانونيين، وللمشرع الكويتي معًا.
بأن تجيء كافة القوانين الكويتية التي تخضع الآن للتعديل متطابقة تمامًا مع منطوق المادة الثانية من الدستور، وأنه بناء على ذلك يقع باطلًا كل قانون يتعارض مع نص هذه المادة ومن ثم يصبح لزامًا على كل مواطن أن يدفع ببطلان كل قانون لا يستمد وجوده من هذه الحقيقة الدستورية الثابتة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل