; وقفة مع الدعاة | مجلة المجتمع

العنوان وقفة مع الدعاة

الكاتب الشيخ يونس حمدان

تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1975

مشاهدات 18

نشر في العدد 277

نشر في الصفحة 25

الثلاثاء 02-ديسمبر-1975

أخرج ابن ماجه والرامهر مزى في كتاب المحدث الفاصل والدار قطني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قال: 

قلنا لزيد بن أرقم[1] حدثنا عن رسول الله. قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله شديد. 

وأخرج الدارمي وابن ماجه والرامهرمزی والدار قطني عن عمرو بن میمون[2] قال كنت لا تفوتني عشية خميس إلا أتي فيها عبد الله بن مسعود فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى كان ذات عشية فقال قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم، قال: فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه وقال: أو مثله، أو نحوه، أو شبيه به. 

من هذه النصوص ومثلها كثير يتبين لك مبلغ عناية الصحابة بالحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتحريهم الدقة في التحمل والأداء. أجل لقد عرف هؤلاء الأخيار للسنة حقها فأنزلوها المنزلة الجديرة بها ولا يرتاب مسلم في أن السنة هي المصدر الثاني للإسلام ومن أجل هذا فقد أولاها العلماء جل عنايتهم فبذلوا الجهود المتواصلة الصابرة لخدمتها رواية ودراية وألفوا لذلك الكتب المتنوعة؛ فمنها كتب في دراسة أحوال الحديث من حيث القبول والرد ومنها كتب في أحوال الرواة من حيث صدقهم وكذبهم وضبطهم وغفلتهم إلى غير ذلك ولو ذهبنا نستعرض أنواع المصنفات التي وضعها العلماء لخدمة السنة المطهرة لضاق بنا المقام. 

إذن فقد اجتهد علماء المسلمين في حفظ السنة ونقلها حتى وصلت إلينا نقية من كل شائبة صافية من كل كدر ولا عبرة بما دخل على السنة من شبه المبطلين وتحريف الغالين وخرافات المشعوذين والمغرضين فقد تصدى الجهابذة لكل ذلك بالدحض والبيان بما لم يدع عذرًا لمعتذر وبما لا يذر شبهة لبطل ومرتاب، فما هو إذًا موقف دعاة المسلمين اليوم من السنة المطهـرة أن كثيرًا من دعاة الإسلام من كتاب وخطباء وغيرهم لا يراعون صحة الحديث عندما يستشهدون لآرائهم أو يستأنسون به لحججهم واستنتاجاتهم.. فأنت تنظر في معظم ما يكتبه المعاصرون من المعنيين بشئون الإسلام فلا يكاد يصفو لك كتاب من حديث مختلق أو غير صحيح مع أن بعض هؤلاء الكتاب لهم قدم راسخ في العلم ولا نستطيع أن ننعتهم بالجهل فما السر إذن في شيوع عديد من الأحاديث الضعيفة في كتبهم؛ نحسب أن الأمر لا يعدو أن يكون أن هؤلاء الكتاب أرادو أن يتخففوا من مؤنة البحث وكأنهم غفر الله لهم لا يعلمون عواقب عدم التحري فيما قد يوردونه من الأحاديث الباطلة أو الضعيفة وقل مثل ذلك في كثير من الخطباء الأبيناء المصاقع فهم لا يعنون بشأن الخبر الذي يلتمسونه للتدليل به على صحة وجهة نظرهم ولا نرتاب في أن من بينهم مخلصين في الدعوة إلى الله ولكنهم- سامحهم الله- لم يدروا أنهم رسخوا الكثير من الأحاديث الباطلة في عقول الناس ونحن نعلم أن إخواننا الدعاة من كتاب وخطباء يحزنهم ما وصل إليه الإسلام في نفوس العامة وسلوكهم فضلًا عما وصلت إليــه السنة المطهرة من تحريف وإهمال وتضييع؛ فواجب الدعاة إذن أن يتقوا الله عندما يحدثوا عن رسوله وأن يبينوا للناس ما وسعهم ذلك ما راج على ألسنتهم من الأحاديث الباطلة ولن يكون ذلك بالخطب والمحاضرات فحسب وإنما يكون كذلك بإلزام الكتاب أنفسهم الحديث الصحيح فيما يكتبونه وجملة القول تتكاتف جهود الدعاة لتعريف الناس بالفرق بين الأحاديث الضعيفة والصحيحة وبما ينشأ عن تداول الأحاديث الباطلة من المخاطر الجسيمة. 

ونحن نعلم أن هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير وعمل متواصل دؤوب ولكن الله تعالى يبارك العمل الصالح ويزيد في أثره ولو كان الجهد الذي يبذل في سبيله قليلًا فإن الله تعالى يكثر القليل الطيب ويمحق الخبيث وإن كثر وها نحن أولاء نعرض عليك بعضًا من الأحاديث التي تصح مما راج على ألسنة الكتاب والخطباء وغيرهم متوخين الإيجاز مما نعرض وفقًا لمقتضى المقام عسى أن ينتفع بهذا إخواننا وأحبابنا ممن نرجو لهم السعادة في الدنيا والآخرة مما كان له أبعد الأثر في سلوك الناس وعباداتهم.

فمن ذلك حديث- «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»- وهذا حديث يتردد كثيرًا على ألسنة الخطباء وأقلام الكتاب وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فطعنوا في صحته وممن صرحوا بعدم صحته أبو بكر ابن العربي في كتابه أحكام القرآن، فقد قال عقب إيراده لهذا الحديث «وهذا لا حجة فيه لأن الحديث لم يصح» وممن طعنوا فيه كذلك الحافظ بن كثير فقد ذكره ثم قال «أعله أحمد وأبو حاتم» وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة «لا يوجد بهذا اللفظ» وعده ابن عدى من منكرات جعفر بن جسر.

وقال ابن أبي حاتم في العلل- هذا حديث لم يسمعه الأوزاعي من عطاء ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده- وقال عبد الله ابن أحمد في العلل- سألت أبي عنه فأنكره وقال ليس يروى هذا إلا الحسن عن النبي- صلى الله عليه وسلم- ونقل الخلال عن أحمد قال «من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع عن هذه الأمة فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم. فإن الله أوجب في قتل النفس الخطأ الدية والكفارة يعني من زعم ارتفاعهما على العموم في خطاب الوضع والتكليف قال محمد بن نصر عقبة ليس له إسناد يحتج بمثله ورواه العقيلي في الضعفاء انتهى ملخصًا من كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس.

فانظروا- رحمكم الله تعالى- إلى هذا الحديث الذي يدور على ألسنة الناس وتأملوا طعن العلماء فيه متنًا وإسنادًا فسيتضح لكم بلا ريب بأنه حديث لا يصح ولا ينبغي أن يتداوله الكتاب والخطباء. 

والغريب أن هذا الحديث على ضعفه الشديد قد شاع بين كثير من الناس وتداوله كثير من إخواننا الدعاة في كتبهم وخطبهم مستنبطين منه الأحكام غفر الله لهم ولو أنهم بحثوا في حال هذا الحديث متنًا وإسنادًا لعزفوا عن الاستشهاد به وانصرفوا عن التعويل عليه.

ومن تلك الأحاديث التي يتداولها العلماء في أحاديثهم وكتاباتهم. «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»- وقد طعن أهل الحديث في هذه الرواية وبينوا عدم صحة ثبوت نسبتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهاك طرفًا من أقوال العلماء في هذه الرواية.

قال الحافظ ابن حجر ليس له إسناد ثبت وإن اشتهر بين الناس وقد رواه الدارقطني والطبراني بأسانيد كلها ضعيفة لا تستقيم وكذلك رواه ابن حبان في الضعفاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم. وغاية ما يمكن أن يقال في هذا الحديث أنه من كلام علي ابن أبي طالب- كرم الله وجهه، فأنت ترى بعد أن عرضت عليك طائفة من أقوال العلماء في شأن هذا الحديث أنه لم يصح ثبوت نسبته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وربما استشهد بهذا الحديث من لم يكلف نفسه مؤونة البحث في حال هذه الرواية وهو عندما يستشهد به بنسبه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي هذا من الخطر ما فيه لأنه يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل فالأحرى بدعاة الإسلام أن يثبتوا من الرواية، قبل أن يحدثوا بها الناس ونحن نكتفي بما اجتزأناه لك عزيزي القارئ آملين أن ينفعك الله تعالى بما سمعت من أقوال العلماء في شأن هذين الحديثين وليس ما أوردناه إلا نموذجًا من الأحاديث الكثيرة الضعيفة والباطلة التي تشيع على ألسنة الناس وقد تروق بعض الدعاة إلى الله حكمة جميلة أو قول مأثور فيعزونه إلى الرسول وهو لا يعرف أنه قول مأثور وقد يكون معنى هذا القول صحيحًا موافقًا لأصول الإسلام أو لمقتضيات العقل ولكنه غير ثابت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فمثل هذا لا يجوز إسناده إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وإن صح معناه لأن كلام النبي ليس ككلام آحاد الناس؛ إن كلامه شرع وقوله وحي وكل واحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم- صلى الله عليه وسلم- فهو- صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلا حقًّا أما سواه من الناس فيقولون الحق وغيره. 

إن رواج الأحاديث الباطلة على ألسنة وأقلام بعض الدعاة مشكلة خطيرة ينبغي أن تتكاتف الجهود المخلصة لحلها وقد يساعد في الحل أن ينشأ معهد لتعليم السنة وأن يوضع له منهج متكامل متخصص في شؤون الحديث رواية ودراية وأن يعرض هـذا المنهج لتأريخ السنة وتطور علومها كمـا يجعل فيه قسم آخر لدراسة شبه المبطلين ومفتريات المستشرقين وأن يقسم هـذا المنهج بحيث يغطى كل جوانب السـنة المطهرة وأن يجند للتدريس في هذا المعهد المتخصصون من أهل الخبرة في هذا العلم الشريف والعالم الإسلامي فيه متخصصون ولديه الإمكانيات لإنشاء مثل هذا المعهد لا سيما الدول الغنية التي أفاض الله عليها من فضله فهذه الدول تستطيع أن تتبنى تأسيس مثل هذا المعهد ولها من الله تعالى خير الجزاء وقد يساعد في حل المشكلة التي أومأنا إلى فداحتها أن تقوم بعض الهيئات العلمية أو المؤسسات الثقافية الإسلامية بإصدار مجلة شهرية أو فصلية تناقش قضايا السنة وينبغي أن يقوم على إصدار مثل هذه المجلة أساتذة متخصصون ممن نذروا أنفسهم لخدمة السنة وأن ترد على أسئلة الناس المتعلقة بالحديث وجملة القول أن تتمخض هذه المجلة لتناول شئون السنة وقضاياها. وليست هذه المشكلة أعني شيوع الأحاديث الباطلة بالمشكلة اليسيرة وإنما هي خطيرة جدًّا لما ترتب عليها من تفشي البدع وانتشار الخرافات وشيوع الأباطيل... قلنا: إن رواج الأحاديث الباطلة ليس مشكلة يسيرة وكذلك ليست هي الوحيدة للدعاة فهناك كثير من المشاكل التي يعانون منها؛ فمنها اللغوي والثقافي والتصور والاعتقاد إلى غير ذلك ولعله يتاح لنا أن نمد أطناب القول في بعض هذه الموضوعات ونعتقد جازمين أن بعض أسباب التخلف الفكري والتراجع الحضاري تعود إلى الدعاة وطريقة عملهم وأسلوب حوارهم ونهج تفكيرهم ونعتقد أن من واجب إخواننا الدعاة أن يصارحوا أنفسهم وأن يصارح بعضهم بعضًا فيما آل إليه أمر الدعوة الإسلامية وأن يمحصـوا جهودهم السابقة ليقفوا على أخطائهم فيحاولوا تلافيها في مستقبل أيام عملهم.. وصفوة القول: على الدعاة أن يعيدوا حساباتهم لما مضى وأن يخططوا لما عسى أن يجد من أحداث لعلهم يستطيعوا أن يخرجوا بهذه الأمة الإسلامية من الوضع المحزن الذي آل إليه أمرها. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة:105).

الرابط المختصر :