الثلاثاء 12-أكتوبر-1971
ونحن على أبواب شهر القرآن
جولة في دار القرآن الكريم
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
تحقيق: أبو هالة
سيظل القرآن الكريم -كما أراده الله- سفينة النجاة للعالمين، يمضي بها المؤمنون وسط أمواج الحياة، لا تؤثر فيها عواصف الرياح المهتاجة ولا غضبة البحار الهادرة.
ولا تعوق من يمسكون بالمجاديف ظلمة ليل أو صخور مجرى لأن أنوار السفينة الإلهية تمتد بأضوائها إلى أبعاد تتجاوز حدود الرؤية البشرية.
ولا يوقف المسيرة المؤمنة من مجتمع السفينة القرآنية صفير الأصوات الشيطانية التي تحاول أن تنفخ في الزبد على سطح البحر ليثير الخوف في نفس الراكبين... لأنها أصداء أوهام مثلت لهم النجاة في وقفة على صخرة أو في هبة ريح سرعان ما تفتت الأولى المياه، وتسكت الثانية زخات مطر، بينما المؤمنون بسفينتهم في أمن الله ورعايته، وتوفيقه وتسديده يمضون على الصراط المستقيم.
في الطريق
كان هذا ما يدور بنفسي وأنا أتوجه نحو «دروازة عبد الرزاق» وبجوار المكتبة العامة لأصعد إلى «دار القرآن الكريم» التي أنشأتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية... وكنت أتوجس خيفةً في نفس الوقت من أن أرى هذا المشروع الوليد في بداية حبوه على سلم الحياة لم يصل بعد ركاب السفينة إلى عدد يستطيع أن يواجه أعباء السفينة ومتطلباتها... ونحن في القرن الرابع عشر من نزول القرآن الكريم وأعداد السفينة.
الدار المتواضعة
ورغم أن الدار متواضعة لم تمتد إليها يد العلم والإمكانيات بإنشاءات حديثة، تستوعب ما رأيته من زحف بشري كان ينتظر إشارة البَدْء وإعلان اليوم، ليتقدم في زحام متدافع بكل رغبة وأمل في أن يجد له مكانًا... إلا أني وجدت العمل يسير بكل عزم وقوة، وهمة ونشاط... فيبهرك أن ترى الصفوف مكتظة لا مكان فيها لمستجد.
مع مدير الدار
وتوجهت إلى فضيلة الشيخ حسن مراد مناع المستشار الثقافي للوزارة والذي عهد إليه أن يكون أيضًا مديرًا لدار القرآن الكريم.
التهنئة
فضيلة المدير:
أولًا: أهنئكم باسم جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلة المجتمع بمناسبة بدء الدراسة للعام الأول لدار القرآن الكريم ونقدم الشكر لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولفضيلتكم ولزملائكم من الأساتذة العاملين معكم ولطلابكم ونسأل الله أن يبارك داركم حتى تؤتي ثمارها بإذن الله طيبة مباركة.
حفظ القرآن أمنية كل مسلم
ثانيًا: أود أن يعرف قراء «المجتمع»:
متى نبتت فكرة إنشاء دار القرآن الكريم، ومتى صدر القرار بها؟
وأجاب فضيلته:
-إن حفظ القرآن الكريم أمنية تتردد أصداؤها في كل نفس مسلمة تود أن يعيش قلبها في نداه ونصرته، وأن تسعد به لسانها وأن تمتع به عقلها، وأن تقوم به انحراف أفكارها وأن تقيم به الحجة الساطعة والبرهان القوي.
وهو كذلك رغبة لدى كل مصلح يستشعر الهاوية التي تردى فيها العالم الإسلامي يوم أن جرفه تيار الاستعمار بعيدًا عن كتاب الله الكريم.
-وهو كذلك جهاد لتحصين المؤمنين ضد غزوات الفكر الإلحادي ووضع أيديهم على المنبع الصافي النقي من لدن العلي الكبير.
-وحفظ القرآن في الصدور طريق إلى التذكر الدائم والتدبر في آياته كل حين، فيسمع الإنسان آيات التهديد والوعيد، وآيات البشرى وجنات النعيم ويكون له منه المنظار الوحيد الذي ينظر من خلاله جميع صور الحياة.
ولقد كان حفظة القرآن من أوائل الدعاة المجاهدين، فقد استشهد منهم عدد كبير في أهم معارك الإلحاد والارتداد في صدر الإسلام -ألا وهي معركة اليمامة التي كانت ضد «مسيلمة الكذاب».
لذلك لم يكن التفكير في تحفيظ القرآن الكريم مستحدثًا في بلد مسلم كالكويت له تاريخه المرتبط بالرسالة المحمدية، والذي لم يكن حتى عهد قريب فيه نوع من التعليم سوى القرآن الكريم في الكتاتيب والمعهد الديني.
-وحينما وجدت الدراسات المدنية طريقها إلى الكويت كان انصراف الكثيرين إليها مسايرة للنهضة العلمية الحديثة، انصرافًا في نفس الوقت عن حفظ القرآن الكريم وإن كان هذا لم يعدم برنامجًا محدودًا في مناهج وزارة التربية، وجهودًا لجمعية الإصلاح الاجتماعي في دوراتها الصيفية.
تاريخ إنشاء الدار
-فضيلة المدير:
أود أن تذكر لنا متى كانت فكرة إنشاء دار القرآن الكريم؟
-إن فكرة إنشاء دار متخصصة لحفظ القرآن وعلومه، دارت في أذهان المسؤولين بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هذا العام وفي خلال هذا الصيف صدر القرار بإنشائها وأعلن عنه في ذكرى المولد النبوي الشريف في شهر ربيع الأول ۱۳۹۱ وتم افتتاح الدراسة بها يوم السبت الموافق ۱۲ شعبان الحالي بحمد الله.
أهداف الدار
-هل يمكن أن تذكر لنا فضيلتكم أهداف الدار؟ وهل هناك ازدواجية بينها وبين المعهد الديني؟
أولًا -أهداف الدار يمكن تلخيصها في الآتي:-
١-تمكين الجيل الذي حفظ القرآن الكريم من جودة الترتيل وتفهم الآيات.
٢-إعطاء الحفظة قدرًا من التفسير يستطيعون به تذوق المعنى ومعرفة الحكم.
٣-منح الفرصة لكل راغب في حفظ القرآن الكريم أن يحقق غايته، وتسهل له وسائل الحفظ التجويد مع التفسير.
٤-أن يعيش المسلمون في جو قرآنهم بلا فوارق من سن أو جنسية وتمكين النفوس المتعطشة من أن تنهل من فيضه والتي فاتها القطار السابق.
ثانيًا -لا توجد ازدواجية بين دار القرآن الكريم والمعهد الديني، إذ إن دار القرآن الكريم لها طابعها الخاص حيث تباشر خدمة القرآن الكريم وعلومه، وتركز جهودها لتحفيظه الناس وتجويده وتعليمه إياهم مهما اختلفت أعمارهم وتنوعت وظائفهم وأعمالهم، وهي لهذا تيسر الدراسة لموادها فترة في الصباح وأخرى في المساء.
أما المعهد الديني فله مناهجه الدينية والمدنية، والعلوم المتنوعة من رياضيات ولغات... إلخ، ولا يلتحق به إلا طلاب في سن معينة يستوفون شروط الالتحاق به والانتساب إليه.
مواد الدراسة
-ما هي مواد الدراسة، ومن الذي يقوم بالتدريس؟
-تنحصر مواد الدراسة في كل ما يتصل بالقرآن حيث تشتمل كل من الفترة الصباحية والمسائية يوميًا على ثلاث حصص على الوجه الآتي:
الحصة الأولى: ترتيل الآيات ترتيلًا شرعيًا حسب أصول من التجويد.
الحصة الثانية: تفسير بحت يتم شرح الآيات الكريمة شرحًا إجماليًا.
الحصة الثالثة: للحفظ والتسميع.
-وقد أعد المنهج بحيث يتم تحفيظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم في كل عام دراسي.
- ويجري امتحان شهري، وامتحان نهائي آخر العام بحيث لا ينقل الدارس إلا إذا نجح في الامتحان النهائي.
هيئة التدريس
ويقوم الآن بالتدريس في الدار أصحاب الفضيلة وعاظ وزارة الأوقاف وهم من علماء الأزهر الشريف -وقد تعاقدت الوزارة مع عدد من مدرسي معهد القراءات بالقاهرة، وهم متخصصون في تدريس القرآن وأحكام التجويد، وسيباشرون عملهم في الأيام القليلة القادمة.
۷۰۰ طالب
-كم عدد الفصول، وعدد الدارسين حتى الآن؟
-ثمانية فصول صباحية للدارسين الذين يسمح وقت عملهم بذلك أو الذين لديهم القدرة على المواظبة صباحًا.
-سبعة فصول مسائية للدارسين من الموظفين والعمال وغيرهم الذين ليس لديهم فراغ في الصباح حيث ينتظمون في الدراسة المسائية.
-أما عدد الدارسين حتى الآن ۷۰۰ سبعمائة وما زالت طلبات التسجيل تصل إلى إدارة الدار-كما رأيتم الآن.
مدة الدوام
-ما هي أوقات الدراسة ومواعيدها؟
-في الصباح يبدأ الدوام من الساعة ٨ صباحًا، وينتهي الساعة 5,10 صباحًا وفي المساء يبدأ الدوام من الساعة 5,4 بعد الظهر، وينتهي الساعة 20,7 مساء وننتهز فرصة حلول صلاة المغرب في الفترة المسائية ليصلي الأساتذة والطلاب معًا صلاة المغرب جماعة مع احتساب الوقت من الراحة بين الحصص.
شروط الالتحاق
-هل هناك شروط معينة للالتحاق بالدار؟
-ليست لدينا شروط سوى الإلمام بالقراءة والكتابة مع إعفاء مكفوفي البصر من هذا الشرط، بل أن الدار تفتح أبوابها لكل المواطنين ولمن يقيمون على أرض هذا الوطن من المسلمين... فلا نشترط سنة معينة ولا شهادة معينة.
نوعية الطلاب
-ما هي نوعية الطلاب الذين انتظموا في الدراسة حتى الآن؟
كثير من موظفي المساجد، وكثير من رجال الجيش والشرطة، وعديد من المواطنين، حتى أن بعض القضاة انتظموا في الدراسة المسائية.
والجميع بحمد الله ينتظمون بروح عالية، وأمل مشرق في هذه الدراسة.
التوقعات بالنجاح
-سؤال أخير: هل تتوقعون فضيلتكم نجاح هذا المشروع وما مدى توقعاتكم لمستقبلها؟
-إن هذا الزحف البشري من المؤمنين بالكتاب الكريم الذي فاق تصوراتنا يوم بدأنا فيه... والذي كان لا يدور بخلدنا أن يتجاوز العدد في أول الأمر عن ۱۰۰ مائة طالب... الدليل على النجاح المرتقب... وأن طلبات الانتساب التي ما زالت ترد إلينا من قلب المدينة والمناطق النائية لتدل على أن روح الحب للقرآن الكريم هي التي تسيطر على الناس وتدفعهم...
-وما دام الأمر كذلك فالنجاح حتمي بإذن الله... وستكون لها فروع تحمل لواء القرآن وترفع الصوت به عاليًا في كل مكان تحقيقًا لوعد الحق سبحانه وتعالى:- ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. (سورة الحجر: 9)
أمل
وبدأت أهبط الدرج من الدار التي تشغل طابقًا واحدًا من المبنى... مؤملًا أن تعد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مبنى مستقلًا مزودًا بكل الإمكانيات الحديثة، وقاعة للمحاضرات العامة، ومكتبة خاصة بأمهات الكتب الإسلامية وأشرطة التسجيل.
-وأن تعد الوزارة نفسها لفروع القرآن الكريم تبثها في الأطراف النائبة للدولة، حتى يتمكن كل الراغبين من تحقيق أمانيهم.
-وحتى يصبح الاسم على مسمى، يصنع رجال القرآن الذين يحملونه عن فهم وصدق وعلم وعمل.
-وحبذا لو اتجه المسؤولون إلى «المرأة» فأعطوها الفرصة لتحفظ كتاب الله في دار تعد لها خصيصًا وهي أحوج ما تكون لهذه الدراسة، ونحن معشر الرجال أحوج ما نكون إلى نوعية هذه المرأة، تترنم بالقرآن، وتنشئ الأجيال على خلق القرآن.
أبو هالة
من أجل جيل قرآني واعٍ...
معهد الفرقان في سوريا
إن حاجة البشرية إلى الكتاب الكريم تدفع المخلصين دائمًا من أبناء الأمة الإسلامية أن ينهضوا من سباتهم، ويتحركوا في الاتجاه الصحيح نحو إعداد جيل من المسلمين يحمل القرآن الكريم عن فهم ووعي ويبشر به العالمين ويقدمه للناس منهجًا لحياتهم ودستورًا لهم في شؤونهم فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها -وإن هذه النهضة التي بدأت طلائعها في سوريا الشقيقة بإنشاء «معهد الفرقان» لتبشر بالخير وتبعث الأمل. ولقد حرصت إدارة المعهد على أن يكون منهج الدراسة شاملًا للمواد الآتية:
1-القرآن الكريم- حفظه وتجويده أو ترتيله فضلًا عن تفسيره.
٢-الحديث الشريف- حفظه، ودراسة مصطلح الحديث، وشرحه.
٣-التوحيد- بكل ما يؤصل العقيدة في النفوس ويرد شبهات الملاحدة.
٤-النحو العربي- بكل ما يمنح القارئ قدرة على فهم قواعد اللغة العربية ويلحق به: الأدب العربي، والبلاغة العربية، والصرف والخطابة والتعبير.
٥-الفقه الإسلامي- بكل ما يعطي الدارس إلمامًا بالأحكام الشرعية ويلحق به: تاريخ التشريع، وأصول الفقه، وعلوم القرآن الكريم والأحوال الشخصية، حكمة التشريع.
٦-السيرة النبوية- بكل ما تقدمه من دراسة للقدوة الحسنة صلى الله عليه وسلم ويلحق بها: التاريخ الإسلامي.
٧-التربية الإسلامية- بكل ما يصنع الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة الإسلامية.
وقد تم إنشاء المعهد بالجمهورية السورية في العالم الحالي ۹۱ - ۱۳۹۲ هجرية ۷۱- ۱۹۷۲ ميلادية والدراسة فيه أربع سنوات. بارك الله الجهود المخلصة ووفق ذوي المال من المسلمين إلى مساعدتها.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل