; وها هو رمضان ينقضي.. دروس اقتصادية مستمرة | مجلة المجتمع

العنوان وها هو رمضان ينقضي.. دروس اقتصادية مستمرة

الكاتب د. أشرف دوابه

تاريخ النشر الجمعة 01-يونيو-2018

مشاهدات 20

نشر في العدد 2120

نشر في الصفحة 27

الجمعة 01-يونيو-2018

وداعاً رمضان.. مرحبا بالعيد

وها هو رمضان ينقضي..

دروس اقتصادية مستمرة

أعمال البر لا تنقضي بانقضاء رمضـان والاستفـادة من فضـله لا تنتهي بانتهائه

عجباً لإنسان يغتم بما ينقص من ماله ولا يبكي على ما ينقص من عمره!

من قوام العمران تكافل القلوب والنفوس وهو من الدروس العملية التي طبقناها في رمضان

من يريد الشفاء والغنى والمغفرة وتوقي مصارع السوء فعليه بالصدقة

هكذا الأيام الطيبة المباركة تمر سراعاً؛ فرمضان ذلك الضيف الكريم الذي عشنا معه أياماً معدودات، جاء سريعاً وانقضى سريعاً، وإذا كنا عشنا معالم العديد من الدروس الاقتصادية في رمضان، فينبغي أن تستمر تلك الدروس بقية العام، ويكفي أن هذا الشهر الكريم أعطانا صورة واقعية عن الوقت الذي هو كالسيف، إذا لم نقطعه يسبقنا هو بالقطع.

لقد انقضى رمضان، لكن أعمال البر لا تنقضي، والاستفادة من فضله لا تنتهي، ومن ثم تبدو أهمية الحفاظ على قيمة الوقت ما بعد رمضان أيضاً، بإعماره بالعمل الصالح، وفي مقدمة ذلك الإنتاج النافع؛ فاستثمار الوقت فيما ينفع قيمة عظمى ومرتبة كبرى، لذا كان النبي، صلى الله عليه وسيلم، يقول: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ» (رواه البخاري)، والصحة الجيدة تعني مزيداً من الإنتاجية ومن ثم الإنتاج، كما أن استهلاك الوقت فيما لا ينفع بالفراغ القاتل هو قتل لصاحبه.

كما حث النبي، [، على اغتنام الوقت باعتباره هو الحياة بكل جوانبها، فقال [: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (رواه الحاكم)، وهذا الحديث يعكس قيمة الشباب، والصحة، والغنى، والفراغ، والحياة بصفة عامة باعتبارها مواطن قوة لا بد من استغلالها بما يحقق المنفعة لصاحبها ومجتمعه من حوله، ولا يمكن التغاضي عن قيمة عناصر القوة هذه في زيادة الإنتاجية، والإنتاج قوة.

وفي هذا الإطار أيضاً يأتي حديث النبي، [: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه» (رواه الترمذي).

ولعل إثارة قضية المال في الحديث تعكس قيمة الاقتصاد في حياة المسلم كسباً وإنفاقاً، فلا يكسب إلا حلالاً، ولا ينفق إلا حلالاً بعيداً عن الإسراف والتبذير والترف، ومن ثم يوفق بين موارده واحتياجاته وهذا هو عينه موضوع علم الاقتصاد في واقعنا المعاصر.

الوقت والإنتاج

كما أن النبي، صلي الله عليه وسلم، ربط الوقت بالإنتاج ربطاً دقيقاً في صورة رائعة حينما قال: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل» (رواه أحمد).

فما أحوجنا إلى تقرير قيمة الوقت في حياتنا واستغلاله بصورة رشيدة، ورحم الله ابن مسعود، رضي الله عنه، الذي كان يقول: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي».

وعجباً كل العجب لإنسان يغتم بما ينقص من ماله ولا يبكي على ما ينقص من عمره، كما كان يقول السري بن المفلس، رحمه الله، وكان الحسن البصري، رحمه الله، يقول: «أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم».

إنه إذا كان من فضل الله علينا أن أكرمنا بالاستفادة من الأوقات في رمضان عبادة ومعاملة وإنتاجاً وتنمية، فليكن ذلك الشعاع الذي ينير لنا الطريق من رمضان إلى رمضان، وليكن شعارنا كما كان شعار السلف الصالح عمارة الوقت بدلاً من هدره وقتله، فلنستثمر أوقاتنا بالحفاظ على كل دقيقة فيها، واحترام أعمالنا، وترشيد استهلاكنا، والتمسك بأذكارنا، والارتباط اليومي بقرآننا، وصلة أرحامنا، وسعينا على المسكين واليتيم والأرملة، حتى يتحقق العمران المادي والمعنوي لمجتمعاتنا، الذي هو من ثمار التقوى التي يخرج بها المسلم في رمضان، وهي في الوقت نفسه الحكمة الظاهرة من الصيام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183}) (البقرة)، فالتقوى هي مفتاح تحقيق التنمية الاقتصادية، والله تعالى يقول: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) الأعراف: 96)، كما أن التقوى هي مفتاح إزالة الهموم وغم الديون وتوسيع الأرزاق للعباد، والله تعالى يقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق).

تكافل القلوب

كما أن من قوام العمران تكافل القلوب والنفوس، وإذا كان هذا من الدروس العملية التي طبقناها عملياً في رمضان؛ فإنه يجب العض عليها بالنواجذ، فهذا من الأسس المتينة والأركان الوثيقة للنظام الاقتصادي الإسلامي، باعتبار المجتمع كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأنه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

إن من أجمل الخصال الأخلاقية مد يد العون والرعاية والبذل للمحتاجين في رمضان وغير رمضان، فإذا كانت صدقة الفطر تجبر نقصان الصوم وتطهر صاحبه مما ارتكبه من لغو أو رفث في رمضان، وفرصة يواسي فيها الصائم إخوانه الفقراء والمساكين ويحس بحاجتهم وآلامهم، ويشاركهم ويشاركونه فرحة العيد ويكفيهم ذل السؤال في هذا اليوم الفضيل؛ مما يزيد من الحب والود والتراحم، ويغلق أبواب الحقد والحسد والكره؛ فإن الصدقة بصفة عامة ينبغي أن تكون سلوكاً يلازمنا طوال العام لتحقيق تماسك البنيان الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، خاصة أن فيها من المنافع لصاحبها ما يجعله أشد حرصاً عليها.

فمن يريد أن ينمي ماله ويوسع أرزاقه فعليه بالصدقة «ما نقصت صدقة من مال» (رواه مسلم)، «ما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة» (رواه أحمد)، ومن يريد مغفرة خطاياه فعليه بالصدقة؛ «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (رواه أحمد)، ومن يريد الشفاء من الداء فعليه بالصدقة؛ «داووا مرضاكم بالصدقة» (رواه البيهقي)، ومن يريد أن يبعد عن نفسه مصارع السوء فعليه بالصدقة؛ «صنائع المعروف تقي مصارع السوء» (رواه الطبراني).

وكل هذا يحتم علينا أن يكون ارتباطنا مع دروس رمضان الاقتصادية ارتباطاً ربانياً لا رمضانياً، فنتخذ من تلك الدروس الاقتصادية في رمضان وقوداً يعيننا على باقي شهور العام.>

مأثورات اقتصادية

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ -لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتاً فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ»، وفي رواية أَنَّهُ قَالَ: «وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ» (رواه مسلم).>

مفاهيم اقتصادية

 خراج الوظيفة

فيه يكون الخراج شيئاً في الذّمّة يتعلّق بالتّمكّن من الزّراعة، ويجب الخراج على مالك الأرض ما دام التمكن من الانتفاع بالأرض قائماً ولو لم يقع الزّرع بالفعل، لأن التقصير حينئذ يكون من جانب المالك، فيتحمّل نتيجة تقصيره، وهذا النّوع من الخراج يسمّى أيضاً خراج المقاطعة وخراج المساحة، لأنّ الإمام ينظر إلى مساحة الأرض ونوع ما يزرع عند توظيف الخراج عليها.

ويؤخذ خراج الوظيفة مرّةً واحدةً في السّنة، ولا يتكرّر بتكرّر الخارج من الأرض، وقد فرض هذا النوع من الخراج أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، على أرض السّواد، ومصر، والشّام، «ولم يكن ذلك في عهد رسول الله، [، وإنما وجب بالإجماع.

الرابط المختصر :