; ۲۱ أغسطس.. حريق المسجد الأقصى، أم حرق وجود المسلمين الأدبي؟! | مجلة المجتمع

العنوان ۲۱ أغسطس.. حريق المسجد الأقصى، أم حرق وجود المسلمين الأدبي؟!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أغسطس-1971

مشاهدات 12

نشر في العدد 73

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 17-أغسطس-1971

۲۱ أغسطس..

حريق المسجد الأقصى، أم حرق وجود المسلمين الأدبي؟!

ستمر حادثة إحراق المسجد الأقصى.. وكأنها لم تقع قط، وسيستقبل المسلمون ٢١ أغسطس، وهم ماضون في حياتهم المعتادة.. وكأن الأمر لا يعنيهم!

إن «حياة» الأحداث في العقل والنفس؛ لا تكون إلا في أمة حيّة.. يَقِظَةِ العقل، والوعي، والضمير.. 

وإحراق المسجد الأقصى في الحقيقة حادثة تاريخية عقائدية جد خطيرة.. ولها ما بعدها؛ فالنيران قد تلتهم إنسانًا، وتأكل بيتًا.. وتحرق مسجدًا.. هذا شيء عادي يقع في الحياة باستمرار، ولا ينطوي على خطورة -ما دام وقع دون تدبير- سـوى الخسائر المادية التي مهما كثرت؛ فإنها تُعوّض، وتُغطّى.

أما إحراق «الرمز» قصدًا.. وفي استهتار سافر؛ فهذه هي الإهانة التي تجعل الأمم الحية تضحي بأغلى ما تملك لتدفعها عن نفسها.. وتقتص من المُستَهتَرين بها.

لو دبرت دولة ما.. إحراق «علم» دولة أخرى -لها تمثيل دبلوماسي فيها- لقامت قيامة الدولة ذات العلم المحروق، ولأججت نيران العداوة في بنيها، ووجهتها نحو الدولة الحارقة، ولقطعت العلاقات معها بحماسة.. وعزمٍ وتَحَدٍّ..

هل تثور الدولة ذات العلم المحروق من أجل قطعة قماش ملونة لا تساوي شيئًا يُذكر من المال؟ بالتأكيد لا، ليس هذا هو سبب الثورة.

إن الثورة تقوم لأن إحراق «الرمز» يتعدى كل شيء مادي، ويصيب كرامة الأمة التي أُحرق علمها.. ويصيب عزتها ووزنها الأدبي.

وهذا كله يجري في نطاق المعاني الوطنية والقومية.. أما حين يتصل الأمر بالعقائد، والقيم الدينية؛ فإن الثورة ينبغي أن تكون أكثر حرارة.. وأشد تحديًا، وأوفر رغبة في التضحية من أجل العقيدة والإيمان.

المسجد الأقصى «رمز» عقائدي لوجود المسلمين الأدبي.. وشخصيتهم المعنوية..

فلقد آلت مواريث النبوات السابقة كلها -ومنها المسجد الأقصى- إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- وبانتقال النبي إلى الرفيق الأعلى آلت مواريثه -عليه السلام- إلى الأمة الإسلامية؛ لتكون أمينة عليها.. حفيظة معانيها وقيمها..

وللمسجد الأقصى آيات تتلى في القرآن الكريم: - ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ.. (الإسراء: 1) وهو المكان الذي عرج منه الرسول -عليه الصـلاة وعليه والسلام- إلى سدرة المنتهى، والمسجد الذي صلى فيه، وأمَّ الأنبياء هناك..

المسجد الأقصى «رمز» عقائدي لجهاد عمر بن الخطاب -رضی الله عنه- وهو يفتح بيت المقدس، ويأخذ مفاتيحه ليقوم بالأمانة التي حملها الله عز وجل لهذه الأمة.

المسجد الأقصى «رمز» عقائدي لجهاد صلاح الدين الأيوبي، وهو يجمع الأمة على كلمة الله، ويدفعها لتحرير بيت المقدس، ويسلمها مفاتيحه بعد نزعها من أيدي الصليبيين التي ظلت مئات السنين معنا؛ حتى وَهَتْ أكتاف هذا الجيل عن حمل الأمانة.. وسقط القدس في يد حاخام إسرائيل!

المسجد الأقصى «رمز» يربط ولاية المسلمين على القدس بولايتهم على مكة والمدينة؛ ومن ثم كان من أحد المساجد التي لا يُشد الرحال إلا إليها.

المسجد الأقصى إذن «رمز» لوجود المسلمين الأدبي.. وإحراقه إنما هو إحراق لهذا الوجود.. عن عمد وفي تحدٍّ واستخفاف.

وهذا يعني -في معنى من المعاني- إحراق المسجد الحرام.. والمسجد النبوي.. وكل مسجد يصلي فيه المسلمون، فآيات القرآن ربطت بين المسجد الحرام والمسجـد الأقصى، والرسول -عليه السلام- ربط بين المساجد الثلاثة. 

وكما أن توقير مسجد منهن يعني توقير المسجدين الآخرين، فإن أي إهانة توجّه إلى واحدٍ منهن تعني إهانة لهنَّ جميعًا، وهذا ما فعله اليهود حين أحرقوا المسجد الأقصى، ومع هول الخطر.. وبشاعة الاستهتار يمضي المسلمون في حياتهم؛ وكأن شيئَا لم يحدث!!

ما هذا الذل؟! ومتى يثور المسلمون إن لم يثوروا في هذا الموقف؟! وفي مواجهة هذا الحادث الذي لا يعني سوى إسقاط «شخصية» العالم الإسلامي.. وإلغائها من الحساب؟ 

وحادث إحراق المسجد الأقصى لابد أن ينقل القضية إلى مستوى آخر، وهو: ضرورة تعبئة الأمة وترتيب حياتها في ضوء الإعداد لمعركة التحرير المقدسة.

وإن كان لا معنى للأمل في الذين طال عليهم الأمد، وأضاعوا مواريث النبوة، وأحلوا قومهم دار البوار؛ فإن فقدان الأمل في هؤلاء يُحَمِّلُ العمل الإسلامي مسئوليات كبيرة.. جد كبيرة، فلا بد من تعبئة الجماهير المسلمة، ودفعها إلى طريق التحرير المقدس..

والقضية تهم الأمة كلها.. وهذا التصور يساعد على الانطلاق، ويحيط العمل بقيم كبيرة، هي موضع التسليم من كل مسلم.

إن المعركة عقائدية في الدرجة الأولى.. ويشاء الله سبحانه أن يجرد العابثين بمصير هذه الأمة ممن ينتسبون إليها!! أن يجردهم من كل سلاح يرفعونه في وجه الإسلام، فلقد طال حديثهم عن ضرورة إبعاد الإسلام عن المعركة.. بید أن مواقف اليهود الدينية العقائدية المتعصبة لم تدع مجالًا للغو هؤلاء.

لن يستطيع العابثون أن يقولوا: - إن احتلال القدس وإحراق المسجد الاقصى كان من أجل إسقاط الأنظمة، ولن يستطيعوا القول: إن المعاني والقيم التي أهانتها إسرائيل هي معانٍ قومية ووطنية، أو اشتراكية.

المواجهة عقائدية.. وأي رجل.. أي زعيم.. أي كاتب.. يحاول أن يصرف الأمة عن هذه الحقيقة؛ إنما هو غشاش مزور يساعد الأعداء علـى مواصلة ضرب الأمة.. وإهانة معتقداتها ومقدساتها.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل