العنوان 5 ظواهر رئيسية في حرب لبنان
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1976
مشاهدات 15
نشر في العدد 296
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 20-أبريل-1976
ليس أسوأ ما في الأحداث والكوارث أنها تقع فحسب. ولكن أسوأ ما فيها أيضًا عدم الاعتبار بها.
إن بلادة الإحساس بلاء يضاف إلى هول الفواجع فإذا الحياة سلسلة من الكرب والجزع والفتن المستمرة.
في آخر سورة التوبة يصور القرآن الكريم حالة التعساء الضالين الذين ماتوا على الكفر بأنها حالة البلادة الكاملة التي تحرم أصحابها من الاعتبار بالأحداث المزلزلة. والفتن الطاحنة بعد أن حرمتهم من الانتفاع بالقرآن والاهتداء بهداه فلا متاب ولا ذكرى ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (التوبة: 126).
وما وقع في لبنان حري بأن يفتح العيون ويركز البصائر على ما وراء الصدام الدامي والقتال المجنون. ابتغاء دراسة عملية للظواهر تفضي إلى إدراك سديد. ومواقف حية.
مجرد سرد الأحداث.. مهمة إحصائية مكتبية. والغفلة موت داهم والتأمل الشعري انفعال هامشي.. والبكاء سلاح العاجزين.
إن تجاوز هذه الحالات جميعًا مسؤولية واجبة الأداء وهي في نفس الوقت مسؤولية مقترنة باتجاه إيجابي في الرؤية والتحليل واستخلاص النتائج.
لقد برزت في حرب لبنان ظواهر كثيرة، نحسب أن أهمها خمس ظواهر رئيسية. نتوقف عند كل واحدة منهن بضع دقائق في السطور التالية:
إمكانية الصدام مع العدو الصهيوني
من هذه الظواهر أن حرب لبنان قد أثبتت أن في إمكان هذه الأمة الدخول مع العدو الصهيوني في صدام مر طويل الأمد.
لقد دخل القتال في لبنان عامه الثاني. وهو قتال ينطبق عليه وصف «الحرب الحقيقية» بالنظر إلى المسافة الزمنية وإلى حجم القتلى والجرحى. وأنواع الأسلحة. ومرارة الكراهية والحقد والخصام. ودرجة التدريب والمهارة العسكرية.
ومعنى هذا أن الأمة تستطيع أن تقاتل. وأن تتحمل آلام الحرب وأحوالها بشرط أن يتغير موضوع العداوة وهدف القتال أن تضليلًا متعمدًا قد حصل. فبدلًا من أن تدور الحرب داخل فلسطين المحتلة وعلى حدودها لإنزال الهزيمة بالعدو. دارت داخل لبنان من أجل توفير الأمن لهذا العدو.
وفي التاريخ البشري. سلوك يكاد يكون «قانونًا مطردًا» وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش ولا تستطيع خصائصه أن تتكامل وتنشط بدون وجود عدو يصارعه ويقاتله فإن لم يجد العدو الحقيقي استدار إلى أي شيء آخر يقاتله ويصارعه وانكفأ إلى الداخل يفرغ شحنات الكراهية والعنف.
ولو صح التوجيه وصحت التعبئة لأصبح القتال الضاري في لبنان موجهًا إلى العدو الصهيوني.
إن حروب ٤٨ و٦٧-٧٣ لم تستغرق في مجملها أكثر من شهر. أما حرب لبنان فقد استمرت أكثر من عام.
إننا نطالب بشن حرب مماثلة لحرب لبنان. ضد العدو الصهيوني ولن نطالب مصر وسوريا والأردن ولبنان بشن هذه الحرب، وإنما نطالب بفتح جبهات فدائية عبر حدود هذه البلدان.
وتنحصر مهمة هذه البلدان في حماية أجوائها من طيران العدو فإن لم تفعل حق عليها وصف الصمود، ولكنه صمود ضد الشعوب لصالح العدو الصهيوني.
تعدد الممثلون والدور واحد
ومن هذه الظواهر أنه رغم تعدد الممثلين فإن الدور واحد.
أما الدور فهو القضاء على الشعب الفلسطيني وتضييع قضيته والتمكين للكيان الصهيوني في المنطقة.
أما الممثلون فهم الأنظمة في مصر، والأردن ولبنان وسوريا.
● في مصر.. لا وجود حقيقيا للشعب الفلسطيني. لا من حيث الوزن السياسي ولا من حيث المقاومة العسكرية. وهذا الوضع جاء كنتيجة لمخطط يستهدف حرمان الشعب الفلسطيني من وزن مصر وإمكانات جبهتها.
● النظام الأردني نصب مذابح مروعة للشعب الفلسطيني كما هو معروف.
● النظام اللبناني.. أعد المشانق الجماعية لهذا الشعب. ولكن فرنجية وزبانيته عجزوا عن بلوغ أهدافهم ومن ثم كان الاستغناء عن فرنجية كما استغنوا من قبل عن هيلا سلاسي، وكأي شيك. وثيو وكما سيستغنون بعد قليل عن حكام من العربان.
● بعد عجز النظام اللبناني. جاء دور النظام السوري في التمثيل وأبرز ما قام به هذا النظام.. شق الصف الفلسطيني عن طريق الصاعقة. ثم تدخله في لبنان كي يحرم المسلمين والمقاومة الفلسطينية من التمركز في مراكز متقدمة سياسيًا وعسكريًا.
تحويل اتجاه الرأي العام بصدمة دموية
وثالث هذه الظواهر: أن القوى الدولية والقوى العميلة المرتبطة بها في المنطقة حين تريد إنقاذ أمر ما، تطلق دويًا هائلًا يحول اتجاه الرأي العام.
قد يكون هذا الدوي.. موجة من الأغاني المائعة.
قد يكون تهديدًا باحتلال منابع النفط.
قد يكون جنونًا بألعاب رياضية.
فإن لم تفلح هذه المحاولات.. عمدوا إلى صدمة دموية تشغل الناس وتستأثر باهتمامهم.
وفتنة لبنان. صدمة دموية أرادوا بها إلهاء الناس عن اتفاقية سيناء وصرفهم عن الصراع مع العدو الصهيوني.
إن اتفاقية سيناء من أخطر الكوارث والعقائدية في هذا الجيل.
ومع ذلك. مرت وكأنها شيء عادي. ومن المؤكد أن أحداث لبنان صرفت الرأي العام عن إدراك الأخطار الجسيمة لهذه الاتفاقية الرهيبة.
الدمار كنتيجة للفساد «الخلقي والاجتماعي»
ورابع هذه الظواهر: أن التفسير السياسي لأحداث لبنان يظل ناقصًا وقاصرًا ما لم يوضع في الحسبان تفسير أعمق وأشمل وهو: أن الدمار الذي حدث في لبنان كان نتيجة للفساد الخلقي والاجتماعي والانحلال العام. والفجور الطاغي الذي اكتسح ذلك المجتمع.
● ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 58)
وهذه عبرة لكل المجتمعات العربية التي تريد أن تقلد لبنان في الانحلال والفساد والفجور.
عهد الوصاية الدولية
وخامس هذه الظواهر: إن عهد الوصاية الدولية قد عاد. فمن الواضح جدا أن القوى الدولية قد رمت بثقلها في أزمة لبنان.
والأطراف العربية التي اشتركت في الأزمة. مشدودة بخيوط قوية إلى تلك القوى الدولية.
وهذه عودة إلى الوراء حيث كان الاستعمار القديم يدير شئون المنطقة إدارة مباشرة.
ولذلك ينبغي العودة إلى النضال من أجل الاستقلال، فيبدو أن الاستقلال ليس مرة واحدة في العمر.
إنه يتكرر كلما تكرر النفوذ الأجنبي والوصاية الدولية.
والدعوة إلى تجديد الاستقلال مصحوبة بالدعوة إلى منح هذا الاستقلال مضمونه الحقيقي وهو أن يكون الولاء لله وحده لا شريك له وأن يكون الالتزام بشريعته سبحانه هو التصديق العملي لهذا الولاء
فمن التجارب الفاشلة- والتي أكدتها الأحداث- أن الاستقلال السابق للأمة كان هشًا فارغًا مزيفًا. مما أدى إلى عودة الوصاية الدولية على شؤوننا وأوطاننا وقضايانا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالقيادي بحركة مجتمع السلم الجزائرية ناصر حمدادوش لـ«المجتمع»: فرنسا الرسمية الحالية هي امتداد للاستعمارية القديمة
نشر في العدد 2148
18
الخميس 01-أكتوبر-2020