العنوان الدكتور توفيق الشاوي يكتب للمجتمع من غابة الشياطين في آسيا الوسطى (4 من 4)
الكاتب الدكتور توفيق الشاوي
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
«الشيطان الأكبر» في حديقة التفاح
إسرائيل توجه معظم المساعدات التي تتلقاها من أمريكا لبناء إمبراطورية لها في آسيا الوسطى والعالم العربي والإسلامي.
جهورية كازاكستان هي التي كانت تسمى في التاريخ الإسلامي بلاد القوازق، ومنبت فرسان «القوازق» الذين كان لهم دور كبير في حروب التتار وجيوش جنكيز خان وتيمورلنك، وغاراتهم على العالم الإسلامي وأوروبا معروفة في التاريخ.
وعاصمتها تسمى «ألما أتا» وهي كلمة تعنى باللغة العربية «حديقة التفاح» وسبب هذا الاسم أن إقليمها غنى بأشجار الفاكهة وخاصة التفاح، وهي قريبة من بشتك عاصمة قرغيزيا، التي لا تبتعد عنها أكثر من بضع مئات من الكيلو مترات رغم أن هذه الجمهورية ذات إقليم واسع يجعلها أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي بعد روسيا الاتحادية أو بلاد «الموسكوف» كما كانت تسمي في العصر الإسلامي.
وظاهر أن توسيع إقليمها في العهد الشيوعي كان على حساب الجمهوريات المجاورة لها، وذلك أن الشيوعيين أعدوها لتكون ترسانة للصواريخ عابرة القارات، وقاعدة للتجارب الفضائية التي كان الاتحاد السوفيتي يعتز بها، ويجعلها دليل تفوقه العلمي، ورأس الحربة في آلته العسكرية التي يتحدى بها أمريكا عندما كان القوة العظمى الثانية التي تتحداها، وتستطيع تهديدها عسكريًا وسياسيًا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت هذه الجمهورية أكبر جمهوريات آسيا الوسطى أهمية في نظر العالم كله؛ بسبب امتلاكها لقواعد الصواريخ، وما يتصل بها من مراكز ومعاهد للأبحاث التكنولوجية، والعلمية المتصلة بها، وأصبحت عاصمتها لذلك ملتقى السماسرة وشياطين المخابرات من جميع الأصناف والألوان الذين يحاولون الحصول على أسرار صناعة الصواريخ، بل وشراء بعض أجهزتها، والتعاقد مع خبرائها الذين أصبحوا يبحثون لهم عن ميادين أخرى للعمل بعد توقف هذه الأبحاث تقريبًا في تلك البلاد، والأهم هو توقف المال الذي كان يغدقه الاتحاد السوفياتي على علمائه وخبرائه العاملين في صناعة الأسلحة الإستراتيجية، وخاصة الصواريخ عابرة القارات، التي كان يفخر بها خروشوف، ويهدد بها الدول الكبرى عندما قال لهم: «لا تنسوا أن أيدينا طويلة أيها السادة».
كان الفندق الكبير الذي نزلنا به ملتقى هؤلاء الوافدين من جميع أنحاء العالم، يستطلعون ما يجرى بهذه الجمهورية؛ ليعرفوا مصير هذه القواعد وأجهزتها المعقدة وخبرائها والعاملين بها، الذين يرغبون في العمل بأي بلد آخر يدفع لهم مرتبًا بالدولار، ولذلك فإن الشيطان الأكبر والأخطر هناك في نظرنا كان «الدولار» حتى أن هناك محلات كبرى لا تبيع إلا بالدولار، ولا قيمة للعملة الرسمية «الروبل» في التعامل هناك.
«والدولار عملة دولية تتعامل به كثير من الدول، وإن كان عملة أمريكية رسمية، وسلطان «الدولار» في جمهوريات آسيا الوسطى يعطى أمريكا دورًا هامًا هناك، وإن كان كثير من الدول تتعامل به، وتملك منه كميات كبيرة لدرجة يمكن معها أن نقول إن وصف أمريكا بأنها الشيطان الأكبر، قد فات أوانه، وأن الصواب هو أن هذه الصفة تصدق على «الدولار» أيًا كانت الجهة التي تملكه، ولا شك أن إسرائيل لها دلال على أمريكا يجعل لها الحق في أن تعطيها أمريكا سنويًا مليارات من الدولارات، وهي توجه كثيرًا مما تحصل عليه من دولارات المساعدات الأمريكية لبناء إمبراطورية لها في آسيا الوسطى والعالم العربي والإسلامي.
إن أكبر نتيجة توصلنا إليها في جولتنا بآسيا الوسطى هي أن إسرائيل تعتبرها نواة لإمبراطورية تسعى لإنشائها، والسيطرة عليها على حساب العالم الإسلامي، وبتشجيع ومساعدة من أمريكا والدول الأوروبية.
لذلك لم نندهش عندما وجدنا هناك الشيطان الأحمر اليهودي الذي رفضنا مقابلته في أذربيجان، ومعه «شلة» من الحمر الذين يجوسون خلال الديار لشراء الضمائر والذمم، واسترقاق من مال عليهم الزمان وعضهم الجوع من قادة الاتحاد السوفيتي السابقين وعملائهم وأعوانهم، الذين تعودوا على مستوى من الترف في العهد الشيوعي ولا يطيقون حالة البؤس والفقر التي تجتازها الشعوب التي أذلتها الشيوعية مدة تزيد عن سبعين عامًا، وأصبحوا مستعدين لبيع كل ما عندهم مما ورثوه عن العهد الشيوعي، ولكن بالدولار، جاءنا بعض السماسرة يعرضون علينا بضاعتهم ظنًا منهم أننا نملك من الدولارات النفطية ما يمكننا من التعامل معهم، ثم بدءوا ينصرفون عنا عندما اكتشفوا أننا لسنا من «هؤلاء».
التقينا ببعض «الوطنيين» الذين اكتشفوا أننا نمثل تيارًا فكريًا أصليًا، يذكرهم بأمجادهم في العصر الإسلامي، واطمأنوا لنا، وبثوا لنا شكواهم.
كانت الشكوى الأولى مما لقيه شعبهم من تشريد في العهد الشيوعي حتى قال لي أحدهم إن عدد سكان بلادنا كان سبعة ملايين احتلها الروس، ولم يبق منهم بها في نهاية الحرب العالمية الأولى إلا مليون واحد، ولم يكتف الشيوعيون بذلك، بل رسموا الخطة لتوطين أكبر عدد من الروس وغيرهم من العناصر الأخرى في بلادنا حتى أصبحوا عددهم يقرب من (٥٠٪) من السكان، فضلًا عن أنهم هم الذين تولوا مناصب السلطة والمتحكمين في الاقتصاد والمجتمع كله، وفرضوا علينا لغتهم، ولكننا الآن والحمد لله نريد أن نسترد هويتنا وأصالتنا، والعقبة الكبرى هي الوضع الاقتصادي المتدهور الذي جعل الجميع هنا يجرون وراء «الدولار» ويكادون يعبدونه من دون الله، والعياذ بالله.
أما الشكوى الثانية فهي أنهم يعتقدون أن كثيرين من المسلمين خاصة العرب الذين لديهم دولارات نفطية ليس لديهم أي نية في إقامة علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية ببلادنا، رغم رغبتنا ومصلحتنا في ذلك، ورغم أن لهم مصلحة كبرى كذلك في توثيق علاقتهم بنا، والسبب أنهم يخشون تهديدات بعض الأوساط الأجنبية التي تريد أن تحتكر سوق «التكنولوجيا» النووية والصاروخية الرائجة في بلادنا الآن، والتي يحاول السماسرة اليهود العاملون لصالح إسرائيل وأمريكا أن يحتكروها، ويتوعدون أي دولة تدخل هذا السوق ولو لمجرد الرؤية أو الاستطلاع، ويهددونهم باتهامهم بأنهم يريدون شراء التكنولوجيا النووية المحرمة على المسلمين، ولما كانت إيران قريبة منا فإن هذه التهديدات توجه بصفة خاصة لها، وذلك ليخاف الآخرون ويبتعدوا عنا، ووراءهم وسواس خناس يحذرهم من أن يلقوا ما تلقاه إيران من تهديد وحصار وتآمر، ولسان حالهم يقول لهم: «انج سعد فقد هلك سعيد، أو أنه أصبح محاصرًا مهددًا على الأقل»
لقد لاحظنا أن ملابسنا وسحنتنا العربية قد جعلتنا هدفًا لكثير من الجواسيس الذين يتقدمون لنا في زي سماسرة وتجار وتراجمه؛ لكي يستدرجونا في أحاديثهم.
وفي أول يوم هناك جاءنا صديقنا الذي رافقنا من أذربيجان ومعه «الشيطان الأحمر» الذي رفضنا الحديث معه هناك، وقال إنه جاء لمجرد السلام علينا، ووداعنا قبل العودة لبلادنا.
قال لنا إنه آسف لأنه علم بأننا لن نستطيع الذهاب إلى أوزبكستان لزيارة معالمها الإسلامية هناك في طشقند وبخاری وسمرقند، وأن السبب في ذلك هو أن رئيسها كان مشغولًا بزيارته لمصر؛ حيث تلقى التهاني والنياشين، وصحيح أنه عاد الآن إلى بلاده، لكن سياسته الثابتة هي عدم تشجيع العرب لزيارة بلاده، ولكنه مستعد لزيارتكم في بلادكم إذا لقى منها ترحابًا بعد نجاحه في تأييد الانقلاب الشيوعي الذي تولى إبادة حزب النهضة الإسلامي في طاجكستان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل