; «المجتمع».. وقفة على أعتاب مرحلة جديدة | مجلة المجتمع

العنوان «المجتمع».. وقفة على أعتاب مرحلة جديدة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995

مشاهدات 81

نشر في العدد 1142

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 21-مارس-1995

تدخل المجتمع عامها السادس والعشرين مع متغيرات إسلامية ودولية كبيرة تفرض عليها أن تواكب الواقع الجديد للأمة وتعالجه وفق تطوراته وتغيراته، وذلك من خلال المنظور الإسلامي للكون والحياة، ذلك المنظور الذي تتميز به المجتمع، عن مثيلاتها من المجلات الأسبوعية العربية وهو المفهوم الذي منحها الرقي في الأداء والطرح طوال سنواتها الخمس والعشرين الماضية.
فحينما صدرت المجتمع، في مارس عام 1970م كانت قضايا الأمة الإسلامية وواقعها يختلفان كثيرًا عن قضايا اليوم وواقعه، سواء من المنظور الدولي للأحداث أو المنظور الإسلامي لها، فمن المنظور الدولي كانت هناك قوتان عظميان يمثلان الكتلة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والكتلة الشيوعية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي، وكان العالم الإسلامي ممزقًا بين الكتلتين فاقدًا هويته، غير واضح في انتمائه، وكان الناس بحاجة إلى الأسلوب العاطفي لإثارتهم ودفعهم للعودة إلى جذور دينهم.
أما اليوم فقد انتهت الكتلة الشيوعية، وأعلن جورج بوش في نهاية عام 1991م، عن ولادة نظام عالمي جديد أحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعقب ذلك تغيرات كبيرة في خريطة العالم وتركيبته ففككت كثير من الدول، ومزقت كثير من القوى، وتغير واقع كثير من القضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها قضية فلسطين التي تضم المسجد الأقصى -أولى القبلتين وثالث الحرمين-  واتجهت الأمة الإسلامية إلى مزيد من التشرذم والتمزق وذوبان الهوية وطفت مطامع الصهيونية وانتعشت قوتها فزادت في تمزيق المسلمين وتفتيتهم، وحولتهم إلى شراذم وفئات يضرب بعضها بعضًا، وينفر بعضها من بعض، فابتعدت الأمة عن عوامل القوة والوحدة وزادت في صفوفها الخلافات والصراعات.
وعلا بنو صهيون في المنطقة وغيروا وجهة الناس وواقع الأمة فبعدما كانت فلسطين أملًا وغاية، والقدس مطلبًا وهدفًا، صار طريق الاستسلام والرضوخ لمطالب اليهود ومطامعهم هو طريق الكثيرين، وصار استرضاء اليهود غاية المناضلين وبيعت فلسطين ممن لا يملكون حق الحديث باسمها على موائد المفاوضات في أوسلو وواشنطن، وأصبح الجهاد في سبيل الله تهمة ومعاداة الصهاينة وقتالهم جريمة والحديث باسم الإسلام إرهابًا وأصولية وصار مناضلو السبعينيات أزلامًا لليهود، وأعوانًا للصهاينة.
فزاد واقع الأمة مرارة، وتضاعفت أعباء الأمانة وثقلت المسئولية على الذين يحملون الحق ويمشون به في الناس، وصارت مسئولية الكلمة صعبة خاصةً إذا سجلت وكتبت ليس لأجيال اليوم فقط وإنما لأجيال الغد الذين سيكون لهم منظار آخر لواقعنا اليوم لا يختلف كثيرًا عن منظارنا لواقع أسلافنا من قبل.
فسوف تأتي أجيال الغد لتتصفح تاريخنا وأيامنا كما نتصفح نحن الآن أيام الأولين نستمد من أمجادهم امتدادنا، ومن مآسيهم ونكباتهم عبرتنا وعظتنا، لكن أجيال الغد لن تنظر إلى هذا الغثاء وهذا الزبد الذي تبثه وسائل الإعلام مكتوبة ومرئية تصفق فيه للاستسلام وتمتدح التنازل والانهزام، ولكنهم سوف يبحثون من هذه الصفحات القليلة التي ما سعى أصحابها إلا إلى استرضاء ربهم ونصرة دينهم، فيبحثون بين سطورها عن الحقيقة ويستخرجون الواقع من معاني كلماتها.
ومن هذا يأتي عظم المسئولية وعبء الأمانة التي تقع على المجتمع، والقائمين عليها اليوم، لأننا لا نقوم بتسجيل التاريخ الذي ينظر إليه البعض على أنه الحوادث ولكننا نسجل التاريخ الذي هو تفسير للحوادث وربط الظواهر القريبة والبعيدة التي تجمع بينها لتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات، فنصل حاضرنا بماضينا ونربطه بمستقبلنا وأيام أجبالنا القادمة.
إن واقع الأمة المرير في فلسطين، والصومال وإفريقيا، والجزائر، والبوسنة والهرسك وطاجيكستان والشيشان وجمهوريات أسيا الوسطى، وأفغانستان وكشمير، وبورما، والهند، والصين وجنوب شرق أسيا وحتى مسلمي أوروبا والأمريكتين يلقي علينا أعباء ضخمة ومسئوليات جسيمة ويجعل المرحلة القادمة أكثر صعوبة مما مضى؛ فالمعلومة صارت هي محور الإعلام والموضوعية هي طريق الصدق والإقناع، ومن هنا يأتي الارتقاء الذي نأمل أن نصل إليه والأمانة التي نسأل الله أن يعيننا على أدائها، في المرحلة القادمة.
إن واقع 1415هـ 1995م يختلف بالكلية عن واقع 1390 هـ 1970م؛ فقضايانا اليوم أكبر، ومحاور معالجاتنا أصعب وأسلوب تناولنا أكثر مسئولية مما مضى، ومن هنا فإننا نجد أنفسنا محاطين بمن يريدون إطفاء الشموع التي نحملها في هذا الدرب الطويل، ويريدون أن يُحولوا بين هذه الكلمات التي ننسجها من دمائنا، ونكتبها من صميم قلوبنا، وعمق مشاعرنا، وعظمة انتمائنا، وبين أن تصل للأجيال القادمة فندفع من هنا ونذب من هناك ونحتال في العبارات ونعتني بالمعلومات وسوف نواصل طريقنا إن شاء الله، بعون من الله ومدد منه حتى لو بقيت في يدنا شمعة واحدة نضيء بها دربنا ودرب السائرين في طريقنا، فهي أفضل بكثير من المسير في الظلمات.
﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 3)

الرابط المختصر :