العنوان “المسيَّرات” التركية تغيِّر قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط
الكاتب محمد صادق أمين
تاريخ النشر الثلاثاء 01-ديسمبر-2020
مشاهدات 22
نشر في العدد 2150
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 01-ديسمبر-2020
- صحيفة ألمانية: إستراتيجية تركيا في استخدام طائرات «بيرقدار» نجحت بتغيير موازين القوى العسكرية بالشرق الأوسط
- وزير الدفاع البريطاني يدعو بلاده لاستخلاص الدروس من خبرة تركيا بمجال الطائرات المسيَّرة بعد نجاحها بليبيا وسورية
- عسكري سوري: قلة تكلفة الطائرات التركية تتيح للدول الأقل ثراء تحدي القوى الكبرى باستخدام هذا السلاح الفعال
- عسكري عراقي: شركة «أنظمة الدفاع الحربية» التركية نجحت في تطوير منظومة إنذار مبكر ضد الطائرات المسيَّرة
أصبحت الطائرات المسيَّرة التركية رقماً عسكرياً صعباً في معادلات الشرق الأوسط، بعد أن حقَّقت نجاحات ميدانية مذهلة في ساحات المعارك، بسورية وليبيا وأخيراً في المعركة التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباغ، التي توقفت مؤخراً عبر اتفاق رعته أنقرة وموسكو اعتبر نصراً ساحقاً لباكو.
ويؤكد محللون عسكريون أن سر التفوق الذي حققته أذربيجان يعود إلى امتلاكها للمسيَّرات التركية المتطورة المخصصة للمراقبة والاستطلاع، وأخرى مسلحة لتنفيذ العمليات الهجومية؛ ما أدى إلى خروج سلاح الدروع الأرميني من المعركة وأضعف من مشاركته ودوره في الميدان، حيث أصبحت الدبابات أهدافاً مكشوفة وواضحة، الأمر الذي سهل على المسيَّرات استهدافها.
«طائرات تي بي 2 التركية تحقق ثورة في الحروب»، هكذا عنونت صحيفة «فيلت» الألمانية، بتقريرها الذي نشرته في يونيو الماضي، وتحدثت فيه كيف أصبحت تركيا واحدة من الدول الرائدة عالمياً في تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة المسلحة.
ورأت الصحيفة أن إستراتيجية تركيا في استخدام طائرات «بيرقدار» بكثافة وفاعلية نجحت في تغيير موازين القوى العسكرية في الشرق الأوسط لصالح أنقرة، وقارنت بين الطائرة المسيَّرة الأمريكية «إم كيو 9 ريبر»، والطائرة المسيرة التركية «بيرقدار تي بي 2» التي وصفها بأنها فتاكة ورخيصة الثمن.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تركيا تستخدم هذا النوع من الطائرات منذ عدة سنوات، في مطاردة تنظيم «حزب العمال الكردستاني»، الذي يشاغل الجيش التركي من داخل الأراضي التركية وعبر الحدود العراقية، إلا أن أهمية هذا السلاح لفتت أنظار العالم لأول مرة خلال العمليات التي جرت بين تركيا والنظام السوري في إدلب بداية العام الجاري، حيث تمكنت من تدمير مئات الأهداف المتحركة والمنظومات الدفاعية بدقة عالية وبقوة تدمير كبيرة.
ثم أعقب ذلك الدور الفعَّال للمسيَّرات التركية في دعم حكومة «الوفاق» الشرعية المعترف بها دولياً ضد مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث تم بث عشرات مقاطع الفيديو التي تظهر ضرب أهداف ثابتة ومتنقلة وعربات عسكرية مختلفة، كان أبرزها تدمير أكثر من 10 منظومات دفاعية روسية من طراز «بانتسير».
وكان لافتاً تصريح وزير الدفاع البريطاني «بن والاس»، خلال مشاركته في مؤتمر للقوات الجوية والفضائية البريطانية، في يوليو الماضي، بهذا الخصوص، حيث قال: إن الطائرات المسيَّرة التركية غيَّرت قواعد اللعبة في كل من ليبيا وسورية، مؤكداً أنه ينبغي لبلاده استخلاص الدروس من خبرة تركيا في هذا المجال.
وأضاف: علينا النظر في دروس الدول الأخرى؛ انظروا كيف نفذت تركيا عملياتها في ليبيا، حيث استخدمت الطائرات المسيَّرة من طراز «بيرقدار تي بي 2»، منذ أواسط العام 2019م.
وتابع الوزير البريطاني: هذه الطائرات المسيَّرة نفذت عمليات استخباراتية واستطلاعية واستكشافية وتوجيهية في جبهات القتال وخطوط الإمداد والقواعد اللوجستية.
واستدرك موجهاً حديثه للقادة العسكريين: فكِّروا في انخراط تركيا بسورية واستخدامها وسائل الحرب الإلكترونية، والطائرات المسيَّرة المزودة بأسلحة خفيفة والذخائر الذكية لوقف الدبابات والعربات المدرعة ومنظومات الدفاع الجوي التي كانت تقف في طريقها، لقد تكبد نظام الأسد خسائر كبيرة، بينها 3000 عسكري، و151 دبابة، و8 مروحيات، و3 طائرات مسيَّرة، و3 مقاتلات، وعربات وشاحنات، و8 منظومات دفاع جوي، ومقراً واحداً، إضافة إلى معدات ومنشآت عسكرية أخرى.
كلفة أقل وفتك أكبر
المحلل العسكري السوري العقيد أحمد حمادة اعتبر المسيَّرات التركية سلاحاً فتاكاً، وله ميزة التفوق النوعي في الأداء، بالإضافة إلى رخص كلف التصنيع نسبياً مقارنة بالطائرات الحربية التي تصنعها الدول المتقدمة.
وقال حمادة لـ»المجتمع»: إن كلفة تصنيع الطائرة المسيرة الأمريكية نوع «إم كيو 9 ريبر» تبلغ 16 مليون دولار، بينما كلفة «تي بي 2» التركية تبلغ 6 ملايين دولار فقط، ومن حيث الكفاءة تستطيع الطائرة التركية مثل نظيرتها الأمريكية التحليق لأكثر من 24 ساعة في الأجواء، ورصد الأهداف وقصفها بقوة شرسة.
وأشار إلى أن هذه الميزة تتيح للدول الأقل ثراء إمكانية تحدي القوى العسكرية الكبرى، من خلال استخدام هذا السلاح الفعال، الذي من أهم مميزاته دقة الإصابة، ففي معارك كاراباغ دمرت هذه الطائرات الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي وقوافل الإمدادات، وحرمت الأرمينيين من استخدام الدروع في المعركة، حيث تستخدم هذه الطائرات صواريخ من طراز «إم أي أم-إل» الصغيرة التي يمكن التحكم فيها، والقادرة على اختراق الدروع.
وتابع المحلل العسكري السوري: نفس الأمر حدث في ليبيا، حيث نجحت المسيرات التركية في تدمير الدفاعات الجوية الروسية التي تمتلكها قوات حفتر، واستطاعت الوفاق تحقيق تفوق عسكري ميداني، ونجحت في إبعاد الخطر عن طرابلس العاصمة وتحرير قاعدة الوطية وترهونة وغيرها.
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري العراقي أسعد إسماعيل شهاب أن هناك جملة ميزات جعلت من الطائرات التركية رقماً صعباً في ساحات المعارك.
وأشار، في حديثه لـ»المجتمع»، إلى أن أهم تلك الميزات دقة إصابة الهدف، والقدرة على التخفي من الرادارات، وتحرك الطائرات مع بعضها بعضاً كسرب واحد فعَّال.
وأضاف: وما يميز المسيَّرات التركية تقنياً أنها يمكن التحكم بها أوتوماتيكياً، ويمكن أن تصل إلى ارتفاع 24 ألف قدم، ويمكنها أن تبقى في الجو 24 ساعة، ويمكن الاتصال بها لمسافة تصل إلى 150 كيلومتراً، وتتمتع بنظام الطيار التلقائي الذي يخولها الهبوط والإقلاع تلقائياً، وتملك نظاماً خاصاً بها يغنيها عن الاعتماد على تطبيقات «جي بي إس» في إطلاق الصواريخ وإصابة الأهداف المتحركة.
وتابع المدرس السابق في كلية الأركان العراقية: القيادة التركية صنعت من التحديات التي واجهتها فرصاً للتفوق، فتطوير سلاح الطائرات المسيَّرة بدأ تحدياً من أنقرة لحظر فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من 10 سنوات؛ الأمر الذي دفعها إلى خوض التحدي لسد حاجاتها في مواجهة حزب العمال، فنجحت بإنتاج الطائرات المسيَّرة محلياً عبر شركتي «سيلسان» الحكومية، وشركة «بيرقدار» الخاصة، مشيراً إلى أن هناك تحدياً مشابهاً ظهر مؤخراً حيث منعت كندا تصدير الكاميرات المثبتة على هذه الطائرات جراء تزويد تركيا أذربيجان بهذه الطائرات، واستطاع الأتراك خلال فترة قصيرة إنتاج نفس الكاميرات عبر شركة «أسيلسان».
ونوه شهاب إلى أن التفوق التركي في ميادين سورية وليبيا وأذربيجان لن يمر دولياً وإقليمياً مرور الكرام، فدول العالم خصوصاً المتقدمة منها تراقب عن كثب، وعادة ما تدرس هذه الدول المعارك التي تحدث في العالم، ومن ثم ستتسارع الأبحاث العسكرية لإيجاد وسائل الدفاع الناجعة في مواجهة التفوق التركي.
واستدرك: وفي تقديري، فإن القيادة التركية أخذت هذا الأمر بعين الاعتبار، حيث تشير تقارير صحفية تركية إلى أن أنقرة توجهت نحو الأبحاث المتعلقة بمواجهة الطائرات المسيَّرة، ونجحت شركة «أنظمة الدفاع الحربية» التركية في تطوير وإنتاج منظومة إنذار مبكر ضد الطائرات المسيَّرة لصالح الجيش التركي.
وختم المحلل العسكري العراقي حديثه بالقول: إن دخول تركيا إلى معترك تطوير الأسلحة المضادة للطائرات المسيَّرة سيجعل مهندسيها المحليين قادرين على تحوير وتطوير الطائرات المصنعة مستقبلاً للتعامل مع المضادات التي يمكن أن تنتجها الدول، وبالتالي أتوقع أن يستمر التفوق التركي لعدة عقود.
أخيراً؛ فإن تركيا بتفوقها في مضمار الصناعات الحربية، وتحويلها التحديات التي تواجهها إلى فرص، قدمت لدول العالم التي تعتمد في تسلحها على الدول المتقدمة، واستخدام الأخيرة هذه المسألة كورقة ضغط على هذه الدول لتغيير سياساتها، قدمت نموذجاً لعالم جديد يمكنها من خلال استغلال التكنولوجيا والتقنية الدقيقة مع وجود الإرادة القوية والقرار المستقل، لكي تكون على قدم المساواة في صناعة القوة بعالم متعدد الأقطاب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل