; إثيوبيا تسعى لفصل جزء جديد من الصومال في الجنوب الغربي | مجلة المجتمع

العنوان إثيوبيا تسعى لفصل جزء جديد من الصومال في الجنوب الغربي

الكاتب مصطفى عبدالله

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 12

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 24

السبت 10-مارس-2001

رسمياً: أكدت الحكومة الإثيوبية احترامها لسيادة الصومال ووحدة أراضيه وترحيبها بجهود السلام والمصالحة في الصومال وحضر رئيس وزرائها ملس زناوي حفل تنصيب الرئيس الصومالي الجديد. 

واقعياً: تصرفات الحكومة الإثيوبية وسلوكياتها الميدانية عكس ذلك تماماً، إذ تتصدر محاولات إجهاض أول حكومة تقوم في الصومال منذ عشر سنوات رأس أجندتها الحالية قبل أن يشتد عود تلك الحكومة الوليدة. وقد لجأت في سبيل تحقيق ذلك إلى تسليح الفصائل المعارضة لها. ولم تكتفِ بذلك بل كثفت تحركاتها العسكرية داخل أراضي الصومال.

التدخلات الإثيوبية بما في ذلك احتلال أراضٍ صومالية ليست جديدة على سياسة أديس أبابا. فقد دأبت على ذلك منذ استقلال الصومال عام ١٩٦٠م، حيث شنت هجوماً مفاجئاً على الدولة الوليدة عام ١٩٦٤م، وبعد انهيار الحكومة الصومالية المركزية عام ١٩٩١م كشفت إثيوبيا عن اعتداءاتها على الأراضي الصومالية. وإن كانت اعتداءاتها في النصف الأول من التسعينيات محدودة جغرافياً حيث انسحبت من المناطق المحتلة بعد تحقيق أهداف مرحلية. 

إلا أن الهجوم الكاسح جاء في الثامن من أغسطس عام ١٩٩٦م حين هاجمت القوات الإثيوبية ثلاث مدن في محافظة جيدو في الجنوب الغربي من البلاد، وارتكبت في هذا الغزو مجازر مروعة راح ضحيتها مئات من العزل الأبرياء، إلى جانب تشريد عشرات الآلاف آخرين وتدمير ممتلكات ومرافق مهمة، وإبادة أعداد كبيرة من المواشي متبعة في ذلك سياسة الأرض المحروقة.

في تلك المرة كانت محاربة الأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي، الذريعة التي رفعتها إثيوبيا لاستحلاب سخاء الغرب لدعم ذلك المشروع بعد أن اجتاحته ظاهرة الإسلاموفوبيا، وأبرمت أديس أبابا صفقات مع دول غربية لمحاربة الأصولية في القرن الإفريقي، وخاصة الصومال على أن تحصل مقابل ذلك على احتياجاتها العسكرية والمالية، وبالفعل فقد حصلت على عتاد حربي ومساعدات مالية من دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية في شهر يوليو 1996م رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زناوي بأنه صديق حميم لأمريكا وحليف استراتيجي لها وأنه الزعيم الوحيد في المنطقة الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة خطر الأصولية والدول الإسلامية المتطرفة مثل: السودان وإيران. 

ومنذ ذلك الحين لم تنسحب إثيوبيا من المدن التي احتلتها بل جعلتها قاعدة عسكرية لها تستخدمها في تحركها للمناطق الداخلية عند الحاجة. وفي منتصف عام 1999م وسعت منطقة نفوذها بعد أن ساندت جبهة مقاومة رحنوين عسكرياً للسيطرة على مدينة بيدوه، وبعد ذلك استطاع الجيش الإثيوبي التحرك بحرية في ثلاث محافظات هي جيدو، ويكول، وباي. 

والآن جاء دور توسيع منطقة النفوذ مرة أخرى حتى تصل إلى ضواحي العاصمة مقديشو، تحت ذريعة تكوين إدارة إقليمية لمحافظات جنوب غربي الصومال. 

المقترح الإثيوبي الذي تبنته فصائل صومالية معارضة للحكومة يسعى لتكوين ولاية جديدة على غرار أرض الصومال في الشمال الغربي، وولاية أرض بونت في الشمال الشرقي، بحيث تضم هذه الولاية ستاً من المحافظات الجنوبية وتكون حاضرتها مدينة بيدوه، يعني جنوبي العاصمة كله، وهذه المنطقة هي أخصب مناطق الصومال وتتركز فيها المزارع والبساتين ويجري عليها نهرا جوبا وشبيلي.

ويرى مسؤولون صوماليون ومراقبون مستقلون أن هذا المشروع ليس إلا حلقة من مسلسل الأطماع الإثيوبية التي تتمحور حول إجهاض الحكومة الصومالية الوليدة في المدى القريب وتقسيم الصومال إلى كانتونات صغيرة تدور كل منها في فلك إثيوبيا، مما يضمن لها أن تكون القوة العظمى في القرن الإفريقي على المدى البعيد.

ولإنجاح هذا المخطط وإخراجه بثوب صومالي، اجتمع خمسة من زعماء الفصائل الصومالية في مدينة عيل بردي المتاخمة لحدود الصومال مع إثيوبيا لبلورة المشروع. وفي البيان الختامي الذي أصدروه في الرابع والعشرين من يناير الماضي، دعوا إلى تكوين إدارات إقليمية في الصومال بدل الحكومة المركزية وقرروا تكوين مجلس وطني سموه المجلس الوطني للمصالحة.

تكوين هذه الولاية يوسع النفوذ الإثيوبي ويوفر غطاء صومالياً لتحركات جيشها حتى ضواحي العاصمة، كما ينعكس سلباً على مصداقية الحكومة الانتقالية بعد فصل المحافظات الجنوبية عن مناطق نفوذ الحكومة، ثم بعد ذلك يقود إلى زعزعة استقرار العاصمة ذاتها إذا تحركت المعارضة الموالية لإثيوبيا والتي تسيطر على أحياء من العاصمة، ومن هنا قد تخوض الحكومة الانتقالية حرباً لم تستعد لها مع أطراف صومالية تحارب بالوكالة عن إثيوبيا.. ومن المحتمل أن يهاجم الجيش الإثيوبي ومليشيات صومالية موالية لها مدناً جنوبية مثل: كسمايو.

وبالإضافة إلى التدخلات العسكرية، تسعى إثيوبيا إلى عرقلة جهود المصالحة الجارية في الصومال، وحين قدمت اليمن مبادرتها في يناير الماضي بهدف تكملة مسيرة المصالحة «وتقضي بتنظيم حوار مباشر بين الحكومة الانتقالية ومعارضيها، مع احترام نتائج مؤتمر السلام والمصالحة في جيبوتي من برلمان ورئيس للجمهورية وميثاق وطني، على أن تشارك المعارضة في التشكيلة الوزارية» كان من المقرر عرض هذه المبادرة على منظمة إيقاد لكن إثيوبيا سعت إلى عقد الاجتماع الوزاري الذي كان مقرراً للمنظمة، وذلك للحيلولة دون المصادقة على المبادرة اليمنية، فتم تأجيل الاجتماع حتى تحقق إثيوبيا أجندتها أو بعضًا منها قبل الاجتماع القادم.

ويشير المحللون إلى أن الموقف الإثيوبي في الظرف الراهن يهدف إلى إبطال وأد الحكومة الصومالية الوليدة وتحويلها إلى مجرد فصيل من الفصائل على غرار حكومة علي مهدي عام ١٩٩١م والجنرال فارح عيديد عام ١٩٩٥م.

ولكن هل تسير الأمور على هذا المنوال؟ حتى تحقق إثيوبيا أهدافها في الصومال؟ 

أغلب المحللين يعتقدون أن الأوضاع لا تتدهور بهذه الصورة القائمة، ولن تحقق إثيوبيا الظرف ما لم تستطع تحقيقه خلال العقد الماضي. يرى هؤلاء أنهم على فشل الزعامات الجبهوية العازمة على تكوين ولاية جنوب غربي الصومال، ويشيرون إلى أن جراثيم الخلاف المتوطنة فيهم والأطماع الشخصية التي يحملها كل راعد منهم تكفي وحدها لإجهاض مشروعهم، ومن غير المحتمل أن يتفقوا على إعلان الولاية المزمعة لتكوينها، وإذا أعلنوها فإنها لا تعدو أن تكون حبراً على ورق.

وقد ظهرت بوادر فشل هذا المشروع، بالإضافة إلى المعارضة الشعبية العارمة في المحافظات المعنية بفكرة تأسيس ولاية جديدة، والتوجه السياسي العام لدى المواطنين في جل المحافظات يتناغم مع الحكومة الجديدة،وعلى الصعيد العالمي، فإن الأسرة الدولية لا ترحب بتكوين ولايات جديدة في الصومال، بل تعتبرها خطوة للخلف إلى ما قبل تشكيل الحكومة في مؤتمر المصالحة في جيبوتي في العام الماضي. وعلى الصعيد العربي والإسلامي، لا يزال الصمت مطبقاً.

أما الحكومة الانتقالية في مقديشو، فلا يتوقع منها أي خطوة عملية في الظرف الراهن، وستكتفي كما اكتفت حتى الآن بالتصريحات التي تشجب المخططات والتدخلات الإثيوبية في الشؤون الداخلية للصومال، وتراقب الوضع حتى يتحقق حلمها. يفشل المشروع بجراثيمه الذاتية والعقبات الموضوعة أمامه، وبذلك تكون قد وقفت أضعف وقف إذ تعول على فشل الآخرين، ولكنها في الواقع قد لا تستطيع أكثر من ذلك حالياً.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل