; إحقاق الحق أولًا ثم إزهاق الباطل | مجلة المجتمع

العنوان إحقاق الحق أولًا ثم إزهاق الباطل

الكاتب فهمي هويدي

تاريخ النشر الثلاثاء 12-يوليو-1988

مشاهدات 18

نشر في العدد 874

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 12-يوليو-1988

المجتمع تفتح حوارًا حول: وسائل تغيير المنكر:

  • أتمنى على شبابنا أن يصلح كل منهم نفسه؛ فيأمرها بالمعروف، وينهاها عن المنكر.
  • التغيير باليد هو من نصيب أهل السلطان، أو من نصيب كل امرئ له سلطان على غيره.

التقت به المجتمع، وطرحت عليه أسئلتها الخاصة حول أساليب تغيير المنكر، وقد تفضل بالإجابة، وذلك كما يلي:

  • ما وسائل تغيير المنكر والفساد الاجتماعي والأخلاقي الموجود في المجتمعات الإسلامية؟

هويدي: أتمنى أن يكون اهتمامنا بإحقاق الحق أبدى من انشغالنا بإزهاق الباطل، وفي الخطاب القرآني نجد أن الأمر بالمعروف أسبق دائمًا من النهي عن المنكر.. هذه نقطة..

النقطة الثانية: أنا ضد منهج انشغال المسلم عن نفسه بعورات ومنكرات الآخرين، وفي أدب الإسلام وفي تعاليمه أن المرء عليه أن يبدأ بنفسه، ثم بمن يعول، وكلمة الإعالة هنا تنسحب على دائرة المسؤولية المباشرة، وقول السلف: «لو أن كل امرئ أمر نفسه بالمعروف، ونهاها عن المنكر؛ لعم المعروف أمة المسلمين، ولما كان هناك منكر»، هذه مقدمة للإجابة عن السؤال.

أما الوسائل فهي محددة حسب الحديث النبوي المعروف بثلاث وسائل: اليد واللسان والقلب، وهذا ليس ترتيب تكليف، ولكنه ترتيب فاعلية وتأثير، بمعنى أن أكثر وسائل التغيير فاعلية هو التغيير باليد، والمرتبة التي دونها هي التغيير باللسان، وأضعف الإيمان هو التغيير بالقلب، وقد رتب بعض فقهائنا على ذلك أن كل مرتبة من مراتب التغيير يختص بها فريق من المسلمين دون غيرهم.. فالكل مكلفون، ولكن التكليف يختلف باختلاف القدرة والاستطاعة، وفقهاؤنا الذين قالوا: إن التغيير باليد هو من نصيب أهل السلطان، أو من نصيب كل امرئ له سلطان على غيره، من الأب في بيته إلى الحاكم في الأمة، والتغيير باللسان لأهل الخطاب، وأهل اللسان سواء كانوا دعاة أو مبشرين أو كتابًا، وهم الذين يشكلون الوعي العام والرأي العام، والتغيير بالقلب لمن دون هؤلاء من المسلمين الذين يصبحون في موقف لا يعين أحدًا على الباطل إذا انكروا بقلوبهم، أعني أنهم إذا لم يستطيعوا أن يغيروا إلى الأفضل، فبإنكارهم بالقلب يحاصرون المنكر، ويحولون دون وقوع الأسوأ، أو توسيع دائرة المنكر.

وعن فقهائنا هناك شروط للمنكر يجب توافرها، وشروط لمن يتصدى لهذا المنكر، فمن شروط المنكر مثلًا أن يكون ثابت الوقوع، بمعنى أن يكون حالًا وليس محتملًا، وأن يكون الإنكار فيه ثابتًا، أعنى ألا يكون الأمر محل الإنكار موضع جدل أو شبهة، فالفعل الذي يراه البعض حقًا أو صوابًا ويراه الآخرون خطأً، لا ينبغي أن يتعامل معه الآخرون باعتباره منكرًا مقطوعًا به، وإنما المنكر الذي ينبغي أن يكون موضع تغيير هو ما اتُّفِقَ على إنكاره، وليس ما اختُلِف فيه.

أما بالنسبة لمن ينكر فيشترط فيه أن يكون عارفًا بالمعروف والمنكر، أي أن العلم شرط أساسي يجب أن يتوفر له، وأن يكون قادرًا على التغيير، مطمئنًا إلى أن فعله سيؤثر في المنكر، بحيث يحول دون الباطل، ويؤدي إلى تصحيح الخطأ، الأمر الثالث فإنه يشترط في الإنكار ألا يؤدي إلى مضرة أكبر منه، وعند ابن تيمية وابن القيم: أنه إذا أدى تغيير المنكر إلى وقوع ما هو أنكر منه؛ فينبغي أن نبقي على المنكر، توقيًا للمضرة الأكبر.

المجتمع: ترى بعض الجماعات الإسلامية- كما يطرح أمراؤها- أن التغيير بالقوة هو المنهج المطلوب والفعال في هذا العصر، فما رأيك في هذا؟

هويدي: هذه من جملة المقولات التي تعبر عن الفوضى الفكرية التي يعاني منها مجتمعنا؛ حيث غابت مدارس العلم، وفقد أكثر الفقهاء مصداقيتهم عند الناس، فتصدى للأمر نفر من الشباب الذين قد يكونون على درجة من الحماس، وعلى رغبة أكيدة في الإصلاح، ولكن القدر المتيقن عندنا أنهم ليسوا على القدر المطلوب من المعرفة والعلم، وبعض هؤلاء ابتُلِيَ بهم العمل الإسلامي؛ فأفسدوا أكثر مما أصلحوا، وأضروا ولم ينفعوا... وقد قلت: إن التغيير بالقوة هو لأهل التمكين والسلطان، وليس لكل نفر من المسلمين على الإطلاق، وإلا انفتح باب الفوضى والفتنة التي جلبت على مجتمعات المسلمين شرورا كثيرة في مختلف الأزمنة.

ولئن كان هناك رأيان، أحدهما يدعو إلى إطلاق مبدأ التغيير بالقوة للجميع، والثاني يدعو لأن تكون القوة مقصورة على أهل التمكين فقط، فإنني أقول: إننا في زماننا هذا ينبغي أن نأخذ بالرأي الثاني؛ لأن الذي نشهده في أوساط عامة المسلمين لا يطمئننا إلى أن مجموعات الشباب التي تتصدى للعمل العام قد توفر لها القدر المطلوب والمفترض من المعرفة والتربية الإسلامية الصحيحة، وإنني أتمنى على شبابنا أن ينشغلوا بما أشرت إليه من قبل، أي يصلح كل منهم نفسه، فيأمرها بالمعروف، وينهاها عن المنكر، ثم إذا عنَّ لأحدهم أن يشتغل بالعمل العام؛ فليته يلتزم بترتيب التوجيه الإسلامي الذي يقضي بإحقاق الحق- أولًا- قبل مصارعة الباطل والاشتباك معه. 

المجتمع: من المسؤول إذن عن تغيير المنكر في المجتمع؟

هويدي: تغيير المنكر في المجتمع هو مسؤولية كل فرد مسلم، ولكن هذه المسؤولية تتفاوت من شخص إلى آخر، طبقًا لدرجة تأثيره وفاعليته في المجتمع، وكما قلت: فإن مطالبة الناس بتغيير المنكر بالقلب، لا تعني إعفاءهم من مسؤولية التغيير، ولكن أكرر: أن هذه المسؤولية تظل قائمة، وإن اختلفت أيضًا بحسب طبيعة المنكر، أعني أن كل فرد قد يكون مطالبًا بممارسة الإنكار بالدرجات الثلاث، فهو مطالب بالتغيير باليد لمن له سلطان عليهم في نطاق بيته وأسرته، وهو مطالب بالتغيير بالقول بين من قد يؤثر فيهم قوله، وهو مطالب بالإنكار بالقلب في الدائرة التي تخرج عن هذين المحيطين.. فهنا لا نستطيع أن ننفي تمامًا أن الفرد مطالب بالتغيير باليد، ولكن نقول: إن التغيير باليد لكي يحقق تأثيره المعول عليه، هو محدود الدائرة بالنسبة للفرد العادي، وربما اتسعت دائرته كلما اتسع نطاق المسؤولية المباشرة التي يتحملها الفرد، حتى نصل إلى قمة السلطة؛ حيث يكون التكليف أوسع نطاقًا؛ لأن تولي السلطة هو من أهم دلائل التمكين في المجتمع، وكما هو معروف فإن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل