العنوان إسرائيل تسعي لتحقيق حلم هرتزل بإقامة السوق الشرق أوسطية
الكاتب د. محمد جميل غازي
تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
مشاهدات 10
نشر في العدد 1125
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
- السوق الشرق أوسطية استراتيجية أمريكية جديدة للمنطقة تقوم على ثوابت أولها ضمان أمن «إسرائيل» وتفوقها النوعي وضمان التدفق الحر للنفط بأسعار زهيدة.
- «إسرائيل» هي المستفيد الأكبر من السوق الشرق أوسطية لأنها ستمكنها من امتصاص ثروات العرب بمساعدة الغرب والبنك الدولي.
لم يكن مصطلح « السوق الشرق الأوسطية» وليد الوقت الذي تعيش فيه بل يعود رواج استخدام هذا المصطلح إلى عام ١٩٤٥ منذ إقامة المشروع الصهيوني في فلسطين وتم الترويج له كصيغة تعاون إقليمي بهدف طمس وتذويب الهوية الإسلامية والعربية باستيعاب المنطقة العربية في إطار إقليمي يضم قوميات غير عربية من أجل تثبيت الكيان الإسرائيلي، وتطبيع وجوده في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية للقوى الدولية المسيطرة.
مفهوم الشرق الأوسط الإقليمي
ويصعب تحديد المفهوم الإقليمي للشرق الأوسط نظرًا لعدم وضوحه وتحديد أبعاده الجغرافية واختلاف الآراء حوله تبعًا للمصالح والأبعاد الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لكل رأي، ولكن هذا لا ينفي أن تقوم عدد من الدول بتكوين نواة أو إطار لإقليم شرق أوسطي مبتدئين ببناء قاعدته الاقتصادية ثم تطويره ليأخذ بعدًا سياسيًّا وخاصة وأنه لا خلاف على أن الدول العربية وتركيا وإسرائيل، ضمن ما يسمى بإقليم الشرق الأوسط.
استراتيجية قيام السوق الشرق أوسطية
تأتي السوق الشرق أوسطية كجزء من عملية التغيير في أساليب إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق الاستراتيجية الأمريكية التي تقوم على ثوابت ومتغيرات:
أولى الثوابت ضمان أمن إسرائيل، وتفوقها النوعي، وثانيها ضمان التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط بأسعار معقولة، وذلك كما تشير دراسة أعدتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وتختلف سياسة الإدارة الأمريكية الحالية في الحفاظ على تفوق إسرائيل، النوعي عن الإدارات الأمريكية السابقة من خلال إقامة شراكة إسرائيلية. أمريكية لتطوير سلع ذات تكنولوجيا عالية في إسرائيل، وإنتاجها لصالح الشركات الأمريكية، كما أنشأت الإدارة الحالية هيئة العلوم والتكنولوجيا الأمريكية الإسرائيلية التي يرأس الجانب الأمريكي فيها وزير التجارة الأمريكي «رونالد براون» كما قامت إسرائيل، منذ عام ۱۹۸۱ بإنشاء صندوق خاص «صندوق هامر» للقيام بدراسات حول مشروعات التعاون المستقبلي في الشرق الأوسط ويركز بالأساس على مصر والأردن والأراضي المحتلة.
مراحل قيام السوق
يحدد شيمون بيريز في أحدث مؤلفاته التي نشرها بعنوان The New Middle Ecst في عام ۱٩٩٣ خطوات مستقبل التطور في المنطقة على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: والتي يراها تشمل مشروعات للتعاون بين دولتين أو أكثر مثل التعاون في معهد لأبحاث الصحراء وزراعتها، ويدلل على ذلك بالتعاون بين مصر وإسرائيل، ويرى أن هذه المرحلة يجب أن تبدأ قبل إقامة سلام دائم في المنطقة، ويؤكد أن إسرائيل، تملك خبرة متراكمة في التعاون الاقتصادي مع أقطار متنوعة.
المرحلة الثانية: ويراها تشمل مشروعات للتعاون الإقليمي بمشاركة قوى دولية كبرى مثل مشروعات البحر الميت البحر الأحمر وقناة السويس حيث يمكن تكوين مناطق تجارة حرة ومناطق سياحية تشمل مصر والأردن وإسرائيل، والسعودية.
المرحلة الثالثة: ويراها تشمل تشكيل كيان إقليمي على غرار دول مجلس التعاون الأوروبي وتحتاج هذه المرحلة كما يرى بيريز أربعة عوامل رئيسية وهي الاستقرار السياسي ويشير إلى أن أهم ما يهدد استقرار النظم في الشرق الأوسط هو نمو الأصولية، والنمو الاقتصادي، والأمن القومي، وضرورة تشجيع الديمقراطية كأسلوب للحكم في المنطقة.
ويركز التغيير الذي حصل في الاستراتيجية الأمريكية على أسلوب التعامل مع منطقة الشرق الأوسط والنظر إليها كوحدة واحدة وليس كأجزاء مستقلة يتم التعامل مع كل جزء منها بشكل مستقل عن الآخر، أما التغيير الثاني فهو التأكيد على أن الوقائع الاقتصادية هي التي تحدد شكل الحقائق السياسية المستقبلية وليس العكس مثلما كانت تعتقد الإدارة الأمريكية السابقة.
وهم السوق الشرق أوسطية
وتؤكد الأدبيات الاقتصادية على أن إقليم الشرق الأوسط والذي تسعى «إسرائيل» وأمريكا إلى تكوينه بأقصى سرعة ممكنة ما هو إلا وهم كبير نظرًا لغياب مقومات السوق الاقتصادية والمتمثلة في تعارض المفهوم مع النظرية الاقتصادية التي تحدد مرحلية معينة لإقامة السوق المشتركة، حيث يصعب القفز على المراحل وعدم وجود مصالح اقتصادية مشتركة تم بناؤها خلال فترة زمنية من التعاون الاقتصادي فالدول العربية فشلت في إيجاد صيغة تعاون فيما بينها طوال العقود الأربعة الماضية والحقيقة أن هدف إسرائيل، من قيام هذا الإقليم ليس توحيد العرب وليست «إسرائيل» بهذا الغباء، ولكن هدفها الأساسي هو الإسراع بتنمية الصناعات المتطورة الواعدة بسرعة مستفيدة من قربها من الأسواق العربية لتخفف الضغوط التنافسية في الأسواق العالمية، وتحول دون دخول الدول العربية هذه الصناعات مستفيدة من غياب التنسيق العربي وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في الحصول على مستلزمات إنتاج منخفضة التكاليف وعون أمريكي صريح تتجاوز قيمتها للفرد الواحد ضعف الناتج المحلي للفرد في الدول المجاورة، مما يعطيها ميزة نسبية وتنافسية في اختراق الأسواق العربية على الرغم من أن الاقتصاد الصهيوني يعاني من الضعف العام بالرغم مما يشاع عن تقدمه التكنولوجي الناتج عن عمليات نهب وسلب ساهمت فيه الجنسيات المزدوجة والعون الأمريكي، حيث إن إسرائيل، تعاني من عجز في ميزانها التجاري، يقارب نصف عجز دول الطوق ففي عام ١٩٩١ كان عجزها ٤٨٦٠ مليون دولار مقابل ١١٥٧٥ إذ كانت صادرات تلك الدول ٧٤% فقط من الصادرات «الإسرائيلية» (۸۷۸٥ مقابل ۱۱۸۹١) بينما وارداتها ١٢١,٥%(۲۰۳٦٠مقابل١٦٧٥١) غير أن تراجع مواردها من التمويل الخارجي وبخاصة الأمريكي يجعلها تنافس بشدة مع جاراتها وقد قدم البنك الدولي في دراسة أعدها في نوفمبر الماضي أن مجرد المضي فيما يقترح من مشاريع البنية الأساسية يحتاج إلى موارد خارجية ضخمة، ونقل المشاريع الإنتاجية بحاجة إلى رؤوس أموال وإذا كانت عابرات القوميات يمكن أن تدبر جزءًا من الاحتياجات لما لها من مصالح في الأسواق العربية التي فتحت بفعل التطبيع، وبالرغم من ذلك فإن مجرد تحرير حركة رؤوس الأموال لن يوفر موارد لدول السوق من داخلها وتصبح الدول العربية المشاركة معبرًا لأموال الدول البترولية فضلًا عن أموال دول العجز المستثمرة في الخارج، وواضح أن هذا لا يتطلب سوقًا مشتركة بقدر ما يحتاج إلى بنك شرق أوسطي.
وليس هذا فقط هو المطلوب بل الموارد الطبيعية في المنطقة العربية هي الهدف الرئيسي والنهائي تسعى إليه «إسرائيل» بكل قوة في ظل فقر مواردها وهي تثير مشكلة المياه والطاقة وتتبع في ذلك كل الأساليب بما في ذلك مساعدة دولة مثل قطر ومصر بمدها بالغاز المسال وهو ما تقاعست عنه الدول العربية في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل، تحرير انتقال البشر، وفلسفتها الأساسية هي النقاء العنصري والإعداد لمزيد من الهجرة اليهودية مع ما يترتب على هذا من تفاقم مشكلة البطالة التي تجاوزت 12 % والحد من عدد السكان داخل فلسطين نفسها.
فوهم السوق الأوسطية التي تروج له «إسرائيل» بأصوله الغربية الصهيونية يجعلها المستفيد الأكبر من ترتيبات التجارة ولا يهمها إلا تحقيق مصالحها في المنطقة وقواعدها العسكرية تواصل احتلال الأراضي العربية وتبطش بالمواطنين العرب فلن تدخل «إسرائيل» في ترتيبات مؤسسية مثل ما أنشأته دول السوق الأوروبية وتكون خاضعة لقراراته المشتركة فهي تكتفي بمنهج المشروعات المشتركة الذي عجز العرب عن تحقيقه ومن ورائها القوى الغربية والبنك الدولي في استخدام هذا المنهج الذي يتيح لها امتصاص استثمارات الحكومات العربية وتمويل مشروعاتها الأساسية برسم خريطة النقل في المشرق العربي كالطريق الساحلي الذي يتجه جنوبًا من تركيا أو بدائل قناة السويس وأنابيب البترول وتحقيق ترابط شبكات الكهرباء وتزويدها بالطاقة بينما لا ترقي الترتيبات إلى حد فتح الحدود أمام العمالة العربية التي ستقل في حالة توتر مع تضاؤل الفرص أمامها في دول عربية أخرى كدول الخليج.
وستظل إسرائيل في المستفيد الأكبر مادام العرب في ثباتهم العميق لتحقيق حلم هرتزل بجمع الثروات الطبيعية العربية والعقول اليهودية من أجل خلق جنة الرخاء على الأرض والتنفيذ العملي لدراسة المنظمة الصهيونية الأمريكية عام ١٩٤٥ التي تضمنت تصورات لتطوير المواصلات والتجارة والسياحة والأسواق المالية في المنطقة من خلال تعاون عربي يهودي .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل