; إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة ... الحلقة السادسة والأربعون ... دولة الخلافة والحركة الوهابية | مجلة المجتمع

العنوان إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة ... الحلقة السادسة والأربعون ... دولة الخلافة والحركة الوهابية

الكاتب أ.د. عجيل جاسم النشمي

تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

مشاهدات 50

نشر في العدد 509

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

-لم يخرج الشيخ على دولة الخلافة..

-ولم يحارب دولة تحت سلطانها المباشر

مواقف الشيخ النظرية والعملية متناسبة ومتناسقة مع سياسة دولة الخلافة.

خاطب الشريف أحمد كولي أمر له عليه حق الطاعة.

ذكرنا في الحلقة السابقة بعض النصوص الدالة فيما يشبه أو يكاد يدل صراحة على موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من دولة الخلافة.

وتوصلنا من خلال ذلك إلى نتيجة مفادها أن الشيخ لا يرى الخروج على دولة الخلافة.

وقلنا هناك إن السؤال مع هذه النتيجة لا يزال قائمًا، فمواقف الشيخ العملية وحروبه المتواصلة، ألا تعني الخروج على دولة الخلافة؟ وهلا كانت سببًا مباشرًا لاستعدائها؟

واليوم نجيب عن هذه التساؤلات باستقصاء المواقف العملية أو الحركات المسلحة التي عايشها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويتحمل مسؤوليتها، لنرى بعد ذلك كيف ستؤدي تلك الخيوط القولية والعملية مجتمعة إلى تقرير نفس النتيجة الأولى فمنذ أن دخلت قوات السلطان سليم بن بايزيد مصر بعد معركة عام 1516 «أو 1515 وهو الأصح». بعث له شريف مكة رسائل التأييد والتشرف في الدخول تحت سلطان الدولة العثمانية، وبعد أن استتب له الأمر في مصر سار إلى حلب ثم دمشق فدخلها دون قتال. وصلى الجمعة في حلب فلما صعد المنبر دعا للسلطان بالنصر ولقبه بــ «خادم الحرمين الشريفين» وسجد شكرًا لله (تاريخ ابن خلدون بتعليم شكيب أرسلان 175). من يومئذ اتبعت دولة الخلافة سياسة خاصة تجاه الجزيرة العربية فأوكلت إلى شريف مكة حكم الحجاز «مكة والمدينة» باسم دولة الخلافة فكانت الدولة عليها اسمية.

أما بلاد نجد وما جاورها فإنها لم تعرها أهمية تذكر وربما كانت سياستها هذه تجاه بلاد نجد لسعة أراضيها وترامي أطرافها هذا من جانب، ولتمكن التوزيع القبلي والعشائري من جانب آخر، فقد كانت الجزيرة العربية في عمومها دويلات متناحرة متقاتلة لا تهدأ أحوالها وغزواتها وإغارة بعضها على البعض الآخر، ولهذا كان من الصعب توحيد أرضها وجمع كلمتها ولو أرادت دولة الخلافة ذلك فسيكلفها حتمًا جهدًا مضنيًا، ولعل هذا كله جعل سياستها تجاه الجزيرة العربية عدم الدخول كطرف مباشر بل يكفيها الإشراف الاسمي على أشرف وأهم البقاع مكة والمدينة، تاركة ما عداها تحكمه القبائل كيفما شاءت، فشعرت أن بقية البلاد ترتبط وبلاد الحجاز برباط متين تاريخي إسلامي ربما يكون كافيًا في ضمان ولائهما أخيرًا لدولة الخلافة، ولم تغفل دولة الخلافة عن أهمية بلاد الإحساء لموقعها الإستراتيجي. فجعلت فيها حامية عثمانية صغيرة -كما سيأتي- ثم تغلب بنو خالد وارتبطوا مع دولة الخلافة بالولاء الاسمي إلا أن هذا الولاء لم يكن ليفيد الإحساء فيما لو تعرضت لأي حرب من أية قبيلة، ولم يكن يهم دولة الخلافة من سيأتي إلى إمرة الإحساء مادام يعلن الارتباط الاسمي لها.

وهذه السياسة تجاه الجزيرة العربية عمومًا رغم أنها وفرت على دولة الخلافة جهدًا كانت هي في حاجة إليه في تلك الفترة إلا أنها كانت سياسة قاصرة كلفتها جهودًا مضنية أكبر مما تتوقع مما كان يغلي داخل الجزيرة من مشاكل وفتن انتهت إلى تسيير الجيوش الجرارة في وقت كانت دولة الخلافة في حاجة ماسة إلى كل جهد. 

وكانت بلاد نجد وحدها تضم عدة قبائل من أمثال قبيلة عنزة وطوائفها من بني وهب والجلاس والرولة وبشر، وبشر لها شعب كثيرة وقبيلة شمر وحرب ومطير وعيبة والبتوم وسبيع والسهول وقحطان والعجمان وآل مرة، كل هذه في بلاد نجد- راجع تفصيل ذلك في لمع الشهاب وما بعدها- ولا شك أن من الصعوبة بمكان توحيد هذه القبائل وإسلاس قيادها، وجعلها قوة لتسد به ثغرات ضعفها وشيخوختها، وتستعين به على الصمود أمام المتربصين بها من كل حدب وصوب.

لقد كانت سياسة دولة الخلافة قاصرة- فعلًا- وأقل ما فيها أنها أفقدت الدولة هيبتها واحترامها وجعلت التابعين لها اسميًا يكيفون أنفسهم وواقعهم وولاءهم حسب مصلحتهم وقوة دولة الخلافة أو ضعفها.. 

أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقد كان مطالبًا بأن يكون تصرفه وفق هذه التركيبة لمجتمع الجزيرة ووفق الإطار الذي تنظر من خلاله دولة الخلافة.

والمتتبع لكلام الشيخ في القسم النظري- الذي تعرضنا له في الحلقات السابقة- ويطبقه على مواقفه العملية سيجدها مواقف متناسقة متناسبة فيما بينها. وفي ذات الوقت تتناسب وسياسة دولة الخلافة في الواقع الذي ارتضته للجزيرة العربية. ومن هنا نستطيع القول إن الشيخ قد اتخذ له سياسة خاصة تجاه بلاد الحجاز والإحساء والتي تخضع للدولة العثمانية اسمًا، وسياسة خاصة أخرى تختلف عن هذه تجاه بلاد نجد وما جاورها.

فبالنسبة لبلاد الحجاز اتخذ سياسة الناصح الواعظ المنكر لما يراه مخالفًا لشرع الله القويم من بدع وخرافات أو شركيات. دون أن يتعدى ذلك إلى الصدام المسلح بل كان يتجنبه ويتحاشاه ما وسعه ذلك، وهذه السياسة نلمسها واضحة في مواقفه المحضة وفي رسائله التي كانت تعبر عن المواقف العملية تجاه بلاد الحجاز «مكة والمدينة». وسنتعرض أولًا لأحد المواقف الهامة في ذلك، ثم نتناول رسالتين هامتين من رسائله المعبرة عن موقفه العملي كأنموذج لما نريد إثباته من أن الشيخ لم يكن يقصد الخروج على دولة الخلافة، ولم يخرج -حقيقة- في كل ما قام به من تحرك عملي لنشر الدعوة. 

أما الموقف: فإنه في عهد الشريف مسعود بن سعيد وقد أصبح أميرًا في 7 رمضان 1146هـ شباط 1724م إلى 1165هـ- 1751م.

وكان عهده عهد صدام واختبار واستفزاز للحركة الوهابية، فقام بدعاية واسعة بين الحجيج للتشنيع على الحركة الوهابية وتهويل أمرها وتجسیم خطرها، ورفع تقارير إلى الباب العالي ليستفز دولة الخلافة على الحركة الوهابية. 

ثم أتبع ذلك بخطوة يستفز بها الشيخ وحركته حيث منع أهالي نجد من دخول مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.

وكان هذا الإجراء كفيلًا باستثارة الشيخ وآل سعود إلا أنه لم يقابل ذلك العداء إلا بالتصرف الحكيم والموقف السليم، وسعى للتفاهم وإزالة الخلاف فأرسل وفدًا إلى مكة المكرمة ليدلي بالبراهين لصحة الدعوة التي يدعو إليها ويوضح لهم الأغراض التي ترمي إليها الدعوة، ويذكر لهم النتائج التي حققتها الدعوة في نشر العقيدة السليمة عقيدة التوحيد بين ربوع نجد، والتي كانت تعيش ضروبًا من الشرك والجهالة. 

«وكان وفد الشيخ يتكون من ثلاثين عالمًا لمناظرة علماء مكة حول مبادئ الدعوة. ولما وصل الوفد دارت مناظرات طويلة بين الطرفين شرح فيها وفد الدرعية مبادئ الدعوة وأهدافها وأدلى بالحجج القاطعة، حتى أحجم علماء مكة عن الرد. ونقض الأدلة، ولكنهم أصروا على عنادهم بل وأصدروا فتوى كفروا بها صاحب الدعوة وعدوه مارقًا من الدين، وصادق على تلك الفتوى قاضي الشرع في مكة، ونشرت بين الناس ليشهدوا بها.

ولم يكتف الشريف مسعود بذلك، بل أصدر أوامره باعتقال أولئك العلماء النجديين وزجهم في السجون حتى مات أكثرهم، وقد استطاع من بقي من أولئك العلماء الفرار من سجن الشريف وعادوا إلى الدرعية وأخبروا الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود بذلك فكان لهذا أسوأ الأثر في نفوسهم «1».

ولا شك أن هذا موقف يضطر أي قائد مكان الشيخ أن يقابله بالعداء أو على الأقل يخطط للانتقام من خصمه. لكن ذلك كله لم يحدث. بل إن الأحداث التالية لهذا ليس فيها ما يشير إلى قصد الانتقام ودخول مكة عنوة، فكان التخطيط هو التوسع في الأراضي النجدية وما جاورها. 

وأما الرسالة الأولى: فهي رسالة سياسية هامة أرسلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى شريف مكة أحمد بن سعيد، وقد سبقت الإشارة إليها كاملة. 

ونتناول هنا الظروف السياسية التي أرسلت فيها تلك الرسالة لينعكس ذلك على أهميتها من جهة ودلالتها على المراد إثباته من جهة ثانية. فإنه بعد وفاة الشريف مسعود وانتهاء ولايته عام 1165ه- 1751م تولى أخوة الشريف مساعد الإمارة. ثم قامت ثورات أقصته عن الحكم وتولى أخوه الشريف جعفر مكانه ثم تنازل جعفر لأخيه مساعد فعاد إلى الحكم مرة ثانية عام 1174هـ-1760م.

وفي عهده أرسل الشيخ إلى الشريف مساعد يطلب السماح لأهالي نجد بأداء فريضة الحج، ولكنه لم يأذن لهم وبقي الأمر على ذلك حتى توفي الشريف مساعد عام 1184هـ -1770م.

ولم يتبع الشيخ طلبه أي إجراء بعد عدم السماح له لما كان عهد الشريف أحمد بن سعيد الذي تولى الإمارة من 23 جمادى الثانية 1184هـ 13 أيلول 1770۰م إلى 1186هـ -1772م. 

أراد الشريف أن يحسن علاقته بالشيخ ودعوته، فكتب إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير عبد العزيز آل سعود عام 1184هـ-1770م كتابًا يطلب إليهما أن يرسلا عالمًا من علمائهم ليناظر علماء مكة ويبين لهم حقيقة الدعوة التي يدعو إليها فأوفد إليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين وأرسلا معه إلى الشريف هدايا وتحفًا كثيرة، وزودوه بكتاب جوابًا لكتابه .

وكانت دعوة الشيخ في هذه الفترة قوية قد توطدت أركانها وكثر أتباعها فإذا طلب الشريف أحمد بن سعيد من الشيخ إرسال أحد علماء الدعوة فإنه لا يطلبه من مركز قوة لأن حركة الشيخ أيضًا قوية، ولا يطلبه خوفًا عن منصبه وبلاده- كما ظنه بعض المؤرخين- فإن الشيخ لم يبدر منه ما يدل على ذلك.

ولذلك فقد جاءت الرسالة معبرة عن حقيقة ووجدان ما يرمي إليه الشيخ من حركته وليس فيها مبالغة ولا تملق ولا تكلف.

وبعد هذه المقدمة لتلك الرسالة نستطيع إلقاء الضوء عليها مكتفين ببعض عباراتها مما يدل على ما نريد إثباته من الناحية العملية، أما دلالتها من الناحية النظرية فقد بسطنا الكلام عليه في حلقات سابقة. 

يقول الشيخ بعد بسم الله الرحمن الرحيم، من المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن سعيد أعزه الله في الدارين، وأعز به دين جده سيد الثقلين، إن الكتاب لما وصل إلى الخادم، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن، ورفع يديه إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية، ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور ولما طلبتم مطالب علم امتثلنا الأمر، وهو واصلكم، ويحضر مجلس الشريف أعزه الله تعالى هو وعلماء مكة، فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة؛ فالواجب على كل منا ومنهم أن يقصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ (آل عمران: 81).

وكلام الشيخ هذا يشعر بوضوح أنه لا يخاطب خصمًا يتنازع منه على ما تحت يده من بلاد، بل كأنه يخاطب ولي أمر له عليه حق الطاعة مع أن الشيخ من الناحية الفعلية كان باستطاعته الشيخ أن يتخذ موقفًا صلبًا تجاه طلب الشريف أحمد بن سعيد ويستطيع أن يطرح قضايا سياسية محضة ويبين كفته الراجحة ويتخذ بالتالي هذه المبادرة من الشريف أحمد كنقطة ضعف يدخل من خلالها ويبني على أنقاضها ما يحلو له. إلا أن ذلك كله لم يكن بل لتحس أن الشيخ يكاد يقول إن ولائي لك وهو جزء من ولائك لدولة الخلافة.

تقويم اللسان

الشيخ يونس حمدان

•ومن الأخطاء التي تتردد على بعض الألسنة والأقلام قول بعضهم: «له باع طويلة في العلم»، وهذا لا يصح؛ وذلك لأن كلمة «باع» أو كلمة «الباع» لم ترد في المعروف من كلام العرب إلا مذكرة، ولهذه الكلمة معان مجازية منها الكرم وسعة المدارك، والباع أن يبسط الرجل ذراعيه يمينًا وشمالًا فتكون المسافة بين الكفين هي الباع، وهذيل تقولها «بوع»، فالصحيح أن يقال بعد كل هذا: «له باع طويل». 

•ومنها قول بعضهم «كبرياؤه جريحة»، وهذا لا يوافق المألوف المعروف من كلام العرب، والصحيح أن يقال كبرياؤه جريح؛ وذلك لأن «جريح» صفة مشبهة بمعنى مجروح يستوي فيها المذكر والمؤنث كفعول فإنها يستوي فيها المذكر والمؤنث إذا كانت بمعنى فاعل فأنت تقول «رجل صبور» «وامرأة صبور».

•ومنها قولهم «أخرج ما في جعبته» بضم، الجيم، والصحيح أن يقال «جعبة» بفتح الجيم، والجعبة هي الكنانة وصانعها هو «الجعاب»، وصناعتها هي الجعابة، وجمع الجعبة «جعاب» و «جعابات». 

•وقول بعضهم «جهد جهيد» وهذا خطأ، فإنه لا يعرف هذا في كلام العرب، وإنما المعروف المروي من كلامهم «جهد جاهد»، وفرقوا بين الجهد والجهد فقالوا: الجهد والطاقة قلت جهد وجهد تفتح الجيم وتضمها.

-أما إذا أردت المشقة فتقول جهد بالفتح لا غير، فتقول «اعتراني الجهد مما بذلت من الجهد»، وقد خطّأوا ابن الرومي في قوله: 

فهي برد بخدها وسلام                                     وهي للعاشقين جهد جهيد 

وقالوا إنما لجأ إلى هذه الكلمة لضرورة الشعر، وأنت خبير بأنه يتوسع في الضرورات الشعرية.

الرابط المختصر :