; إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (العدد 497) | مجلة المجتمع

العنوان إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (العدد 497)

الكاتب أ.د. عجيل جاسم النشمي

تاريخ النشر الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

مشاهدات 37

نشر في العدد 497

نشر في الصفحة 45

الثلاثاء 16-سبتمبر-1980

قيام الحركة الوهابية

●‏ توسعت الحركة الوهابية وامتد نفوذها في الجزيرة العربية في قطر ‏والبحرين والكويت وعمان.

‏منذ أن استجاب محمد بن سعود لدعوة محمد بن عبدالوهاب وتحالف معه وعقد البيعة له أخذ شان آل سعود وبلدتهم الدرعية يأخذ طريقه في التوسع، وذلك لأن حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانت حركة جهادية هدفها القضاء على ما أصاب الجزيرة والعالم الإسلامي من ألوان الشرك والانحراف العقائدي، و بتوسع الحركة الوهابية تتوسع إمارة آل سعود حتى تصبح فيما بعد دولة لها شأنها وكان أول هدف لابن سعود هو توحيد نجد وجعلها تحت إمرته وفي سبيل ذلك دخل محمد بن سعود ومن بعده في حروب مستمرة شملت كثيرًا من القرى والمدن وكانت الرياض مطمحًا لابن سعود طالما تطلع إلى بسط سلطانه ودعوة الإمام عليه، إلا أن أمير الرياض دهام بن دواس كان ندًا قويًا لابن سعود، وقد وجه ابن سعود ومحمد بن عبد الوهاب إلي دهام الدعوة للدخول في الحركة وإعلان التوحيد إلا أن دهام بن دواس أبى ذلك وفضل الحرب التي استمرت زهاء سبعة وعشرين عامًا، عشر سنين منها في حياة الأمير محمد بن سعود، وكانت الحرب سجالًا بينهما، ولقد اتبع دهام بن دواس حيلًا ومكرًا ودسائس كثيرة خلال ذلك، بل أنه عاهد ابن سعود أربع مرات ونكث عهده في كل مرة.

‏و بعد وفاة الأمير محمد بن سعود ١١٧٩هـ - ١٧٦٥م‏ أراد دهام أن يستغل الفرصة فحالف زيد بن زامل حاكم الدلم والخرج وشنا هجومًا عاصفًا على الصبيخات في منفوحة، إلا أن عبد العزيز بن محمد بن سعود خليفة أبيه ‏صد الهجوم، وبادلهم بمهاجمة الرياض، ومن ناحية أخرى غزا أخوه عبدالله قبيلة السبيع حليفة دهام، ثم ازداد الصراع بين الدرعية والرياض وكان عبدالعزيز يقود الحروب بنفسه ضد الرياض، واستمر عبدالعزيز بحروبه المستمرة خصوصًا في عام 1186ه – 1772م حيث غزا الرياض مرتين في هذا العام واستطاع أن يهدم حصن المراقبة في الرياض، وما أن حل ربيع الآخر من نفس العام حتى هرب دهام بن دواس من ضعف وزحف الأمير عبدالعزيز، فدخل الرياض منتصرًا وقد هرب منها أهلوها أيضًا وبسقوط الرياض انزاح من أمام ابن سعود والحركة الوهابية أكبر عقبة كانت حجر العثرة من التوسع والانتشار.

‏وقد دخلت كثير من القرى والمدن من قبل في الدعوة الوهابية وآزرت ابن سعود كالعينية ومنفوحة وضرمي وحريملاء والعمارية والقويعية والحوطة والجنوبية والمحمل وثادق والقصب والفرعة ومعظمها من بلدان العارض، فهذه المدن والبلاد كلها قد أعلنت ولاءها في وقت مبكر للأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلا أن تلك البلاد كثيرًا ما كانت تتردد بين الولاء للأمير محمد بن سعود ونقض البيعة والانضمام إلى أعدائه وخصوصًا بلدة العيينة وأميرها عثمان بن حمد بن معمر الذي لم يحسن ولاءه لابن سعود، وكذلك حريملاء التي نقضت عهدها مع ابن سعود عام ١١٦٥هـ،‏ ١٧٥١م‏ وأخرجوا كل من لم ينقض عهده مع ابن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ثم أعاد الأمير محمد بن سعود ولاءها ثانية له.

‏وكذلك كانت منطقة الخرج من البلدان التي قاومت توسع الأمير محمد بن سعود بقيادة زيد بن زامل الديلمي الذي عقد حلف مع زعيم الدواسر وزعماء آخرين وطلب المساعدة من أهل نجران وقبائلها نظير مبالغ من المال قدمت لزعماء نجران، وحشد جيشًا كبيرًا اتجه به نحو العارض قاصدًا القضاء على الدرعية واشتبك مع ابن سعود في معارك كثيرة منى فيها زيد ابن زامل بالخسران، ثم عقد زيد صلحًا مع ابن سعود إلا أنه نقضه وعادت الاضطرابات ثانية مما جعل محمد بن سعود يجهز جيشًا كبيرًا لإخماد الفتنة وقاد بنفسه بعض تلك الحملات وابنه سعود قاد معظمها، وفي سنة م١٧٨٥-١2٠٠ه‏ استطاع ابن سعود بعد هجوم كبير أن يخمد الفتنه ويستولي على الدلم ودخلت بقية بلدان الخرج في طاعة ابن سعود، وهذا الصراع المرير حدد امتداد الحركة الوهابية في جهة الجنوب والشرق إما شمال الدرعية وهي منطقة القصيم فقد قاومت هي أيضًا هذا التوسع ورغم أنها أعطت ولاءها اولًا إلا أنها في عام ١١٩٦هـ -١٧٨٢م‏ أعلن أهل القصيم عصيانهم ونقضوا العهد الذي كانوا قد قطعوه للإمام عبد العزيز بن محمد والشيخ محمد بن عبد الوهاب، واستعانوا بسعدون بن عريعر أمير الأحساء وانضم إليهم أيضًا زيد بن زامل أمير الخرج كما سبق- وقرروا أن يكون هجومهم أولًا على الروضة واستطاعوا فعلًا احتلالها، وبدأت الاشتباكات المتعددة بين الطرفين وانتهى الصراع بعقد الصلح بينهما، وكان لصالح آل سعود، وعاد ابن سعود إلى الدرعية بعد أن عين عمالًا على مدن وقرى هذه المنطقة، و بهذا أصبحت حدود الدولة السعودية الشمالية حتى نهاية حدود القصيم.

وبعد أن توسع ابن سعود هذا التوسع كان لابد له أن يضم إلى نفوذه منطقة جبل شمرلما يتميز به من أهمية اقتصادية فارضه خصبة وعيونه كثيرة بالإضافة إلى علاقته التجارية مع العراق، واستطاع الأمير محمد بن سعود ضم منطقة جبل شمر بعد معارك بقيادة حجيلان أمير القصيم وكان آخر المعارك عام ‎١٢٠٧‏ هـ - ١٧٩٢م وبهذا وحدت الحركة الوهابية بلاد نجد في وحدة سياسية تحت الحكم السعودي ولا شك أن هذا التوحيد استهلك من الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود ومن بعدها جهدًا كبيرًا مضنيًا استمر من ١١٥٨هـ ‏- ١٧٤٥م‏ إلى ١٢٠٧هـ - 1792م‏ ولم يكن قصد الحركة الوهابية الاكتفاء بتحرير بلاد نجد من الشرك والانحراف وإعادة الحياة إلى صفاء العقيدة و بهاءها الأمر الذي يعكس الهدوء ويحقق الطمأنينة لهذه البلاد التي لم يكن الفرد بل الركب يأمن على نفسه وماله من الانتهاك وكان لابد للحركة التي بنت حقيقة - دولة الأمير محمد بن سعود الحقيقية من أن تنظر إلى توسيع النطاق ونشر الدعوة لتتطهر الجزيرة بكاملها مما حل بها من انحراف في العقيدة سبب هذا الضياع والفرقة والضعف، ولذلك بدت الأحساء محط الأنظار لعدة أمور كانت كفيلة بالتوجه إليها. 

أولًا: تعتبر منطقة الأحساء- والتي تمثل المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية من أغنى مناطق الجزيرة من حيث الأراضي الخصبة والمياه والآبار والعيون الوفيرة والمراعي الجيدة.

ثانيًا: تعتبر منطقة الأحساء مركز الشيعة الذين يناهضون فكر ومعتقد الحركة الوهابية.

ثالثًا: كانت الأحساء ملاذ كثير من القبائل التي لم تستطع الوقوف أمام الحركة في المعارك التي اصطدمت بينهم وبين حركة ابن عبد الوهاب وابن سعود ولعل هذه الأسباب كافية في اهتمام الحركة الوهابية بالأحساء وداعية إلى بسط النفوذ عليها.

ومن هنا بدأ الصراع بين حركة الإمام محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود من عام ١١٧٢ه‏-١٧٥٨م عندما تحالف عريعر بن وجين مع عشائر بني خالد وهم أقوى القبائل بالنسبة إلى قبائل العجمان وبنى هاجر، وكان بنو خالد يحكمون الكويت تحت تحديد الغزو ببناء سور منيع سنة ١٢١٣هـ -‏ ١٧٩٨م،‏ ولقد حاول سعود سنة ١٢١٩هـ ‏- 1804م  غزوالكويت وعسكر بجيشه في قرية الجهراء، ولكنه انسحب من موقعه، وكان هذا أخر تهديد للكويت، وبذلك لم تخضع الكويت فعليًا لنفوذ آل سعود، أما عمان وهي التي تحتل قسمًا كبيرًا من جزيرة العرب الواقع بين الساحل المهادن وساحل عمان وبين ساحل جزيرة العرب الجنوبي في اتجاه جزيرة مصيرة.

وبدخول الأحساء وما جاورها من بلاد أهل الشرق وهم الشيعة والقطيف توسعت دولة الحركة الوهابية وأصبح الطريق مفتوحًا أمامها إلى قطر والبحرين والكويت وعمان (1).

ولقد سيرت دولة الحركة الوهابية جيشًا بقيادة إبراهيم بن عفيصان في أواخر 1207هـ – 1792م لغزو قطر وتم له إخضاع معظم قراها بسهولة ثم خضعت كلها لدولة الوهابية.

أما البحرين فلم تستطع قوات آل سعود من ضمها نهائيًا وإخضاعها لسلطانها فقد طردوا منها بعد دخولها وفشلت محاولة إبراهيم بن عفيصان من استردادها من آل خليفة وهزم في معركة خكيكيرة سنة 1225هـ – 1810م، وبعدها انشغل آل سعود بالحروب ضد جيوش محمد على ولم يعاودوا محاولاتهم في غزو البحرين.

ولم يخف على الحركة الوهابية أهمية الكويت باعتبارها ميناء التموين لنجد وغيرها، ولذلك قام إبراهيم بن عفيصان بغزو الكويت سنة 1208هـ – 1793م مع جماعة من الخرج والعارض وسدير، ورغم استيلائه على قسم كبير من الأسلحة والماشية إلا أنه لم يتمكن من إخضاع الكويت لنفوذ آل سعود، ثم أضطر أهل الساحل الشرقي للجزيرة العربية تحت سيادة واسم دولة الخلافة الإسلامية، وقد كانت السلطة الحقيقة الفعلية بأيدي بني خالد منذ عام 1080هـ – 1670م وقد شن بنو خالد ومن حالفهم كثيرًا من الهجمات على مناطق نفوذ الوهابية إلا أنهم لم يستطيعوا أن يكسرواقوة وشوكة الوهابية، ثم بدأت الحركة تأخذ صف الهجوم تجاه الأحساء من عام ١١٩٨هـ – 1783م، واستمرت المعارك بقيادة الأمير سعود بن عبد العز يز حتى عام ١٢٠٧هـ - ١٧٩٣م‏ حيث استطاع أن يصل إلى ماء اللصافة وكان هذا الانتصار كافيًا لأن يطلب أهل الأحساء من آل سعود البيعة وقبول حكمهم، إلا أنهم نكثوا البيعة وثاروا على ممثلي الحركة الوهابية وقتلوهم مماجعل ابن سعود يشن حملة عنيفة عليهم عام ١٢٠8ه - ١٧٩٣م‏ وعادوا إلى الاستسلام والرضوخ.

ولقد حاول أهل الأحساء والشيعة منهم على الخصوص الاستعانة بوالي بغداد سليمان باشا وطلبوا منه مرارًا النجدة و يرجونه أن يفك أسر ثويني بن عبد الله ليقود جيش النجدة ولقد أفرج فعلًا والي بغداد عن ثويني وأمره علي جيش كبير إلا أن حملته فشلت في التغلب على آل سعود وانتهت حملته بقتله.

ولقد تكرست هجمات ابن سعود على عمان حتى استطاع سنة ١٢٠٢ه‏ -١٧٩٥م‏ التمركز في البرعي واتخذها منطلقًا لهجماته حتى أذعنت له كثير من القبائل العمانية وخضعوا لسلطان آل سعود وكانوا يدفعون زكاتهم إلى سالم بن بلال الحرق الذي يرسلها بدوره إلى الدرعية.

ولقد استطاع سلطان بن أحمد لم شمل بعض القبائل لمواجهة زحف آل سعود وعقد الصلح بينهما لمدة ثلاث سنوات، وفي هذه الأثناء اغتيل الأمير عبد العزيز بن محمد ولما اعتلى الإمارة في مسقط بدر بن سيف من البوسعيد، وكان قد اعتنق الدعوة السلفية الوهابية أرسل إلى الدرعية يطلب الصلح ويعرض المساعدة والطاعة ولكن ذلك ‏ سبب صراعًا داخل الأسرة العمانية وانتهي بقتل بدر بن سيف سنة ١٢٢١هـ -١٨٠٦م، واعتلي مكانه سعيد بن سلطان ودخل في حروب مع ﺁل سعود لكنه باء بالهزائم لكن عمان لم تهدأ من الاضطرابات والثورات ضد ﺁل سعود، ولقد أضعف الحملات السعودية على عمان تحرك قوات محمد على بقيادة ابنه طوسون ‏متجهة إلى الحجاز.

وعلي أي حال- فإن جهود ﺁل سعود أسفرت عن اعتناق القبائل العمانية الآتية لمبادئ الدعوة السلفية الوهابية وهي قبائل: القواسم ونعيم وآل على والعوامر وبني قتب وبنى كعب والهشم و بني بوعلي والجنبة و بني راسب.

وكان لامتداد نفوذ الحركة إلى عمان آثار كبيرة فقد مدها بكثير من المكاسب المادية ووسع من دائرة امتداد الحركة والدعوة الوهابية وفتح أمامها باب الاتصال الخارجي.

______________

1- راجع في تفصيل ما ذكرنا علي الخصوص كتاب الدولة السعودية الأولى للدكتور عبد الرحمن عبد الرحيم 48 وما بعدها وعنوان المجد وتاريخ نجد ولمع الشهاب في مواضع متفرقة.

حول الانقلاب في تركيا

نقلت وكالات الأنباء العربية والدولية أحداث انقلاب أبيض قام به الجيش في تركيا صباح يوم ‎12/9/1980 ‏ هذا وقد تعودنا أن انقلابات الجيوش دائمًا تكون حمراء سوداء،‏ وتعليل المراقبين لهذا الحدث الذي جاء في وقت قريب من الانتخابات البرلمانية بعد أن فشل ديميريل وأجاويد من قبله في حل مشاكل تركيا السياسية والاقتصادية، جاء للحيلولة دون اكتساح التيار الإسلامي للانتخابات البرلمانية القادمة، وهذا أمر متوقع.. وإذا انتقلنا إلى مبررات الجيش في عمله هذا وهي سوء حالة الأمن وانتشار الاغتيالات السياسية، لوجدنا أن بعض المراقبين الإسلاميين أشاروا إلى أن القلاقل الأمنية كان يقوم بها أفراد من الجيش نفسه بتوجيه من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية!! وذلك لاتخاذ المبرر اللازم من أجل وضع اليد الحديدية العسكرية على صدر الشعب التركي المسلم الذي يعيش بعثًا إسلاميًّا مدهشًا.

الرابط المختصر :