العنوان ١٤عامًا من تاريخ الإخوان المسلمين في مصر (۲) من (۲)
الكاتب محمود الخطيب
تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
مشاهدات 17
نشر في العدد 1317
نشر في الصفحة 46
الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
الإخوان لم يكونوا يثقون بالملك فاروق وحاشيته.
المؤلف: برينيار ليا
يواصل الباحث برينيار ليا بحثه عن تاريخ نشأة الإخوان المسلمين في مصر حيث يلاحظ بأن الإخوان المسلمين روجوا لفكرة القومية الإسلامية، في وقت كانت فيه فكرة الوطنية المصرية العلمانية في حالة تراجع وتخسر مواقعها لصالح النزعة القومية العربية والعواطف الوطنية الإسلامية، وهو ما زاد من شعبية جمعية الإخوان المسلمين.
ويشير برينيار إلى أن ترفع الإخوان عن الخوض في النزاعات المذهبية الدينية، التي كانت سائدة في تلك الفترة أصبح جزءًا أساسيًا من أيديولوجية الإخوان المسلمين.
حيث اعتبره الإمام البنا أحد الأسس الخمسة التي تحدد رسالة جمعية الإخوان المسلمين، وظهر ذلك واضحًا في محاولة الإخوان تجسير الهوة بين أتباع المذهب السلفي والجماعات الصوفية.
واعتبر الإخوان أن العالم الإسلامي لن ينهض من جديد إذا ظل يعيش في أوحال التخلف والخضوع للاستعمار الغربي، وأنه يتوجب على المسلمين الثورة على حالة الخضوع هذه، ونتج عن هذا الفهم الجديد أن أولى الإخوان أهمية لفريضة الجهاد أكبر بكثير من اهتمام الجماعات الإسلامية التقليدية بها في ذلك الوقت، وجعلوا الجهاد أحد أركان عقيدتهم.
ويشير الباحث إلى أن الإخوان المسلمين أصبحوا لسان حال الطبقة المتوسطة من الشباب المثقف في مصر في فترة الثلاثينيات من خلال طرحهم لأيديولوجية سهلت تأقلم الشباب القادمين من الريف المصري والبيئة التقليدية مع بيئة حضرية جديدة عليهم في المؤسسات التعليمية التي كانوا يدرسون فيها، وتشدد أيديولوجية الإخوان في تلك الفترة على عناصر مهمة كالقومية الإسلامية ومعاداة الإمبريالية، ورفض التصوف السياسي والتشديد على الوحدة الإسلامية سياسياً وعقدياً. والدعوة إلى تعبئة الجماهير المسلمة الساكنة والالتزام بتحقيق العدالة الاجتماعية.
مع تزايد شعبية وعدد الإخوان المسلمين في مصر في الثلاثينيات، أصدروا عددًا من الصحف والمجلات أهمها «الإخوان المسلمون «النذير» «المنار» «التعارف» «النضال» و«الشعاع» لكن الحكومة المصرية أغلقتها جميعًا في أكتوبر ١٩٤١م بعد ضغط من الإنجليز، وأنشأ الإخوان أول مطبعة لهم عام ١٩٣٥م بمساهمات مالية من أعضاء الجماعة فقط، وهو ما يدل -كما يقول الباحث- على استقلالية الجماعة واعتمادها على نفسها في التمويل، ورفضها لأي تمويل من الحكومة أو من أي جهة أخرى.
وبعد أن يقدم الباحث تفصيلًا دقيقًا لنمو أعداد فروع جماعة الإخوان وشعبهم، ووصفاً لهيكلية التنظيم في مراحله الأولية، يركز على اهتمام الإخوان بفرق الرحالة، أو الكشافة التي بدأ اهتمامهم بتشكيلها في الإسماعيلية منذ أواسط الثلاثينيات، والتي انتشرت بعد ذلك في كافة مناطق الإخوان وشعبهم.
ويسلط برينيار الضوء على نشاط جماعة الإخوان خلال الثلاثينيات في مجال العمل الخيري والاجتماعي من خلال جميع شعب الإخوان وفروعهم والذي شمل بناء المساجد والمصليات والمدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى إنشاء مصانع صغيرة لإنتاج السجاد وأعمال التطريز، وقام الإخوان بإنشاء لجان الزكاة لجمعها من عامة المسلمين وتوزيعها على الفقراء.
وقد وضع انشغال الجماعة بالعمل التطوعي الخيري الإخوان في دائرة المواجهة مع الجمعيات التنصيرية، التي كانت تكثر وتنشط في ذلك الوقت بين فقراء المصريين، وقامت المدارس والملاجئ التي أنشأها الإخوان بجذب الفقراء المحتاجين إليها، بعيدًا عن المؤسسات التنصيرية التي انتشر بين المصريين قيامها بخطف الفتيات وتنصيرهن مما أثار حفيظة الناس عليها، وكانت الحملة التي قام بها الإخوان ضد المؤسسات التنصيرية في أواخر العشرينيات وخلال الثلاثينيات، سببًا في انتشار المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية، كما كان لها مدلولاتها السياسية، حيث إنها كشفت عجز الحكومة المصرية في ذلك الوقت عن الدفاع عن المسلمين، وقدم الإخوان بعد أول مؤتمر عام لهم عام ۱۹٣٣م مذكرة إلى الملك فؤاد اشتملت على خمس نقاط لوقف نشاط البعثات والمؤسسات التنصيرية في مصر، ولم يكتف الإخوان بذلك بل شكلوا لجاناً خاصة في الفروع، مهمتها زيارة القرى والمدن المصرية المختلفة للتحذير من خطر تلك المؤسسات وإقناع الأهالي بإرسال أولادهم وبناتهم إلى المدارس الإسلامية.
ويشير الباحث إلى امتلاك الإمام حسن البنا شخصية كارزمية، أكثر جاذبية وتأثيرًا من أي شخصية مصرية أخرى في التاريخ المصري المعاصر، وكان لزيارات الإمام البنا المتعددة للفروع، وخطاباته الحماسية المؤثرة الأثر الكبير في تقوية العلاقات بين مكتب الإرشاد العام وبين أعضاء تلك الفروع.
قفزة نوعية:
ومع بداية عقد الأربعينيات كان عدد فروع الإخوان قد قفز إلى أكثر من ألف فرع في جميع أنحاء مصر، وتراوح العدد الكلي لأعضاء تلك الفروع بين ۱۰۰ ألف ونصف المليون مما زاد من نفوذها السياسي على الساحة المصرية، وهو ما دفع الحكومة المصرية في ذلك الوقت إلى اعتقال الإمام البنا في شهر أكتوبر ١٩٤١م، لكنها أفرجت عنه في الشهر الذي تلاه، متحدية بذلك الأوامر البريطانية بعدم الإفراج عنه، وقد أبلغ رئيس الوزراء المصري السفير البريطاني في القاهرة بأنه اضطر لإطلاق سراحه خوفًا من وقوع ثورة دينية لو بقي البنا محبوسًا
ويسلط الباحث الضوء على انتشار جماعة الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي، حيث أعطى الإخوان أولوية كبيرة لإقامة علاقات مع الحركات الإسلامية والشخصيات الإسلامية في العالم وكانت هذه النظرة ضرورية لأنها عكست صورة عالمية عن دعوة الإخوان المسلمين في مصر، ومن بين الشخصيات التي اتصل بها الإمام البنا منذ أوائل الثلاثينيات مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، وقام أول وفد للإخوان المسلمين بزيارة لفلسطين وسورية عام ١٩٣٥م، والتي وضعت حجر الأساس لفتح فروع للإخوان المسلمين هناك، وقام وفد من جمعية المقاصد الخيرية في سورية برد الزيارة لمقر الإخوان المسلمين في القاهرة عام ١٩٣٦م، الأمر الذي لفت لأول مرة انتباه الشرطة السياسية في مصر لأنشطة الإخوان المسلمين وخلال تلك الزيارة أعلن وفد الجمعية السورية أنفسهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وتأسس أول فرع للإخوان المسلمين في سورية في مدينة حماة عام ۱۹۳۷م، وعندما اندلعت ثورة في سورية ضد الاستعمار الفرنسي في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، كانت الحركة الإسلامية في سورية بقيادة الشيخ مصطفى السباعي قد نظمت نفسها تماماً، وعززت علاقاتها مع الإخوان المسلمين في مصر، وقدم إخوان مصر المساعدات الطبية لإخوان سورية أثناء تلك الثورة وفي نهاية الحرب قام الشيخ السباعي بمبايعة الإمام البنا عرفانًا منه بدور إخوان مصر في مساعدة السوريين ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي عام ۱۹۳۷م كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أنشأت عدة فروع لها في كل من السودان، وفلسطين وسورية ولبنان والمغرب وفرعًا واحدًا في كل من حضرموت وحيدر آباد بالهند، وجيبوتي، وباريس، وانتشرت الفروع في عدد آخر من دول العالم خلال الأربعينيات من خلال الطلبة الأجانب الذين كانوا يتلقون تعليمهم في الجامعات المصرية.
وعن دور الإخوان المسلمين في ثورة فلسطين بين عامي ١٩٣٦م و ۱۹۳۹م يوضح برينيار بأنهم حاولوا توسيع شبكة اتصالاتهم خلال تلك الثورة بعدة وسائل منها تنظيم مؤتمر إسلامي حول فلسطين عام ۱۹۳۷ م واقامة حفل استقبال في أكتوبر عام ۱۹۳۸م في مقر الإخوان في القاهرة على شرف ممثلي البرلمانات العربية الذين حضروا المؤتمر البرلماني الدولي حول فلسطين، وأدى هذا التأييد والدعم من جانب إخوان مصر لقضية فلسطين إلى انتشار أفكارهم في فلسطين، مما مهد الطريق لفتح فروع لهم هناك.
ومع نهاية الثلاثينيات ركز الإخوان نشاطهم على مكافحة الإمبريالية الغربية في العالم الإسلامي، وكان طبيعيًا أن تكون فلسطين بؤرة تركيز لأنشطتهم، لكن ذلك لم يمنعهم من الاهتمام بمحاربة الاستعمار الأجنبي في ليبيا وسورية والمغرب.
ويسلط برينيار الضوء على تشكيل الإخوان المسلمين لما يعرف بالنظام الخاص في أوائل الأربعينيات، وهو ما اعتبره نتيجة طبيعية لأيديولوجية الإخوان التي كانت ترى بأن من واجب المسلمين مقاومة العدوان على الأمة الإسلامية ويشير إلى أن هذا النظام الخاص قد نشأ داخل وحدات الكشافة التي -على حد وصف الباحث- كانت مدخلًا لتجنيد الأعضاء الشباب، وتحولت فيما بعد إلى النظام الخاص، لكنه مع ذلك لم يستطع أن يؤكد بأن الإمام حسن البنا أو مساعديه أولوا موضوع تنظيم الشباب في الجناح العسكري اهتمامًا كبيرًا، إلا إن الشباب أنفسهم كانوا مستعدين للانخراط في أعمال مقاومة الاحتلال الأجنبي، ورصدت الاستخبارات البريطانية عمليات إيصال أسلحة وأموال من إخوان مصر للثوار الفلسطينيين، كما حاولوا -على حد قول برينيار- تصنيع متفجرات لهم.
ويتطرق برينيار إلى مقولة الفصل بين الدين والسياسة، مؤكدًا على اختلاف الإسلام عن النصرانية في هذه المسألة، ويعرض هنا مفهوم الإخوان المسلمين عن شمولية الإسلام، وأن للمسلم الحق في أن يقول رأيه في كل ما يهم أمر أمته بل إن الإمام البنا اعتبر هذا واجبًا على كل مسلم حين رأى بأن المسلم لا يمكن أن يصبح مسلمًا حقيقيًا إذا لم يهتم بشؤون أمته السياسية، وإذا لم يكن له رأي فيها، كما يرى البنا بأن دور السياسة في المجتمع هو تنظيم شؤون الحكم، وتوضيح حقوق المجتمع وواجباته، ومراقبة الحكام والإشراف على أدائهم وطاعتهم فيما ليس فيه معصية للخالق وانتقادهم إذا ما أخطأوا.
موقف البنا من الأحزاب:
وعن موقف البنا من الأحزاب السياسية التي كانت موجودة في زمنه، يشير الباحث إلى أن الإمام البنا كان يعتبرها كائنات مصطنعة وليست حقيقية، وأن سبب وجودها شخصي أكثر منه وطني، كما اعتبر أن الخلافات بين تلك الأحزاب هي في الحقيقة شخصية أكثر منها خلافات سياسية، وكان ينتقدها بسبب افتقارها إلى برنامج إصلاح اجتماعي واقتصادي، وبسبب عدم اهتمامها بتحقيق رفاهية الناس، ويشير برينيار إلى أنه لا يمكن فهم هجوم الإخوان العنيف على الأحزاب السياسية بعيدًا عن حقيقة أن تلك الأحزاب كانت في فترة الثلاثينيات تقتصر على النخبة من المجتمع المصري.
ويرى الباحث بأن رفض الإخوان المسلمين لهيكليات الحكم في مصر في فترة الثلاثينيات قد مهد الطريق لظهور حركة تستند إلى دعوة أيديولوجية، وإلى الاهتمام بمصالح الطبقتين الوسطى والفقيرة من المجتمع، وكانت الدعوة الأيديولوجية السياسية للإخوان المسلمين ذات أهمية كبيرة، حيث مكنتهم من طرح أنفسهم كمتحدثين باسم الطبقات الفقيرة في مصر وبخاصة الطبقة المتوسطة المتعلمة، واعتبر الباحث ذلك سببًا رئيسًا من أسباب نجاح الإخوان المسلمين وشهرتهم.
ولاحظ برينيار بأن معظم الدراسات التي تناولت الإخوان المسلمين في أواخر الثلاثينيات أكدت على علاقات الإخوان بالقصر والسياسيين فيه، وبخاصة مستشار الملك علي ماهر باشا وعبدالرحمن عزام والفريق عزيز المصري وصالح حرب باشا، إضافة إلى شيخ الأزهر مصطفى المراغي، حيث توطدت علاقات صداقة قوية بينهم وبين الإمام البنا، لكنه -أي الباحث- يؤكد على أن تلك العلاقات لم تكن مستقرة بالشكل الذي تزعمه الدراسات السابقة، ويقول إن الإخوان المسلمين كانوا يرفضون مبادئ أساسية في استراتيجية علي ماهر باشا السياسية، وبخاصة النظرة حول الملك المعصوم وطموحاته بالخلافة، ويشير أيضًا إلى أن الإخوان لم يكونوا يثقون بالطبقة الحاكمة العليا بسبب احتكارهم للسلطة، ويسبب أسلوب حياتهم البذخ والبعيد عن الإسلام، ويستنتج الباحث بأن ذلك منع الإخوان في الحقيقة من بناء أي علاقة مع حاشية القصر.
ويعود برينيار إلى تخصيص فصل جديد لتناول نشاط الإخوان المسلمين السياسي وما وصفه براديكاليتهم السياسية، ويشرح كيف أن الثورة الفلسطينية على الانتداب الإنجليزي بين عامي ١٩٣٦م و ۱۹۳۹م كان لها تأثير عميق في مصر، والتي على وجه الخصوص حفزت البيئة التي كان الإخوان المسلمون يعملون ضمنها.
تعليمات بالتصفية:
ومع حلول عام ١٩٤٠م كان الإخوان المسلمون قد أصبحوا أكبر جماعة إسلامية في مصر واكتمل نضجهم، وزاد عددهم زيادة كبيرة وأصبحوا يهيئون أنفسهم للقيام بدور أكبر على الساحة السياسية المصرية، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية منع الإخوان -كما يقول الباحث- من تحقيق طموحاتهم السياسية، واضطر الإخوان إلى تأجيل صراعهم السياسي مع النظام إلى حين انتهاء الحرب، وعند اندلاع الحرب تلقت الحكومة المصرية تعليمات من الإنجليز باتخاذ أقصى الإجراءات القمعية ضد كل النشاطات المعادية للإنجليز في مصر، وشملت تلك الإجراءات فرض الأحكام العرفية والرقابة الشديدة على البريد والبرقيات والمكالمات الهاتفية والصحافة، وقامت الحكومة المصرية أثناء الحرب بقمع كل الأصوات المعارضة، ومن ضمنها الإخوان المسلمين.
وباختصار فقد ناقش هذا الكتاب عددًا من وجهات النظر التقليدية المتعلقة بالسنوات الأولى لنشأة الإخوان المسلمين وشكك فيها، وبخاصة مسائل علاقات الإخوان بالإنجليز والقصر كما ناقش مسألة اهتمام الإخوان بالعمل الاجتماعي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل