العنوان إلى ولدي في يوم العيد
الكاتب إيمان مغازي الشرقاوي
تاريخ النشر الجمعة 01-سبتمبر-2017
مشاهدات 18
نشر في العدد 2111
نشر في الصفحة 60
الجمعة 01-سبتمبر-2017
محطات إيمانية في طريق التربية (7)
العيد رمز لاجتماع الأمة وإظهارٌ لهويتها وعلامةُ تميزها عن غيرها من الأمم
ما أجمل أن تجتمع يا ولدي يوم العيد بإخوتك وأهلك وأرحامك وأصدقائك وجيرانك!
الترفيه في العيد مطلوب ليعلم الجميع أن في ديننا فسحة ومراعاة للنفوس واحتياجاتها
أتدري يا ولدي ما يوم العيد؟ إنه المحطة التي نتشوق لها ونشتاق، ونتجهز لها ونستعد، بل وننتظر الوصول إليها بشغف ومحبة؛ حيث البهجة فيها والسرور، والسعادة والحبور، وحين يصل المرء منا لتلك المحطة ينعم بحضن أسرته، وصدق أصدقائه، وقرب أقاربه، ورحمة أرحامه.
إنها محطة أنعم الله بها على عباده المؤمنين وجعل وصولهم إليها مكافأة لهم على ما قدموا بين أيديهم من عمل صالح وعبادة مفروضة قد أتمّوها، فكانت جائزتهم من الله خالصة لهم ولمَن هو منهم ومعهم إلى يوم الدين، فصار يوم الجائزة عيداً لهم، وأيّ عيد!
العيد.. والعود الحميد:
وأعيادنا - يا ولدي - أيام فرح وسرور، ونعمة وشكر، نتعبد الله تعالى بذلك الفرح حيث نتوجه إليه شاكرين له نعمته أن هدانا للإيمان به، وكرمنا بخير دين، وشرفنا بالعبودية له، يأتي كلا العيدين - الفطر والأضحى - ويرتبطان بعبادتين عظيمتين، وفريضتين مهمتين، وركنين من أركان الإسلام وبنائه، وهما الصوم حيث مغفرة الذنوب والعتق من النار في رمضان، والحج وركنه الأعظم عرفة، والعتق الأكبر من النار فيه، فيعود العيد معهما كلما عادا إلينا، وقد قيل: إن العيد «مشتق من العَود لتكرره كل عام، وقيل: لكثرة عوائد الله تعالى فيه على عباده، وقيل: لعَود السرور بعَوده»(1).
العيد يا ولدي دعوة للاجتماع ونبذ الفرقة:
والعيد عبادة جماعية تخص مجموع الأمة، وليس لفرد دون آخر، وقد قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ {34})(الحج)، وروي عن ابن عباس: «ولكل أمة جعلنا منسكاً» قال: عيداً(2)، فالعيد رمز لاجتماع الأمة وإظهارٌ لهويتها، وعلامةُ تميزها عن غيرها من الأمم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكلَّ قومٍ عيداً، وهذا عيدُنا»(3).
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كانَ لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم اللَّه بهما خيراً منهما يومَ الفطرِ، ويومَ الأضحى»(4)، قال ابن رجب: «فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.. عيد الفطر من صوم رمضان.. فشرع الله تعالى لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له.. والعيد الثاني: عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج.. فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم»(5).
فما أجمل أن تجتمع يا ولدي في يوم العيد بإخوتك وأخواتك وأهلك وأرحامك، وأصدقائك وجيرانك، على أن تكون بهم ومعهم فرداً من أفراد مجموع المسلمين تتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
افرح يا ولدي في يوم العيد:
وحق لك يا بني ولكل مسلم أن يفرح بفضل ربه القائل سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {58})(يونس)، «والعيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته»(6). فلنجعل من هذا الفرح يا ولدي فرصة لتقوية النفس مما أصابها من صدمات الحياة وآلامها وابتلاءاتها التي لا مفر منها، وليكن الترفيه عنها ببعض ساعات اللهو المباح حتى تقوى على مواصلة مشوار الحياة، هذا الفرح يا بني لا بد أن يتجلى في تعاملنا مع أهلينا ومَن حولنا حتى يعلم الجميع أن في ديننا سماحة وفسحة ومراعاة للنفوس واحتياجاتها البشرية، ويظهر فرحنا أيضاً في التوسعة على الأهل والأولاد في الملبس والمأكل والمشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»(7).
عيدنا له أحكام وآداب:
وحين يهل العيد ويطل علينا يا بني، كشعيرة إسلامية ومناسبة دينية، فإن له آداباً وأحكاماً تؤكد لنا أن هذا الدين لا يؤخذ بالأهواء والآراء، ولا بالتقليد والافتراء، وأنه اتباع لا ابتداع؛ فانتبه يا ولدي واحذر التقليد بغير هدى، واعلم أنك مأمور باتباع شرع الله ومنهجه وكتابه في كل حال، وأن قدوتك في السير والاتباع هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
يأتي العيد يحمل معه رسائل مهمة تجعل منه موسماً للتربية الإيمانية والنفسية والاجتماعية، بل والجسدية، وهذا ما يتَّسم به دين الإسلام العظيم، حيث التكامل والشمول، والتوازن والواقعية، فما من يوم يمر علينا إلا ويجب أن تظهر منا فيه ملامح العبودية الخالصة لله عز وجل، وإن واجب هذه العبودية أن تمتد جذورها وتطول وتتفرع حتى تشمل أقوالنا وأفعالنا، وأخلاقنا ومعاملاتنا، وعطاءنا ومنعنا، وحبنا وبغضنا، وحركاتنا وسكناتنا، وأفراحنا وأتراحنا.
العيد يا ولدي لا يخلو من ذكر وشكر:
نعم يا بني.. ففي العيدين يكون ذكر الله بالتكبير والتهليل والتحميد، والاجتماع على التذكرة في خطبة العيد، لكن الرسالة المهمة التي يحملها العيد لنا أن نعرف أن حياتنا كلها لله، مرتبطة بشرعه ورضاه، فإذا أمر بالصوم صمنا، وإذا أمر بالفطر أفطرنا، وإذا قال: «وأتموا الحج والعمرة لله» فعلنا، فتمام الطاعة عمل عظيم يُتوج بالعيد.
واعلم يا بني أن طاعة الله عز وجل وعبادته لا تسقط عنا في يوم العيد، ولا يؤذن لنا فيه بالمعاصي، فجدد إيمانك فيه، واعلم أنه جائزتك من الله بعد عمل طويل منك وحبس نفسك عن الشهوات في رمضان وعشره الأواخر التي فيها ليلة القدر، والاجتهاد في عشر ذي الحجة وعملك الصالح فيها، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عملٍ أزكى عند اللهِ ولا أعظمَ أجراً من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأَضحى»(8)، «ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحب إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشر»(9).
والعيد يا ولدي برّ وصلة:
وما أعظم البر وما أجمل عاقبته في الدنيا والآخرة! فبرّ والديك يا ولدي، وزد برك لهما في يوم العيد، اقترب منهما واستمع إليهما وقبّل أيديهما واطلب رضاهما فذلك لك جنة، وأي جنة! اقترب من إخوتك وأخواتك، برّ والديك فيهم، تزاور معهم وصلهم، وتجاوز عن زلاتهم، أعط المحتاج منهم، ولا تمنن بعطائك فيذهب أجرك، فأنتم يا بني نواة الأمة وبذرتها الصالحة التي إن نمت على الألفة والمحبة والأخوّة صارت بكم قوية، ولا تنسَ أرحامك، بل صِلهم وكن لهم أرضاً ذليلة وسماء ظليلة يطل الله في عمرك وينسأ لك في أثرك، ويصلح نسلك ويطيب ذكرك. واعلم أن ذلك لك عند الله أجر وذخر.
والعيد يا بني رحمة وعطاء وشعور بالآخر:
وفي العيد تظهر معادن الناس الغني منهم والفقير، وتتجلى النفوس وتسفر عن مكنونها بما يحصل منهم من بذل وعطاء ومواساة، فما أعظم الشعور بالفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، الشعور الحقيقي الذي يدعو لرؤية حالهم والشعور بهم والتخفيف من معاناتهم، وإن منهم من لا يجد لقمة العيش التي يسد بها فاقته، ولا يجد البالي من الثياب يلبسه في يوم العيد فضلاً عن لبس الجديد، فما أعظم أن تكسو يتيماً، أو تطعم مسكيناً أو تمسح على رأس يتيم في حاجة لجرعة حنان يتذوقها في يوم العيد! وما أجمل أن تتحفه بلعبة يلعب بها مع أقرانه فتدخل السرور على قلبه الحزين! وإن منهم – يا ولدي - من يلتحف السماء بلا أهل ولا مأوى ولا موطن، قد ناءت به الديار بعيداً حيث التهجير واللجوء بعد أن فقدوا كل شيء بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، فلا أقل من إدخال الفرحة عليهم والشعور بهم في يوم العيد.
عيدك سعيد يا بني:
عيدٌ من سعادتنا فيه يتجدد معه إيماننا، وتُتقبل فيه أعمالنا، فتقبل الله منا ومنك، وأعاده الله علينا وعلى أمة الإسلام وقد التأمت جراحها وجف نزفها وقويت شوكتها وصارت كما أرادها الله خير أمة أخرجت للناس.>
الهوامش
(1) الخطيب الشربيني، انظر الدرر السنية، الموسوعة الفقهية، أحكام العيدين.
(2) تفسير ابن كثير.
(3) رواه البخاري.
(4) صحيح النسائي.
(5)، (6) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب الحنبلي، المكتبة الشاملة.
(7) خرجه أهل السنن وصححه الترمذي.
(8) صحيح الترغيب، وحسنه الألباني.
(9) صحيح أبي داود، وصححه الألباني.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل