العنوان إندونيسيا الإسلام يواجه التحديات
الكاتب أحمد راؤول
تاريخ النشر الثلاثاء 21-نوفمبر-1989
مشاهدات 762
نشر في العدد 942
نشر في الصفحة 15

الثلاثاء 21-نوفمبر-1989
- العلمانية والماسونية والمذاهب الباطنية تعمل لتحقيق عدائيتها للإسلام.
- شبكات التنصير في إندونيسيا تغطي كافة المدن والقرى في البلاد.
- استخدام القوة لإجبار الشابات المسلمات على نزع الحجاب.
- منع الدعاة للترشيح لمجلس شورى الشعب في إندونيسيا.
تتكون إندونيسيا- التي يبلغ عدد سكانها المسلمين أكثر من «١٥٠ مليونًا» - من مجموعة من الجزر الخضراء يزيد عددها على (۱۳۰۰۰) جزيرة ما بين صغيرة وكبيرة، مأهولة وغير مأهولة، تقع على مسافات مترامية وكلها يضمها قطر واحد ويظلها علم واحد وتتحدث بلغة واحدة.
دخول الإسلام:
لقد وصل الإسلام إلى إندونيسيا في وقت مبكر من تاريخ انتشاره، ذلك أن العرب قد عرفوا الإندونيسيين وأن الإندونيسيين قد عرفوا بلاد العرب منذ أمد بعيد؛ حيث استوطن بعض السومطريين سواحل الجزيرة العربية المطلة على الخليج قبل الإسلام، ثم أسلموا وانتظموا في سلك المجاهدين في فتوحات العراق وبلاد فارس، لذا فإن من الأقوال الراجحة: إن الإسلام قد وصل إلى جزر إندونيسيا في عهد الخليفة سليمان بن عبدالملك الأموي- أي في القرن الأول الهجري.
وقد استقر الإسلام في إندونيسيا وقامت ممالك وسلطنات. ثم ابتليت إندونيسيا بالغزو الاستعماري الصليبي الهولندي الذي بدأ زحفه عليها منذ القرن السادس عشر الميلادي، فأنشب صراعًا دام ثلاثة قرون ونصف، سقطت على أثره الجزر تباعًا في قبضة المستعمرين، وكانت آخر الممالك الإسلامية سقوطا هي مملكة آشية التي استولت عليها هولندا عام ١٩٠٤.
الصراع:
لقد كان الصراع رهيبًا بين استعمار منظم، يستخدم أحدث الأسلحة الفتاكة، ويستدرج ضعفاء النفوس بشتى وسائل الإغراء، وبين شعب بدائي بسيط يطحنه الجهل والفقر المدقع، فكانت الغلبة للاستعمار الذي ما لبث أن اعتمد على المستشرقين في رسم سياسته. تعتمد على إبعاد الأهالي عن الإسلام، وترويج الأباطيل عنه، ونشر الخرافات والبدع، والزعم بأنها من الدين، الأمر الذي يزعزع روح المقاومة.
دسائس صليبية:
وكانت إحدى الدسائس الكبرى والفتن التي جلبتها الصليبية الهولندية في سعيها للحيلولة دون نجاح تيار إسلامي مجاهد في طردها من البلاد، هي استقدامها لشيوعيين من هولندا لتأسيس حزب شيوعي إندونيسي، يحمل شعارات براقة تستهوي الفلاحين والعمال؛ وذلك ما حدث بالفعل، فبعد أن كان حزب الشركة الخضراء الإسلامي يقود جهاد الشعب، انشقت مجموعة كبيرة عنه لانخداعها بالشعارات الشيوعية الأفاكة.. ونجحت هولندا على إثر ذلك في الضرب بشدة على المجاهدين وقتل وتشريد علماء ودعاة الإسلام، في حين فر إلى الخارج البلاد الكثيرون ممن انجرفوا في تيار الشيوعية.
صراع العلمانيين:
ثم وقعت الحرب العالمية الثانية، وغزت اليابان خلالها إندونيسيا، وطردت هولندا بعد قتال لمدة سبعة أيام.. وحين وضعت الحرب أوزراها في يونيو عام ١٩٤٥ م بدأ الصراع في الوطنية بين دعاة علمنة البلاد، وبين بالتمسك بإسلامها، وقد استقر ذلك عن تشكيل لجنة للتحضير لاستقلال إندونيسيا من ثمانية أعضاء: أربعة إسلاميين وأربعة علمانيين، ثم أضيف للجنة عضو تاسع هو أحمد سوكارنو العلماني بحجة تفادي تعادل الأصوات، وجرت مؤامرات ومناورات على عدم إدراج نص في الدستور تعليق بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية على معتنقيها، وتمسك العلمانيون بمبادئ المانتشاسيلا الوطنية كأساس وحيد للدستور، والاكتفاء بذلك بالمانتشاسيلا وهي المبادئ الخمسة:
1- الربانية المتفردة.
2- الإنسانية العادلة المهذبة.
3- وحدة التراث الإندونيسي.
4- الشعبية الموجهة بالحكمة في الشورى النيابية.
5- العدالة الاجتماعية.
عهد سوكارنو
وأصبح أحمد سوكارنو زعيمًا للبلاد الذي تحالف بعد ذلك مع الشيوعيين، ومكنهم من الانتشار والسيطرة التي وصلت بهم عام ١٩٦٥ م للسعي للاستيلاء على كافة مقدرات البلاد بواسطة اضطرابات دموية عارمة، أحدثت دمارًا شاملًا في كل أرجاء إندونيسيا مع ملايين القتل والضحايا، وقد سقط على إثرها نظام حكم سوكارنو ليرثه نظام حكم سوهارتو.
وإذا كان نظام سوكارنو قد تحالف وارتبط بالشيوعية الدولية للتمكين لحكمه وتوطيد دعائمه.
الحركات التنصيرية:
لقد أنجزت الحركات التنصيرية العالمية شبكات غطت كافة أنحاء إندونيسيا؛ سواء في المدن أو في الريف، من الكنائس ومجالس الإرساليات والمنظمات الغربية التنصيرية الحديثة التي تقدم نفسها في صفة إنسانية وعصرية، بهدف تجنب التنبه إلى حقيقة نشاطها الهدام والمعادي للإسلام، وبذلك تصل إلى كافة القطاعات الحيوية المؤثرة، فهي تقدم «خدمات» لمساعدة الأطفال، وللإغاثة الاجتماعية والطبية والتعليمية.
ففي قطاع التعليم تقدم الإرساليات التبرعات المالية، وكذلك الكتب والوسائل التعليمية المختلفة للمدارس والجامعات، ومن خلال ذلك تقوم بتحرير برامجها المصممة لتشكيل- الأطفال والصبية والشبان بالصبغة التي يسعى إليها، كما أن الإرساليات توفد بعض الطلاب إلى الخارج للحصول على دراسات عليا في تخصصات معينة تخدم أغراضها.
وفي قطاع الصناعة تقوم بتنفيذ برامج للتدريب وبرامج لرفع كفاية العاملين، وتحسين فرص العمل بالنسبة لهم، وتشجيع الصناعات الصغيرة، وتوصيل التيار الكهربائي إلى المناطق النائية وغير ذلك.
وفي قطاع الزراعة تشارك الإرساليات في مشاريع التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي وإقامة التعاونيات الزراعية وشتى الطرق وغير ذلك.
وفي قطاع الرعاية الاجتماعية والطبية تقوم الإرساليات بتقديم الأغذية والكساء للعديد من تلاميذ المدارس وعمال المصانع، وتدير الملاجئ للأيتام واللقطاء ودور رعاية العجزة، كما تدير مستشفيات عامة كاملة، منها مستشفيات للقوات المسلحة، وتعد وتنفذ برامج تنظيم الأسرة وتروج لها، وتمارس التعقيم بهدف الحد من عدد السكان المسلمين، كل ذلك تحت حماية السلطة العسكرية الحاكمة وبمشاركتها.
ولا عجب إذا رأينا كل هذا التغلغل.. فإن البرامج المشار إليها تستلزم مئات الملايين من الدولارات سنويًّا، تنفقها الصليبية، وهي تتعجل تحقيق شعارها الذي أطلقه اتحاد الكنائس العالمي هو «إنجاز تنصير إندونيسيا عام 2000».
الحريات العامة:
في ظل الشعارات الكبيرة والزائفة عن الحرية والديمقراطية والعمل الوطني وغير ذلك، تسير الحكومة وفق مخطط ثابت الأهداف في ملاحقة دعاة الإسلام، وعزلهم وحجب تأثيرهم عن جماهير الشعب، وفي إفساح المجال لكل أعداء الإسلام للنيل منه، ومنحهم مواقع متقدمة في الدولة وفي مراكز التحكم.
وقد اقتضى إنجاز ذلك المخطط لجوء الحكومة إلى إجراءات قمعية، وإلى تشريعات تصفية، ومن ذلك ما يلي:
- أخضعت الحكومة كافة منافذ التعبير الفكري للرقابة الصارمة ولإشراف الدولة، وبالأخص أجهزتها البوليسية، فالمحاضرات والندوات والمقالات الصحفية تقع تحت طائلة الرقابة.. مع وضع قوائم بانتظام تتضمن أسماء الخطباء والدعاة المحظور عليهم التعبير عن أفكارهم خطابة أو كتابة أو إذاعة.. كذلك فإن النشاطات الطلابية تخضع للمتابعة، وتحظر الدولة إقامة الروابط بدون إشراف منها.
- إعداد المذابح المتوالية للطلائع الإسلامية، واعتقال الدعاة وإخضاعهم لأقسى ألوان التعذيب والإجرام؛ حتى إن لجنة العفو الدولية نددت بتلك المعاملة (مرفق صورة من الدعاة الذين سجنوا لمجرد أسباب المخالفة الفكرية لاتجاه الحكومة التعسفية، ودعوتهم السليمة للإسلام دون اللجوء إلى القوة) التي استخدمها الجنرال بيني مورداني قائد القوات المسلحة بنفسه في إدارة المذابح، ومنها مذبحة تاتجونج بربوك عام ١٩٨٤م، والجنرال مورداني زار تل أبيب عدة مرات، وله صلات عميقة مع القادة الصهيونيين؛ حيث إنه يعتمد على المصانع الإسرائيلية في تزويد الجيش الإندونيسي بالأسلحة، وعمولة هذه الصفقات تصل إلى ملايين الدولارات.
- منع الدعاة الإسلاميين من الترشيح لمجلس شورى الشعب، وعلى سبيل المثال فقد بلغ عدد الإسلاميين الذين منعوا بأمر السلطات من ترشيح أنفسهم في الانتخابات العامة التي أجريت عام ۱۹۷۱ والأعوام التي بعده «٢٥٠٠ مرشح»، وذلك بالطبع لكيلا يصل صوت الإسلام من خلال المجلس، وبالتالي يُحال بينه وبين الأثر المنشود من ذلك.
- انطلاقًا من التزام الحكومة بالبانتشاسيلا باعتبارها الأساس الوحيد المعترف به للسياسة العامة للدولة، فقد صدرت القوانين التي اعتبرت أية دعوة لتطبيق الدين الإسلامي دعوة تخريبية، تهدد أساس استقرار المجتمع؛ ولذلك فإن الدعاة يحاكمون من خلال هذا المنطلق!!
- استغلال الحكومة للقوانين، فقد حاولت عام ١٩٧٣ منع المسلمين من التحاكم لقوانين الشريعة الإسلامية المتعلقة بالزواج والطلاق والأحوال الشخصية، إلا أن تلك المحاولة أسقطتها المظاهرة التاريخية الكبرى التي قام بها الشباب المسلم آنذاك، واقتحم خلالها مجلس شورى الشعب.
- استخدام القوة مرات متعددة؛ لإجبار الشابات المسلمات على التخلي عن الحجاب الإسلامي؛ حيث يتم منع طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية من ارتداء الخمار فوق الزي المدرسي، وقد اقتحم جنود الحكومة عدة مدارس تنفيذًا لأوامر الحكومة في هذا الصدد.
- إلحاق جهاز بوليسي بكل مصلحة حكومية يتولى مراقبة وملاحقة أنشطة الدعوة الإسلامية.
مستقبل الإسلام في إندونيسيا:
عرضنا فيما سبق لبعض مظاهر العداء للإسلام في إندونيسيا والذي يتولاه ويسير به جهات محلية، وهي التنظيمات التنصيرية والعلمانية والمذاهب الباطنية الهدامة والماسونية، ولكن تلك الجهات في واقع أمرها ليست سوى امتدادًا لتنظيمات عالمية، فلا يخفي دور الحركة التنصيرية العالمية وجيش التنصير الذي تغدق عليه؛ لتحقيق مآربها، والحركة الشيوعية الدولية، والحركة الصهيونية التي دخلت هي الأخرى طرفًا؛ إذ لها مصلحة كبرى في أن يعزل الإسلام من الحياة في إندونيسيا.
إن السلطة الدكتاتورية العسكرية الحاكمة تستند إلى كل العناصر السابق الإشارة إليها في ارتضائها أن تكون أداة بطش ضد الحركات الإسلامية، وكل ذلك يشكل تحديًا بالغ الخطورة لحملة الدعوة الإسلامية من علماء ودعاة وشباب وأحزاب وتنظيمات.
لقد كان أهم أسباب نكبة المسلمين في الماضي في إندونيسيا تفرقهم وعدم وحدتهم وعدم التعاون فيما بينهم، وفقدان قياداتهم للنظرة الشمولية لأحوال المسلمين. فالأحزاب السياسية حصرت اهتمامها بالسياسة، وكذلك التنظيمات الاجتماعية والتعليمية لم تلق بالًا للأمور العامة والحركات المتطرفة، ولم يكن يهمها سوى القتال.
إضافة إلى أن المفاهيم الإسلامية لم تكن مطروحة بشكل سليم لدى أكثرية الجماهير؛ بل جرى تقديمها بشكل سطحي، نتج عنه عدم استيعاب المطلوب منها.
لقد أنشأ قادة العمل الإسلامي في نوفمبر ١٩٦٥ «المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية» ويرأسه المجاهد الكبير الدكتور/ محمد ناصر، ويقوم هذا المجلس بحمل أمانة الدعوة الإسلامية والسير بها في كافة الميادين.
دور للشباب:
إن مستقبل الإسلام في إندونيسيا رغم كل التحديات السابق الإشارة إليها، ورغم ضخامتها؛ فإنه بإذن الله يبشر بكل خير، ذلك أن الشباب المسلم ألي على نفسها أن يجاهد لإعلاء كلمة الله، وأن يتصدى لكل الفتن والمؤامرات، مدافعًا عن دينه ومبادئه السامية، ففي ذلك حياته كلها.
رأينا كيف أن الأموال- بمئات الملايين من الدولارات- تتدفق من الغرب ومن كافة الجهات لتحويل إندونيسيا إلى بلد نصراني. وأن على المسلمين في كل مكان أن يثبتوا أنهم بحق إخوة، وأن يساهموا- كل في ميدانه- في تعزيز الدفاع عن الإسلام في ديار الشرق البعيد.
والله نسأل أن يوفقنا جميعًا لإعلاء كلمة الحق والدين والعمل لعزة الإسلام والمسلمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

