أثر التربية الصحيحة على تصور الأطفال عن ذواتهم

رقية محمد

22 مايو 2025

190

يحلم كل مربٍّ أن يرى طفله شخصًا بالغًا عاقلًا متزنًا في نفسه واعيًا بشأن من حوله، يختار أهدافه بدقة، ويبني علاقاته على أسس، ولكن هل يعلم المربي أن أسلوب تربيته قد يُدمر هذا الحلم بدلاً من أن يعززه؟! فكلمات المربي وأفعاله هي ما تشكل تصور الأطفال عن ذواتهم، فمن خلال الأساليب التربوية السليمة يكتسب الطفل معرفته بنفسه ويبني ثقته فيها؛ ما ينعكس على سلوكه وتفاعله مع الآخرين.

وعلى العكس؛ فإن التربية الخاطئة قد تؤدي إلى تشوهات في الصورة الذاتية للطفل عن نفسه؛ ما يجعله عرضة للمشكلات النفسية والاجتماعية في المستقبل.

ما الذات؟

الذات مفهوم كلى منظم، يتكون من تصورات الفرد حول نفسه، والأحداث التي يمر بها، وعلاقاته مع الآخرين، وهي عالمه الداخلي الذي يعبر عنه بضمير المتكلم «أنا»، وتحوي تخيلاته وأفكاره ومشاعره وأهدافه وكل ما يتعلق به.

ويقسمها بعض الباحثين إلى مراتب، وهي: الذات الحقيقية؛ وهي الماهية الحقيقة والفعلية للشخص، والذات المدركة؛ وهي رؤية وتصور الشخص عن نفسه، والذات الاجتماعية؛ وهي الذات كما يتصورها الآخرون عن الشخص، والذات المثالية؛ وهي الذات المرشدة للفرد في حياته وتعكس أهدافه وأحلامه.

والخطير في هذا الأمر أن تصور الشخص عن ذاته تتكون بالأساس من رؤية الوالدين له، فمن المعلوم أن الطفل يولد على الفطرة، ويقوم الوالدان بالتأثير على تصوراته عن نفسه والحياة، وكلما كان الوالدان واعيين بأثرهما على الطفل وأنهما سيُسألان أمام الله عنه؛ دققا في أساليبهما وردود فعلهما في المواقف التي يمر بها، وجعلا تلك المواقف خبرات محفزة له على بناء شخصيته السوية.

وفيما يلي ذكر بعض آثار التربية على تقوية تقدير الطفل لذاته وثقته بها أو إضعاف ذلك:

- نظرة الوالدين الإيجابية للطفل:

من خلال التشجيع وتقدير مجهود الطفل سوء كان فائزاً أو خاسراً، والثناء عليه لإنجازاته وسلوكياته الجيدة؛ يشعر بأنه قادر ومهم، ويجب مراعاة أن يكون المدح واقعياً حتى لا يفقد الطفل الثقة فيه ويصبح معتمداً على الرأي الخارجي فقط.

- منح الطفل فرصة الاختيار واتخاذ القرارات:

فعندما يُسمح للطفل بالاختيار ضمن اختيارات مقبولة للوالدين؛ يوجد ثقة من حوله فيه؛ ما يعزز استقلاليته وشعوره بالمسؤولية.

- تعليم الطفل مهارات حل المشكلات:  

من خلال ترك مساحة للطفل على التفكير، وتشجيعه على حل مشكلته بنفسه بدلًا من إعطائه الحلول الجاهزة من الوالدين، وكذلك تعليمه أن الفشل فرصة للتعلم وتبادل الخبرات مع الآخرين، وأن الله جعل العباد محتاجين لبعضهم بعضاً حتى تستمر الحياة.

- التواصل الفعال وإيجاد بيئة داعمة:

من خلال السماح للطفل بالنقاش والاستماع باهتمام لأسئلته ومشاعره والتجاوب معه؛ ما يزداد إحساسه بقيمته.

- الحب غير المشروط:

فإن تعامل المربي مع الطفل بحزم عند الخطأ لا يمنع إشعاره بالمحبة، بل يجب إفهامه أن هذا الحزم هو عين الحب والرحمة والاهتمام، فالطفل يحتاج إلى معرفة أنه محبوب خاصة عند ارتكاب الأخطاء.

- تعزيز الهوايات والمواهب:

بالاهتمام بإكساب الطفل المهارات وتعزيز نقاط القوة لديه ودمجه في أنشطة جماعية تزيد من خبراته الحياتية.

- تعليم الطفل وضع الحدود والمطالبة بحقوقهم:

فيجب تعليم الطفل كيفية وضع حدوده والرفض المهذب أمام الكبار، وكيفية المطالبة بحقه والتمسك به، وتقديم النماذج الممثلة لذلك، كالموجود في قصص السيرة وغيرها.

عوامل تُضعف ثقة الطفل وتقديره لذاته

- نظرة الوالدين السلبية للطفل:

فإن ردود الفعل السلبية مثل النقد الجارح والتركيز على أخطاء الطفل وتذكيره بها يُفقد ثقته بنفسه، وكذلك مقارنته بغيره ممن هم أفضل منه في أمر أو أمور، كل ذلك يشعر الطفل بالدونية وبأنه غير كفء.

- الحماية الزائدة والتدليل المفرط:

يقع الآباء في هذا الخطأ باسم الحب أو الخوف الزائد على الطفل، ويتجلى ذلك في المسارعة لحل مشكلاته، ومنعه من التجربة، وحرمانه من مواجهة التحديات بنفسه، فيفسر ذلك الطفل بأن ذلك التصرف قد حصل لضعفه وعدم استطاعته الفعل، فيصبح اتكالياً ولا يتحمل المسؤوليات في المستقبل.

- الإهمال العاطفي وعدم الاهتمام به:

فعدم الاهتمام بمشاعر الطفل وتجاهل مخاوفه أو أحزانه يجعله يشعر بعدم القيمة ويصير بذلك هشًا.

- الأساليب التربوية القاسية:

فحينما يتبع الوالدان وسائل تربوية تعتمد على التوبيخ أو الضرب أو اللوم أو الإهانة أو التهديد المستمر، يُضعف ثقته بنفسه ويُولد لديه الخوف والتردد.

- التوقعات غير الواقعية:

إن الضغط المفرط من الوالدين بتوقعاتهما المثالية للطفل مضر للغاية، فذلك يجعله يتصرف على عكس شخصيته وإرادته خوفاً من أن يكون فعله غير كافٍ لهم، ويزداد هذا الضغط مع ما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي من نماذج مثالية غير واقعية تضغط على تصورات الآباء وكذلك تصورات الأبناء الذين يشاهدون هذه الحياة الافتراضية.

- عدم منحه فرصة للتعبير عن رأيه:

فعندما يتم إسكاته وعدم السماح له بالتحدث أو إبداء رأيه أو يتم الاستهزاء بأسئلته والسخرية من أفكاره؛ يشعر بقلة قيمته وعدم أهمية أفكاره، ويجعله متردداً في التعبير مستقبلاً.

- إهمال وضع الحدود وترك حقوق الطفل:

فعندما يتم إجبار الطفل على تقبيل أحدهم أو يتم إسكاته عن المطالبة بحقه من شخص ما بحجة أنه ضيف أو كبير السن أو ما شابه؛ كل ذلك يؤدي إلى استعذابه ترك حقوقه لغيره في الكبر.

نتائج آثار التربية الصحيحة على الصحة النفسية للطفل

1- تعزيز الثقة بالنفس: الطفل الذي ينشأ في بيئة داعمة؛ يُصبح أكثر جرأة في التعبير عن رأيه، وتزداد قدرته على تحمل المسؤولية دون مجاملة أو خوف.

2- التوازن العاطفي: التربية السليمة تُعلم الطفل كيفية التعامل مع المشاعر السلبية مثل الإحباط والغضب والفشل دون أن يفقد احترامه لذاته.

3- القدرة على اتخاذ القرارات: فيواجه التحديات ويدافع عن حقوقه ويستطيع علاج أخطائه والمحاولة من جديد.

إن بناء شخصية قوية وتصور إيجابي للأطفال عن أنفسهم ليست عملية عشوائية، بل نتاج تربية واعية تعتمد على الدعم والتشجيع والاحترام.

وعلى العكس، فإن الأساليب الخاطئة كالنقد المدمر والحماية الزائدة والإهمال العاطفي تؤدي إلى تكوين شخصية مهزوزة ومنخفضة التقدير لذاتها.

لذا؛ يجب على الوالدين والمربين أن يكونوا حريصين على اتباع الأساليب التربوية السليمة؛ لأن الطفل الذي ينشأ على الثقة والتقدير لذاته سيكون أكثر سعادة وقدرة على مواجهة تحديات الحياة بنجاح.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة