أدب الطفل المسلم.. إلى أين؟!

محرر الأسرة

27 يناير 2025

5760

لا يختلف من المربين والمعنيين بالتكوين الثقافي للطفل المسلم بأهمية الاهتمام بأدب الطفل لأهميته الكبيرة كوسيلة تربوية ناجعة ومؤثرة في تكوين ثقافة الطفل، سواء كان أدباً قصصياً، أو أناشيد تربوية، أو مسرحيات، أو كتابة سردية موجهة. 

وقد أولى الإسلام عناية كبيرة بتربية الطفل وكل ما يحيط به ويخصه، ولم توله قوانين عالمية، أو شرائع أخرى مثلما أولاه الإسلام عبر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فقد اهتم الإسلام بتنشئة الطفل قبل أن يوجد، بحسن اختيار الزوج والزوجة، ليكونا خير أبوين لطفل مسلم موحد.

وكان التكوين الأسري من أهم الموضوعات التي دار حولها الشرع، لإعداد المؤسسة التي ستكون مسؤولة عن الطفل في المقام الأول، ثم اهتم الإسلام بفترة الرضاعة، ثم الفطام، ثم الاعتناء بتكوينه العقلي والأدبي. 

وبما أن الأدب يعتبر من أهم الوسائل التربوية التكوينية، فقد حان الوقت لوضعه في مكانته اللائقة به فكراً وإنتاجاً، ووضع أهداف محددة تليق بعظم الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، ولا يكون مجرد منتجات عشوائية لبعض الكتَّاب والمؤسسات المعنية بالطفل هنا وهناك دون خطوط واضحة.

مفهوم أدب الطفل الإسلامي 

تتعدد تعريفات أدب الأطفال عامة والأدب الإسلامي خاصة لتقدم أكثر من مفهوم عند المعنيين حسب عقيدة ودين وثقافة من عمل بمجال الطفل، فيعرفه د. نجيب الكيلاني: «التعبير الأدبي الجميل، المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالاته، الذي يستلهم قيم الدين الإسلامي ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساساً لبناء كيان الطفل؛ عقلياً ونفسياً ووجدانياً وبدنياً وسلوكياً، ويساهم في تنمية مداركه، وإطلاق مواهبه الفطرية، وقدراته المختلفة وفق الأصول التربوية الإسلامية، ويشمل الاحتياجات الأساسية للطفل حسبما أسفرت عنها دراسات العلماء المخلصين في علوم الدين والتربية وعلم النفس والاجتماع»(1).

ويرى الكاتب البريطاني روالد دال(2) أن أدب الطفل يجب أن يكون مليئاً بالخيال والإبداع، مع التركيز على جعل القراءة تجربة ممتعة، وفي تعريف آخر لأدب الطفل: «هو شكل من أشكال فنون اللغة التي تنتمي لنوع الأدب، سواء كان قصة أدبية، أو شعراً مسرحياً، أو شعراً غنائياً، يتم تقديمها بشكل جيد من قبل الكاتب في إطار الأدب ووظيفته بشكل يتفق مع عالم الطفولة وطبيعته»(3). 

الواقع المعاصر للأدب الإسلامي للطفل بالعالم العربي

يعتبر الشيخ أبو الحسن الندوي من أكثر من اهتم بوضع أدب في صورة مجموعة من الأهداف والوسائل التي تحقق تلك الأهداف، حيث قام بإعداد «منهج دراسي للأطفال» في أربعة أجزاء(4)، وقد تحولت بعض تلك الأعمال لمقررات دراسية بالمملكة العربية السعودية وبعض بلدان العالم الإسلامي، فكانت «سيرة خاتم النبيين» تدرس في شعبة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كذلك ألف الشيخ الندوي كتابه الرائد «سلسلة القراءة الراشدة» في ثلاثة أجزاء(5)، وقد قدم في هذه السلسلة قصة وسيرة وأدب رحلات وأشعاراً.

وبالرغم من ضخامة المشروع الإسلامي المخصص للطفل الذي عمل عليه الشيخ أبو الحسن الندوي، وبالرغم من تقديم مشاريع منفردة أخرى، فإنها لم تدخل في طور المنهجية، ولا تخرج عن كونها محاولات فردية غير منظمة تتناول الفن القصصي على سبيل المثال، وبعض المحاولات الأخرى كالحديث في الأخلاق والآداب كسلسلة محمود المصري. 

وهنا عبدالرازق رزيق الغانم(6)، مؤلف كتاب «ما لا يسع أطفال المسلمين جهله»، يضع محاولة جيدة لوضع منهجية للطفل المسلم يعلم من خلالها أمور العقيدة والفقه والسيرة والآداب والتفسير والأخلاق والحديث. 

وبالرغم من تلك المحاولات وتطورها، فإن تجربة أدب الطفل في البلاد العربية والإسلامية ما زالت محاولات لا تخرج عن كونها محاولات فردية، وما زال إنتاجها ضعيفاً بالنسبة للواقع الذي يتسع مع تحدياته المتجددة التي تضعه دوماً في حاجة للزيد من الكتَّاب، والإنتاج، والتنظيم وإنشاء مؤسسات تعنى بأدب الطفل، وتجمع الجهود وتوجهها لسد حاجات المجتمعات المسلمة في مواجهة مشاريع ضخمة للعولمة بوسائلها المختلفة والمخيفة. 

التحديات التي يواجهها أدب الطفل في الوطن العربي والإسلامي

1- قلة الدعم المادي:

أزمنة طاحنة تواجه الكتاب العربي اليوم سيما كتب الأطفال، وتعود الأزمة لأسباب عديدة، منها غياب ثقافة القراءة في الأجيال الحديثة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها على البيت العربي واقتحامها حياة أبنائنا دون رقابة، ومن ثم انتشار ثقافة القراءة السريعة لمنشور لا يتعدى بضع كلمات، فصارت ثقافة «تيك أواي» هي السائدة، وفقد الكتاب الورقي قيمته بما فيه من قيم وأخلاق وآداب. 

وربما تعود مسألة الإعراض عن القراءة لسبب آخر يتعلق بتكلفة الكتاب ذاته، فقد أصبح سعر الكتاب خاصة كتب الأطفال فوق طاقة رب الأسرة المشغول أساساً بتوفير لقمة العيش لأبنائه، وذلك يعود لارتفاع تكلفة إنتاج الكتاب الواحد، وفي غياب كامل لدعم الورق الذي يتم استيراده، وارتفاع تكلفة الطباعة والنشر وكل ما يحيط بعملية إنتاج الكتاب وإخراجه في صورة جيدة تجذب الطفل للإقبال عليه.

2- التكنولوجيا الحديثة تتحدى كتاب الطفل:

بالبحث على وسائل التواصل الاجتماعي وموقع «يوتيوب» أطفال على وجه الخصوص، سوف نجد أن ثمة إنتاجاً جديداً استطاع أن يجذب الطفل العربي منذ سن مبكرة، وذلك بتحويل أفكار «الحواديت» المشهورة لعمل فني ملون، ويتم تقديمه بشكل رائع وجاذب، في صورة أفلام كرتونية من الصعب أن يتركها الطفل حتى يتمها، وذلك بالطبع في غياب الرقابة الفنية المتعلقة بأمور الشرع كالعقيدة وتحري الحلال والحرام والمصداقية التاريخية، فتتكون مفاهيم الطفل وعقيدته ويتشكل سلوكه ومعارفه تبعاً لما تقدمه تلك المواد، بينما الآباء في غفلة عما يقدم، ومطمئنون إلى هدوء الطفل أمام تلك الوسائل بعيداً عن اللعب والشجار فيما بينهم وصناعة المشكلات.

3- الكاتب المتفرغ للطفل:

والكاتب سواء كان متخصصاً في أدب الطفل أو الأدب عامة، هو إنسان له احتياجاته ككل إنسان آخر، له بيت يديره وأطفال مسؤولون منه، وعليه أن يحمل مسؤوليته في الإنفاق وغيره، والتفرغ للكتابة والإبداع والتفكير في وسائل جاذبة للأطفال، كل هذا يستلزم منه وقتاً كافياً وتفرغاً كي يستطيع تقديم مواده في صورة تأخذ الطفل من جواذب أخرى وأيسر من مسألة القراءة، لكن الحالة الاقتصادية التي يعانيها الكتَّاب عموماً في الوطن العربي تلزمه بالبحث عن أعمال أخرى يتقوت منه ولا يضيع من يعول، فمن الصعب أن تجد كاتباً مبدعاً متفرغاً لصناعة المحتوى المطلوب لمجرد أن يحمل لقب مبدع.

4- عدم وجود مؤسسات إسلامية تتبنى فكرة جامعة لتربية الطفل المسلم:

والعالم العربي يزخر بالمؤسسات الصحفية ودور النشر والمجلات الفكرية، لكنه يفتقد لمؤسسات مختصة بالطفل، تعنى باحتياجاته وتطور ذاتها وفقاً لمستجدات العصر، وذلك بتقديم المحتوى المقروء، لمحتويات صوتية تحت إشراف مربين متخصصين ينقحون ويوجهون ويستخلصون الرسائل التربوية الملائمة للأعمار المقدم لها المحتوى، ومن المفارقات أن بعض المؤسسات الكبرى والمعتمدة تغلق فروعها الخاصة بالطفل، وذلك يعود ليس لمجرد إعراض الطفل عن القراءة، وإنما لعدم تطوير محتواها ليتماشى مع مستجدات العصر فتضطر في النهاية للإفلاس والغلق.

5- عدم وجود معارض متخصصة:

ومن المعروف وجود معارض للكتاب متعددة في معظم البلاد العربية أو جميعها، لكن نادراً ما تجد معرضاً خاصاً بكتاب الطفل بصورة دورية يحمل تطلعات المربين في توفير المحتوى الملائم لمراحل التربية المختلفة، ويعود ذلك للأسباب المذكورة سلفاً، من أسباب اقتصادية وأسباب فنية، ولن يتأتى ذلك إلا بتوافر رغبة دولية رسمية تيسر كل ما يتعلق بأدب الطفل ودعم وسائل إنتاجه، وبتبني مجموعة من الكتَّاب ليتفرغوا تماماً للإبداع والكتابة والإخراج وتحويل النصوص لمحتويات أخرى.

مواجهة التحديات ممكنة 

وتلك الإشكالية المقدمة لا تعني أنه ليس هناك حلول لإنقاذ فكرة وجود أدب متخصص يقدم للطفل يواجه به حملات التغريب التي وصلت لعمق بيوت المسلمين واقتحمت عليهم وسائل تربية صغارهم ووجهتهم، حتى إنه أصبح من الصعب انتزاع هاتف جوال من يد طفل صغير!

فالحل يجب أن يكون جماعياً ومؤسسياً وفردياً، بل وعلى كافة المستويات، فمن الممكن تقديم ركن الطفل مثلاً في المواقع الكبرى ليقدِّم محتوى متطوراً وجاذباً، يمكن إلحاق أبواب خاصة بالطفل، أو ملاحق إن كانت لمجلة ورقية، وذلك حتى يتم مواجهة التحديات التي تواجه تلك المأساة الخطيرة بعقل مبدع، وقلب مؤمن بأهمية إعداد جيل ينتقل بالأمة لمكانتها المنوطة بها التي خلقها الله من أجلها.

 

 

 

 

 

_________________

(1) نجيب الكيلاني، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، مؤسسة الرسالة بيروت ص 14.

(2) روائي وكاتب قصص وكاتب سيناريو بريطاني، ولد في ويلز لأبوين نرويجيين.

(3) الهرفي، 2001.

(4) أ.د. شفيق أحمد خان الندوي، أبو الحسن الندوي عميد الأدب الإسلامي، مجلة الآداب الإسلامية، مايو 2014.

(5) أبو الحسن الندوي القراءة الراشدة لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، مؤسسة الرسالة بيرون 1982.

(6) كاتب وباحث شرعي، إمام وخطيب، درس في الثانوية الشرعية في درعا، ودرس في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة