أطباء زاروا غزة.. شهادات مهمة على معاناة الغزيين وجرائم الكيان الصهيوني
رغم أن وحشية
الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، وجرائمه التي وصلت إلى مستوى الإبادة الجماعية؛ كانتا تجريان على الهواء مباشرة، بما ليس مسبوًقا في التاريخ المعاصر،
وبما لا يحتاج إلى جهد جهيد في الرصد والتوثيق؛ فإن المهم العمل على توثيق هذه
الوحشية وتلك الجرائم، وفضحها ونشرها باستمرار لتظل حاضرة في الوعي الجمعي، ولئلا
يفلت الكيان الصهيوني من العقاب كما اعتاد في جرائمه السابقة.
ومن أهم ما يفيد
في شأن توثيق هذه الجرائم، وإعطاء مصداقية عالية لمن يعملون على ذلك، تناولها من
جانب شهادات الأطباء الذين أتيح لهم أن يكونوا شهود عيان على لحظات مريرة من تاريخ
الإنسانية ومن حياة الشعب الفلسطيني، وأيضًا شهود عيان على وحشية كيان إجرامي،
يفاخر بأنه واحة الديمقراطية بالمنطقة والأكثر أخلاقية في عملياته العسكرية!
أهمية شهادات الأطباء
وتتمثل أهمية
شهادات هؤلاء الأطباء في عدة أمور؛ أهمها:
1- أنها جاءت عن
قرب، ومن قلب الميدان، في مستشفيات غزة، وفي مقابرها الجماعية، وفي كل لحظة عاشوها
بالقطاع ورأوا الموت أمام أعينهم، وعاينوا بأنفسهم الهمجية الصهيونية التي تجاوزت
القتل إلى الإيغال في الانتقام، بل والتسلي باستهداف المدنيين!
2- أنها جاءت من
أطباء من مختلف الدول، العربية والغربية، وإن كنا هنا نركز على الأطباء الغربيين
نفيًا لأي تحيز، بل وجاءت من أطباء من مختلف الأديان، حتى رأينا فيها وكما سيأتي
شهادة طبيب أمريكي يهودي، بما يجعل المصداقية في أعلى درجاتها.
3- أن هذه
الشهادات لم ترصد فحسب الجانب الإنساني الذي تم اغتياله عمدًا في حياة الغزيين،
وإنما تضمنت دحضًا لأكاذيب الصهاينة عن استخدام المقاومة المستشفيات مقرًّا
لعملياتها، أو عن اتخاذها المدنيين دروعًا بشرية.
طبيب أمريكي يشهد على 3 جرائم في غزة
وأنا أزعم أن
رصد شهادات الأطباء الذين عملوا بغزة خلال عامي الإبادة الجماعية، تحتاج إلى كتب
وليس لمجرد تقارير صحفية، وينبغي العمل على جمع وتوثيق هذه الشهادات ضمن تقارير
موسعة أو كتب تصدر عن الهيئات الدولية ذات الاختصاص، ولا يترك الأمر فقط لبث هذه
الشهادات عبر البرامج الإعلامية؛ رغم أهمية ذلك في التوثيق العاجل المواكب للحدث
والمنتشر بسرعة.
وهنا سنتوقف
أمام شهادة مهمة تحتوي على رصد 3 جرائم فظيعة، وصاحب الشهادة لا يمكن أن يُتهم
بالانحياز لغزة، وهو الطبيب الأمريكي اليهودي مارك بيرلماتر، وقد نشرت شهادته «المنظمة
العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا»، بمقطع مرئي مفصل.
ممرض فقَدَ ساقه لأنه رفض التخلي عن مرضاه
بدأ بيرلماتر
شهادته بتأكيد أنه يشهد بما عاينه هو شخصيًّا، فقال: أؤكد أنني شهدت بنفسي على
جرائم مروعة، سأروي هنا بعض الأمثلة على جرائم الحرب التي ارتُكبت بحق أطباء
وممرضين، وبحق عمال غرف العمليات، الذين اختُطفوا جميعًا من غرفة العلميات أثناء
إجراء عمليات جراحية لجرحى ومصابين، ثم نُقلوا إلى السجون «الإسرائيلية» وتعرضوا
لتعذيب وحشي.
وقال عن الجريمة
الأولى: أصيب ممرض برصاصة في ركبته لأنه رفض التخلي عن مريض كانت تُجرى له عملية
جراحية، ثم اقتيد إلى سجن «إسرائيلي» حيث تعرض للتعذيب وحُرم من الرعاية الطبية،
في انتهاك لاتفاقية جنيف التي وقعت عليها «إسرائيل» عام 1950م.
هذا الممرض كان
يُمنح علبة عصير واحدة يوميًّا، وأحيانًا علبة كل يومين، أُطلق سراحه بعد 45 يومًا
كان فيها معصوب العينين، فقد خلالها 45 رطلاً من وزنه، بعد ذلك نُقل إلى الحدود «الإسرائيلية»
في خان يونس، وألقي به هناك.
كان جرحه
مفتوحًا، تخرج منه الديدان، كما أن عينه اليمنى كانت انفجرت بعد أن ضربه أحد
الجنود بمؤخرة البندقية، زحف بهذه الحال لمسافة كيلومترين حتى عثر عليه أحدهم
فاقدًا عينه اليمنى، وركبته ملتهبة بسبب الرصاصة «الإسرائيلية» التي لم تعالج طوال
تلك الفترة.
ودخل في غيبوبة
ووجدناه مصابًا بتقرحات الفراش على مؤخرة أذنيه ومؤخرة رأسه، لاحقًا بُترت ساقه في
مصر بعد محاولات عديدة مني لإجراء عملية جراحية له لمحاولة إنقاذ ساقه، ولكنها
باءت بالفشل.
تعذيب طبيب وتهديده باغتصاب زوجته وإحراق أطفاله
ويتابع مارك
بيرلماتر شهادته عن الجريمة الثانية بالقول: لديَّ شهادات أخرى لجرّاح اختُطف من
غرفة العمليات، كل ذلك لأن الجنود «الإسرائيليين» ادعوا أنه يعرف مكان اختباء جنود
«حماس» في قبو المستشفى، مع العلم أن هذا المستشفى بلا قبو أصلاً.
يقول: مدير
المستشفى أخذني في جولة داخل المستشفى، ولم تكن هناك سوى مساحات ضيقة لا يتجاوز
ارتفاعها 3 أقدام، حيث تمر أنابيب التكييف والكهرباء والصرف الصحي، ولا يوجد مكان
لهم حتى للوقوف في هذه الأنفاق.
ويضيف: احتُجز
هذا الطبيب أسيرًا لمدة 11 شهرًا، وكان يُضرب في كل مرة يطلب فيها التحدث إلى
محاميه، وظل في السجن يضرب يوميًّا وكُسرت جميع أطراف أصابعه بالزردية.
وأكد: رأيت
لاحقًا صور الأشعة السينية ليديه، جميع أطراف أصابعه لا تزال مكسورة، كل إصبع فيه
كسر لم يلتئم، عندما لم يخبرهم بمكان جنود «حماس»؛ لأنه ببساطة لم يرَ أي شخص
يعرفه على أنه من «حماس»، وبسبب عدم معرفته بالصور، تعرّض للاغتصاب على يد مجندات «إسرائيليات»؛
وعرض عليه الجنود صورة لزوجته وقالوا: إنها ملتقطة حديثًا ومكتوب عليها الموقع
الجغرافي الخاص بمنزله، كانت الصورة بالقرب من منزله تمامًا، وقالوا له: سنختطفها
ونحضرها إلى هنا ونغتصبها أمام عينيك، ثم عرضوا عليه في نفس اللحظة صورة التقطتها
طائرة بدون طيار لنافذة غرفة نوم أطفاله وقالوا له: سنرسل صاروخًا، أو بالأحرى
طائرة بدون طيار، عبر نافذة غرفة نوم الأطفال ونحرقهم، حيث إن حجم التعذيب النفسي
الذي تعرض له هذا الجرّاح أسوأ بكثير من التعذيب الجسدي.
دفن طفلين أحياء بمقابر جماعية في غزة
وأما عن الجريمة
المروعة الثالثة، فقال بيرلماتر: مررت بنفسي عبر مقابر جماعية، وأجريت مقابلات مع
شهود عيان شهدوا دفن أشخاص في تلك المقبرة الجماعية، وأخبرني العديد من الشهود
أنهم رأوا في إحدى الليالي طفلين يرتديان قميصين أحدهما أحمر فاتح والآخر أخضر
داكن، وقد دفنهما جنود الاحتلال أحياءً؛ حيث غمرتها الجرافة بكمية من التراب إلى
المقبرة الجماعية التي مررت بها، التي تقع في الفناء الخلفي لمستشفى شهداء الأقصى.
ويواصل شهادته: دفنوهما
في القبر، والجميع كان يسمع صوت صرخات هذين الطفلين ورجل كبير كان معهما، تراكم
التراب فوقهم، لقد دفنوهم أحياء! ثم وردت تقارير بعد ذلك عن استخراج هياكل عظمية
لنفس الطفلين، تم التعرف عليهما من القميصين الأخضر والأحمر، وكانت أياديهما مكبلة
خلف ظهورهما.
رعاية وتسهيلات غربية للكيان الصهيوني
وفي ختام شهادته،
يوضح بيرلماتر أن «إسرائيل» تفعل كل هذه الجرائم برعاية وتسهيلات من الهيئات
التشريعية الأمريكية التي باعت شرفها لـ«إسرائيل»، ومن قبل، الهيئات التشريعية
البريطانية التي باعت شرفها أيضًا لـ«اللوبيات الإسرائيلية»؛ من خلال تلقي أموالهم
والتخلي عن الأخلاقيات، ومن خلال منح «إسرائيل» الأسلحة والأموال اللازمة لمواصلة
هذه الإبادة الجماعية.
إذن، هذه شهادة
مهمة من الطبيب الأمريكي اليهودي مارك بيرلماتر ترصد 3 جرائم وحشية، إنها شهادة
مروعة جاءت من قلب المعاناة، ونطقت من بين الآهات والصرخات وبُقع الدماء، وهي توجز
العديد من شهادات أطباء آخرين كثيرين.
وبقي أن نستفيد
من هذه الشهادات في فضح الكيان الصهيوني الإجرامي وداعميه أمام الرأي العام، حتى
تحين لحظة الحساب التي نسأل الله أن تكون قريبة.
اقرأ أيضاً:
الجراح المغربي في غزة.. مصحف ومعطف طبيب
بصمات الأمل.. قصة العطاء الكويتي في غزة