أطفال السودان على مذبح الفاشر!
أظهرت العمليات
الإجرامية التي قامت بها قوات «الدعم السريع» بالفاشر السودانية، في الأيام
الماضية، لوحة جديدة من الاعتداءات التي لا يتصورها عقل باحث أو مراقب؛ لأن القاتل
والقتيل ينتميان إلى الإسلام والعروبة، ولكن حجم الانتقام وبشاعته كان أكبر من كل
خيال أو تصور لإجرام إنسان ضد أخيه الإنسان، والغريب أن كل هذه الجرائم البشعة من
قتل وذبح وحرق ودفن الأشخاص أحياء تم توثيقها بهواتف القتلى أنفسهم الذين كانوا
يتفاخرون لتفجير رؤوس الأطفال وهم في أحضان أمهاتهم، إضافة إلى دفن النساء
وأطفالهم أحياء وحرق المنازل والمستشفيات!
المشهد كان مأسوياً
لا يحتمله الكبار أو الصغار، ولكن التأثير الأشد حزنًا وإيلامًا كان على أطفال
الفاشر الذين شاهدوا على أرض المعركة وقائع ما حدث، وأطفال السودان في الداخل
والخارج الذين شاهدوا أيضًا الواقعة على هواتفهم حيث لم تكتف قوات التمرد بارتكاب
الجرائم فقط، ولكنها تعمدت نقلها عبر وسائل التواصل المختلفة؛ وهو ما وسّع من
تأثير خطير لهذه العمليات على جيل كامل من أطفال السودان.
منظمة «أنقذوا
الطفولة» أفادت بأن لديها 150 طفلاً فقدوا الاتصال بأسرهم، ورغم مرور أسبوع كامل
على سقوط الفاشر، فإن المنظمة فشلت حتى الآن في العثور على أي من أُسَر هؤلاء،
وقالت المنظمة: إن هناك طفلاً قتيلاً على الأقل من بين كل 6 قتلى في الفاشر.
مشاهد مروعة
عند سقوط مدينة
الفاشر تحت سيطرة قوات «الدعم السريع» بعد حصار دام 18 شهرًا تقريبًا، كشفت تقارير
دولية ومقاطع فيديو، عن عمليات قتل جماعية وتنفيذ موجات مروّعة من العنف في
الشوارع والمنازل والمستشفيات، من بينها أكثر من 2000 مدني قُتلوا أثناء اجتياح
المدينة، وضمن المشاهد المروعة جثث منتشرة في كل مكان، ودماء على الأرض، وحالات
هروب جماعية.
وفي شهادة لأحد
الناجين، قال إدريس بحر: إنه كان ضمن مجموعة كبيرة من النساء والأطفال والشباب
والشيوخ يحاولون الهروب من الجحيم، ولكن المليشيا حاصرتهم واستثنت الشباب وقامت
بإعدامهم على الفور، وبعد أن تركت بقية المجموعة عادوا وأطلقوا الرصاص على الجميع،
وسقط عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ.
وفي أحد
الفيديوهات التي تم بثها دخلت قوات التمرد المستشفى الرئيس بالفاشر وقتلوا على
الفور 600 مريض ومصاب وجميع أطقم الأطباء والتمريض والفنيين، ومن بينهم عدد من
الأطفال المصابين.
والمؤلم الذي
أصاب المشاهدين بالحزن العميق كانت مشاهد الأطفال المرتعدين الذين يحاولون الهروب
أو الاختباء من طلقات بنادق ورشاشات أفراد التمرد الذين كانوا يقتلون ضحاياهم وهم
يصرخون لكن دون جدوى.
وفي مشهد آخر،
يترجل الأطفال المصابون دون الخامسة ومعهم آخرون فتكت بهم أمراض سوء التغذية
الحادة، يحاولون جميعاً الهروب من مخارج المدينة، ولكن طلقات الرصاص كانت تحصد
رؤوس البعض منهم، بينما يمتلئ المصابون منهم فزعًا ورعبًا، حيث تتجمع تلك المشاهد في
لوحة حزينة تقول: إن ما حصل ليس أحداثًا عرضية، بل عملية إبادة ممنهجة ضد المدنيين
ومن ضمنهم الأطفال.
إبادة ممنهجة
لا يبدو أن
عمليات قتل الأطفال في مدينة الفاشر وغيرها من مدن السودان كانت عرضية ودون قصد
جنائي؛ لأن ما يجري ليس اعتداءً عابرًا، بل يدخل في إطار انتهاك آلاف الحقوق؛ حق
الطفل في الحياة، وفي الحماية، وفي النمو، وفي التعليم، كما أن الرسالة التي
تُرسلها المشاهد للعالم هي أن طفولة السودان أصبحت ساحة اختبارات للقتل والقسوة.
وقد أطلق مكتب
المفوضة العليا لحقوق الإنسان تحذيرًا بأنّ الخطر يرتفع بسرعة لمزيد من الانتهاكات
واسعة النطاق ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال، من ثمّ، فإن تأثر الطفل السوداني في
دارفور ليس مجرد أثر جانبي للحرب، بل خارطة طريق لانتهاك مستمر ومستهدف يُهدد
بانهيار النسيج الاجتماعي، وبقاء أزمة الطفولة لأجيال مقبلة.
ورغم حرص
القوانين والمنظمات الدولية على حماية الأطفال بشكل خاص في الحروب، فإن مليشيا «الدعم
السريع» وثقت بكاميرات مقاتليها مشاهد لتفجير رؤوس الأطفال في أحضان أمهاتهم، وهي
مشاهد لا تتجاوز القوانين فقط، ولكنها تندفع وتدهس كل المعاني الإنسانية والدينية
والأخلاقية.
وفي تقرير صادر عن
«يونيسف»، أفاد بأن تأثير الحرب على الأطفال من حيث مشاهد إطلاق النار والانفجارات
حولهم، أو الهروب مع أسرهم سيرًا على الأقدام أو قتل أحد أفراد الأسرة؛ سيترك
جرحًا نفسيًا يهدد مسارهم الصحي والنفسي والعلمي والاجتماعي.
وذكر التقرير أنه
في الربع الأول من عام 2025م تم توثيق أكثر من 110 انتهاكات خطيرة ضد الأطفال في
الدولة السودانية، كما تم نزوح وتشريد أكثر من 6 ملايين طفل نتيجة الحرب؛ ما أدى
إلى غلق المدارس وفرار المعلمين والمكوث في المخيمات والمناطق المنكوبة وهو ما
يقوض النمو الطبيعي للطفل السوداني.
ففي شهادة لطفلة
تُدعى «وعد» (10 سنوات) قالت: «كنا نبحث عن فصل دراسي تحت شجرة ونتخذ من الأحجار
مقاعد لكي نكمل دراستنا، وكان أبي حريصاً على مساعدتي في تحصيل الدروس في منزلنا،
وفجأة هجم علينا التمرد ولا أعرف مصير أبي وأمي وأخوتي حتى الآن، واليوم نركض في
ذعر نبحث عن الأمن والطعام».
تأثيرات مدمرة
حذرت منظمات
دولية من إصابة أكثر من نصف مليون طفل في دارفور بأمراض سوء التغذية خاصًا مع
إصرار قوات التمرد على منع وصول مواد الإغاثة إلى الأطفال المحاصرين في المخيمات
ومناطق النزوح والقتال.
وإضافة إلى
تدمير المنشآت الصحية، فإن فرصًا ضئيلة لنجاة الأطفال في دارفور أو مناطق القتال
في جنوب وغرب وشمال كردفان.
يقول خبراء علم
النفس الاجتماعي: الطفل الذي يعيش في منطقة قصف أو ذبح أو حرائق، لا يواجه فقط
تهديداً جسدياً، بل يُفقد إحساسه بالأمان الجسدي والنفسي.
ويقسم الخبراء
تأثير الحروب والقتل على الأطفال في مستويين:
أولهما: التأثيرات على المدى القصير:
- اضطراب الأكل
أو فقدانه، الأرق أو الكوابيس، رفض الذهاب إلى المدرسة أو اللعب.
- عزلة
اجتماعية، خوف دائـم، تصوُّرات بأن العالم غير آمن.
- صعوبة في
تكوين علاقة ثقة مع بالغ أو مع طفل آخر؛ وبالتالي تأخّر في تنمية المهارات
الاجتماعية.
ثانياً: التأثيرات على المدى البعيد:
- ضعف اكتمال
التعليم؛ ما يُحدّ من فرص العمل لاحقاً ويُثبّت الدورة المتراكِمة للفقر.
- ارتفاع نسبة
الإصابة بالاكتئاب، والقلق، والسلوك العدواني.
- احتمال أكبر
لجعل الطفل متورّطاً في الدائرة العنيفة مستقبلاً، إما كمُنفّذ أو كضحيّة لاحقة.
- الأجيال
القادمة من الناجين قد تحمل آثار الصدمة؛ نفسيًّا وجسديًا؛ ما يشكّل عبئًا
اجتماعيًا.
مطالب عاجلة
وأمام هذه
الجرائم البشعة ضد الأطفال، توالت مطالب خبراء السودان والعالم لإنقاذ شباب ورجال
المستقبل عبر الآتي:
1- فتح ممرات
إنسانية آمنة فورًا للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، في مدينة الفاشر ومحيطها، يسمح
بالخروج وتقديم المساعدات والإغاثة.
2- دعم نفسي
واجتماعي مكثّف للأطفال والناجين من خلال مراكز «صديقة للطفل» في المخيمات والمدن
الآمنة.
3- حماية
التعليم وإعادة فتح المدارس أو بيئات تعليم بديلة في أقرب وقت ممكن، لإعادة بناء
شعور الطفل بأن المستقبل ممكن.
4- توثيق
الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين فعليًا، لتوجيه رسالة تفيد بأن الأطفال ليسوا
أهدافًا مشروعة.
5- إعادة تأهيل
الأسر والمجتمع المحلي لمساعدة الأطفال على إنجاز عملية شفاء طويلة الأمد.
اقرأ
أيضاً:
السودان..
«الفاشر» تحترق والعالم يصمت!
الفاشر ..كارثة
إنسانية متسارعة ومأساة مدنية بمقاييس واسعة
اقتحام
الفاشر.. مستقبل «الدعم السريع» والسيناريوهات القادمة بالسودان