أكاديميون: التطوع صناعة الأثر الإنساني

في عالم يعج بالصراعات والأزمات، بات العمل التطوعي نافذة أمل، وقيمة إنسانية سامية ترتقي بالمجتمعات وتلبي احتياجات الأفراد. بين أروقة الجمعيات الخيرية، وقاعات التدريب، وعلى أرض الواقع، يتسابق المتطوعون لتقديم العون وإحداث الأثر، وهو ما أكده عدد من الأكاديميين والخبراء في العمل الإنساني، مشيرين إلى أن العمل التطوعي لم يعد مجرد نشاط جانبي، بل أصبح ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وصناعة التنمية المستدامة.
يقول
السفير خالد المغامس، رئيس مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر الكويتي:
العمل التطوعي يعد ركيزة أساسية في بناء المجتمعات، وإن مؤسسات
المجتمع المدني، من جمعيات خيرية أو منظمات أهلية، تشكل مصدر قوة حقيقي يدعم
المجتمعات ويعزز تماسكها.
وأضاف
المغامس أن العمل التطوعي يمثل ركناً أصيلاً في بناء القيم الإنسانية والأخلاقية
التي تمكن الإنسان من المساهمة الفعالة والجادة في تنمية المجتمع. ولفت إلى اهتمام
هيئات وجمعيات الهلال الأحمر بدول مجلس التعاون بتكريم المتطوعين ومنحهم جائزة
العمل التطوعي تقديراً لعطائهم وتحفيزاً لمزيد من الجهود في خدمة الإنسان
والإنسانية.
التطوع..
دعوة دينية وإنسانية
يتحدث
خالد الشامري، مدير إدارة الإغاثة في «نماء الخيرية»، عن فلسفة التطوع في الإسلام،
فيقول:«الرحلات الخيرية والعمل التطوعي ليست مجرد
أعمال إنسانية عابرة، بل هي رحلة نحو تحقيق الغاية الكبرى التي خلقنا الله لأجلها،
وهي إعمار الأرض ونشر الخير بين الناس. إنها تجربة تجمع بين العطاء المادي
والمعنوي، وتعزز القيم الإنسانية التي دعت إليها الأديان السماوية».
ويستشهد
الشامري بالحديث النبوي الشريف:«مَن نفَّس عن مؤمن كُربةً
من كُرب الدنيا، نفَّس الله عنه كُربةً من كُرب يوم القيامة» (رواه مسلم).
ويضيف:«العمل
التطوعي يعزز روح التكافل الاجتماعي ويحقق مفهوم الجسد الواحد الذي تحدث عنه النبي
ﷺ بقوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"».
أهداف
الرحلات الخيرية.. أثر متكامل
يشير
الشامري إلى أن للرحلات الخيرية والعمل التطوعي أهدافاً متعددة:تعزيز
الروابط الإنسانية: بناء جسور المحبة والتآلف
بين الناس، خاصة في المناطق المنكوبة، تعليم القيم الأخلاقية:
من
خلال معايشة المتطوعين لمشاق الميدان، وتعلم الصبر والإيثار والمسؤولية، إحداث
تغيير إيجابي: سواء عبر بناء المساكن،
أو تقديم الرعاية الصحية، أو توزيع الغذاء، تحقيق الاستدامة:
مثل
حفر الآبار، أو إنشاء المدارس، أو مشاريع تنموية تعزز من الاقتصاد المحلي.
قصص
واقعية.. من الميدان
يروي
الشامري قصة مؤثرة من إحدى الرحلات الإفريقية:«عثرنا على قرية تعاني من
شح المياه، كانت النساء يقطعن مسافات طويلة لجلب المياه، ما يعرضهن لمخاطر كبيرة.
بفضل الله ثم جهود المتطوعين، استطعنا حفر بئر غيّر حياتهم، حيث وفر لهم ماءً
نظيفاً ووقتهم الثمين الذي استثمروه في التعليم والعمل». ويستشهد الشامري بقول الإمام
ابن القيم رحمه الله:« »من أحبَّ أن تصفو له لذة
العيش فليحسن إلى الناس«،
وكذلك
بقول الحسن البصري: »لأن أقضي حاجة لأخي
المسلم أحب إليّ من أن أعتكف شهراً«،
ليؤكد
أن العمل التطوعي ليس مجرد مبادرة إنسانية، بل طريق لتحقيق السعادة والقرب من الله.
العمل
التطوعي.. صقل للشخصية وتوسيع للآفاق
يضيف
الشامري: »العمل التطوعي فرصة عظيمة للتقرب إلى الله،
فالله تعالى يقول: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم
أجراً). كما أنه يساهم في اكتساب مهارات جديدة كالتواصل وإدارة الوقت والعمل
الجماعي. ويمنح المتطوعين شعوراً بالرضا والسعادة عندما يشاهدون أثر عملهم في حياة
الآخرين، فضلاً عن توسيع آفاقهم الثقافية من خلال زيارة مجتمعات متنوعة«
التطوع
في عصر الابتكار
لم
يعد العمل التطوعي محصوراً في شكله التقليدي، بل تطور بفضل التكنولوجيا والمنصات
الحديثة. وفي هذا السياق، أطلقت «نماء الخيرية» مركز نماء للعمل التطوعي، ليكون
منصة متكاملة تستقطب وتُنظم جهود المتطوعين في خدمة المجتمع، مع الاهتمام بصقل
مهاراتهم وتأهيلهم وتدريبهم على أعلى المستويات.
يقول
الشامري »:مركز نماء يمثل نموذجاً يحتذى به، إذ يرسخ
مبدأ أن العطاء مسؤولية الجميع، ويعمل على إعداد جيل واعٍ قادر على تقديم حلول
مبتكرة للتحديات المجتمعية«
التطوع
الابتكاري.. تجربة رائدة
وتعزيزاً
لهذا التوجه، نظمت الجمعية الكويتية للأسر المتعففة بالتعاون مع الاتحاد العربي
للتطوع ومنظمة الأمم المتحدة للمتطوعين دورة تدريبية حول «التطوع الابتكاري»، بهدف
بناء قدرات المتطوعين وتطوير أفكارهم الإبداعية لخدمة العمل الإنساني.
يقول
بدر المبارك، رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية للأسر المتعففة:
«عقدنا هذه الدورة بالتنسيق مع الاتحاد العربي للتطوع، وهي دورة
جديدة لتطوير فكر المتطوعين وتحويل الأفكار التقليدية إلى مشاريع ابتكارية تخدم
المجتمع».
وأوضح
المبارك أن البرنامج استمر ثلاثة أيام بمشاركة 30 متدرباً من مؤسسات المجتمع المدني
والجمعيات الخيرية، مضيفاً: «نهدف من خلال هذا
البرنامج إلى نقل تجربة الابتكار التطوعي للفرق التطوعية في الكويت، وهو فرصة جيدة
لهم ولنا جميعاً لتحديث أساليب العمل الإنساني والخيري».
ختاماً:
التطوع.. هوية وهواء
في
ختام هذا التحقيق، أجمع المتخصصون الذين تحدثوا إلينا على أن العمل التطوعي لم يعد
مجرد نشاط عابر، بل أصبح صناعة متكاملة ذات أثر ممتد، وهوية إنسانية راسخة، وجزءاً
من مسؤوليتنا الجماعية نحو بناء مجتمع أكثر تماسكاً وتضامناً.
يقول
الأديب مصطفى الرافعي: «إذا لم تزد على الحياة
شيئاً، فأنت زائد عليها».
فلنكن
جميعاً من أولئك الذين يضيفون للحياة معنى، ويبنون للإنسانية جسور الأمل والعطاء.