رؤية تنموية واقتصادية..
أهمية الوقف في إعادة الإعمار

يُشكِّل الوقف أحد أهم الأدوات المالية الإسلامية التي
أسهمت تاريخيًا في دعم التنمية المجتمعية وتمويل المشاريع العامة والخاصة، خاصة في
أوقات الأزمات وإعادة الإعمار بعد الكوارث والحروب، ومع تزايد التحديات التنموية
التي تواجه العديد من الدول، بات للوقف دورًا محوريًا في إعادة تأهيل المدن وتطوير
البنية التحتية، من خلال تمويل مشاريع الإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية، وتعزيز
الاقتصاد.
أولًا: مفهوم الوقف وأبعاده التنموية
1)
تعريف الوقف:
الوقف في اصطلاح الفقه الإسلامي هو
تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، أي تجميد ملكية الأصل مع التصدق بريعه أو منافعه
لمصلحة عامة أو خاصة، وهو يتميز بالاستدامة، حيث يستمر في تقديم الفوائد للمجتمع
على المدى الطويل.
2)
الأبعاد التنموية
للوقف:
يضطلع الوقف بدورٍ رئيسي في تحقيق
التنمية المستدامة، من خلال دعم القطاعات الحيوية مثل:
أ-
التعليم: تأسيس
الجامعات والمدارس والمكتبات الوقفية.
ب-
الصحة: إنشاء
المستشفيات والمراكز الطبية الوقفية.
ت-
البنية التحتية: دعم
مشروعات المياه، الطرق، والمرافق العامة.
ث-
التمكين
الاقتصادي: تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز النمو الاقتصادي.
ثانيًا: الوقف وإعادة الإعمار بعد الأزمات
1)
دور الوقف في
إعادة إعمار المدن المتضررة بعد
الحروب والكوارث الطبيعية، يصبح
الوقف أداة فعالة في إعادة بناء المجتمعات من خلال:
أ-
تمويل بناء
المنازل للأسر النازحة.
ب-
توفير الخدمات
الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
ت-
دعم القطاعات
الإنتاجية لضمان استقرار الاقتصاد المحلي.
2)
الوقف كمصدر
تمويل بديل لإعادة الإعمار:
تكابد العديد من الدول من نقص
التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وهنا يبرز الوقف كحل مستدام، حيث يمكن توجيه أصول
وقفية لصالح مشاريع إعادة الإعمار دون الحاجة إلى اللجوء إلى القروض الدولية أو
الاعتماد على المساعدات المشروطة.
كيف نستفيد من تجربة «الكيبوتسات»؟
ثالثًا: نماذج تاريخية ومعاصرة للوقف في
إعادة الإعمار
1)
التجربة
التاريخية للوقف في إعادة الإعمار:
شهد التاريخ الإسلامي العديد من التجارب
الناجحة في استخدام الوقف لإعادة إعمار المدن المتضررة، ومنها:
أ-
وقف السلطان
سليمان القانوني: الذي ساهم في تطوير البنية التحتية في الدولة العثمانية، ومن
أبرزها إعادة بناء أسوار القدس وتعزيز أمنها، وأيضًا تحصين المسجد الأقصى وإيصال
المياه إلى الأحياء.
ب-
أوقاف المسلمين
في الأندلس: التي أسهمت في بناء المشافي والمدارس وزيادة المياه الشرب النقية
الصالحة للاستخدام.
2)
نماذج معاصرة
لاستخدام الوقف في إعادة الإعمار
في
العصر الحديث، برزت بعض التجارب الناجحة، مثل:
أ-
الوقف في إعادة
إعمار البوسنة والهرسك بعد الحرب (1992-1995).
ب-
توظيف الأوقاف في
دعم مشاريع الإسكان في غزة بعد الحروب المتكررة.
ت-
أوقاف تنموية في
ماليزيا وتركيا لدعم إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلازل والفيضانات.
رابعًا: التحديات والحلول لتفعيل الوقف في إعادة الإعمار
1)
التحديات التي
تواجه الوقف في إعادة الإعمار:
أ-
ضعف الإدارة
المؤسسية للأوقاف في بعض الدول.
ب-
غياب الأطر
القانونية الحديثة التي تُيَسِّر استثمار الأوقاف في مشاريع إعادة الإعمار.
ت-
قلة الوعي
المجتمعي بأهمية الأوقاف في التنمية وإعادة الإعمار.
2)
الحلول المقترحة:
أ-
تطوير تشريعات
وقفية حديثة تسهم في تمكين الوقف من تمويل مشاريع إعادة الإعمار.
ب-
تعزيز الشراكة
بين مؤسسات الوقف والجهات الحكومية والقطاع الخاص.
ت-
الاستفادة من
التكنولوجيا المالية والتمويل الإسلامي في تحسين استثمار الأوقاف.
اقرأ أيضا: الأدوار العامة للوقف الإسلامي
وعليه، يستنبط مما ذكر آنفًا أن الوقف أداة اقتصادية
وتنموية فعالة، وينبغي أن يؤدي دورًا محوريًا في إعادة الإعمار، خاصة في الدول
التي تواجه تحديات بسبب الحروب كقطاع غزة في فلسطين حاليًا أو الكوارث الطبيعية كزلزال
تركيا والمغرب عام 2023م، ولتحقيق أقصى استفادة من الوقف، لا بد من تطوير إدارته،
وتعزيز دوره في المشروعات التنموية الكبرى، وتبني سياسات متطورة تكنولوجية تُسهم
في تفعيل دوره في إعادة بناء المجتمعات واستدامة التنمية فيها.
أهم المراجع:
1)
عبد القادر ربوح،
الأحباس ودورها في المجتمع الأندلسي ما بين القرن 4-9هـ/ 10-15م، رسالة ماجستير، كلية
العلوم الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، 2006م، ص179.
2)
شبكة الجزيرة
الإخبارية، "سور القدس- مأثرة العثمانيين والحامي القديم للمدينة المقدسة"،
الجزيرة نت، 18/4/2024م. http://bit.ly/41wDftm
3)
محمد طاهر أغلو، "لم
يتنازلوا عن شبر واحد- كيف خدم العثمانيون القدس والمسجد الأقصى"، 16 مايو
2021م. https://bit.ly/3XeDpmR
4)
المجلس الأوروبي
للإفتاء والبحوث، "الأوقاف في البوسنة والهرسك- التاريخ، والوضع الراهن،
والتطلعات المستقبلية”، 20/10/2020م. https://bit.ly/4i89yEs