أين منظمات حقوق المرأة من نساء غزة؟!

أسماء السيد خليل

25 يناير 2024

3117

تحت القصف «الإسرائيلي» المتواصل على قطاع غزة وعمليات الإبادة الممنهجة، ومحاولات دفع سكانه للتهجير القسري، تعيش المرأة الغزّية محنة عظيمة؛ بدءًا من معاناة النزوح وتفرّق العائلة الواحدة، وانتهاء بالقتل الذي طال أكثر من 7 آلاف امرأة بعد 3 أشهر من الحرب، بل المؤكد أنها تعاني ضعف ما يعانيه الرجل من آثار الحصار وشبح الموت الذي لم يبقِ شبرًا واحدًا آمنًا في القطاع، قصص دامية تبثها وسائل الإعلام على مدار الساعة تصف تلك المأساة المعقدة، وتحثُّ الغيورين على التفكير في وسائل وطرق لدعم أخواتنا ونصرة قضيتهنّ.

متاعب النزوح

مع شدة القصف على كافة أنحاء القطاع وتنقّل الموت بين أفراد العائلة الواحدة، اضطر من تبقى إلى النزوح جنوبًا مشيًا على الأقدام لعشرات الكيلومترات؛ فتفرّق بذلك شمل العائلات الذين ألقتهم الظروف –وهم لا يملكون المال لشراء ما يحتاجون- في أماكن تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وفي هذه الأماكن تظهر معاناة المرأة جلية، فبعد أن كانت سيدة في بيتها مستورة في خدرها، صارت تقيم قسرًا مع العشرات في غرف ضيّقة، شبيهة بالزنزانة، بحمّام واحد، من دون ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غطاء ولا وقود، وهو وضع وصفه من عاينوه بالكارثي، تتحمّل فيه المرأة وحدها رعاية أطفالها والمسنين من قراباتها، ولا حديث هنا عن أكل أو شرب صحي، أو وجبات متكاملة القيمة الغذائية، فإن الوجبة الفقيرة التي تكون عادة من الأرز أو البرغل قد حصلوا عليها بصعوبة بالغة بعد الوقوف في الطابور لساعات.

إمكانات معدومة

باتت إمكانات المرأة الغزّية، إذًا، معدومة إزاء احتياجات العائلة، ومع انتفاء الخصوصية يزداد الأمر تعقيدًا، وتزداد الضغوط حدّة، فتتخلى المرأة عن عادات بيولوجية كدخول الحمام لدرجة تسبب لها أمراض البطن والكُلى، وأمور النظافة والاستحمام، وأكثرها ضرراً ما يتعلق بالأمور الصحية الخاصة بالمرأة، في ظل نقص المياه وغياب منتجات النظافة الشخصية؛ ما يتسبب في إصابة العديد بأمراض نسائية، غير الأمراض المعدية التي وثِّقت أكثر من 400 ألف حالة منها، حسب المركز الإعلامي الحكومي في غزّة، بين النازحين الذين تُقدّر أعدادهم بمليون و800 ألف نازح، ويؤدي انعدام خصوصية النساء أيضًا إلى تولُّد شعور دائم بالخوف، وعدم القدرة على التصرف بحرّية، وذكرت تقارير أن مئات الآلاف يواجهن أزمة صحية يائسة منذ بدء الحرب، حتى الحبوب التي يستخدمنها لوقف أو تقليل الحيض خلت منها صيدليات القطاع.

حوامل تحت القصف

بعد انهيار النظام الصحي بسبب خروج معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة، لم يعد للحوامل أماكن للمتابعة والولادة الآمنة، فالمشافي المتبقية مكتظّة بالمصابين، وتعاني في الوقت ذاته نفاد الوقود، ونقص الأدوية، ولوازم الولادات الطارئة، وكان البديل أماكن الإيواء حيث تُجرى الولادات بالطرق البدائية الخطرة على صحة الأم والجنين، فتضاعفت لذلك وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، غير من قُتل من الحوامل، أو أُجهضن وفقدن أجنّتهنّ، ومنهنّ من أُصبن بالنزيف والحُمى لقلة التغذية ومعاناة التشرد، فاستُؤصلت أرحامُهنّ، كما سُجلت حالات ملحوظة لولادات قبل الأوان أو ولادة أطفال ميتين لنازحات جرّاء الإجهاد النفسي بسبب الأعمال العدائية.

نساء غزّة لا بواكي لهنّ

رغم ما تكفله عشرات القوانين والمواثيق الأممية من حماية حقوق النساء حول العالم، وتعزيز الجهود الرامية لمنع تعرضهن للخطر خصوصًا أثناء الحروب، فإن تلك الاتفاقيات والمواثيق تظل حبرًا على الورق إذا تطرق الأمر للمرأة الفلسطينية، ولقد رأينا حجم المأساة التي تعانيها نسوة القطاع، وقد ضربت «إسرائيل» بتلك القوانين عرض الحائط، بل تخطتها إلى قتل العشرات من موظفي المنظمات الدولية، وإلى الآن لا توجد آلية تنفيذ واحدة تستطيع وقف الانتهاكات ضد المدنيين عمومًا وضد المرأة على وجه الخصوص، ما زال الجيش الصهيوني يواصل إجرامه بقصف المستشفيات المفترض أن تكون بيئة آمنة للنساء، وما زال يعتقلهن ويعذبهنّ، ويحرمهن الغذاء والدواء والمأوى والمعونة الطبية؛ منتهكًا العهود الدولية، آمنًا من العقاب على هذه الجرائم ضد الإنسانية.

كيف ندعم المرأة الغزّية؟

يمكن مساندة المرأة الغزِّية في محنتها بعدد من الوسائل، التي تظل قاصرة ما لم يتم إيقاف الحرب بشكل نهائي، وعودة المهجّرين إلى ديارهم، وإعادة إعمار القطاع وإصلاح بُناه التحتية، وأهم هذه الوسائل:

- إذ غابت جهود الحكومات والأنظمة الرسمية، يجب التركيز على الجهود والأنشطة الشعبية؛ لتتصدّر القضية الساحتين: الإقليمية والدولية، ولإزالة التعتيم المضروب حولها.

- زيادة جهود النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أفرادًا ومؤسسات، والتطرّق إلى الحالات الإنسانية وما تتعرّض له المرأة في القطاع من ضغوط وآلام تفوق قدرتها على الاحتمال.

- ويجب أن يكون للمؤثّرات والإعلاميات الدور الأكبر في ذلك؛ للضغط على المؤسسات الرسمية والأنظمة الإقليمية للتحرّك، وللضغط أيضًا على المؤسسات الأممية ومنظمات المرأة للقيام بدورها في المحافل الدولية.

- عدم التوقف عن فضح جرائم الصهاينة ضد النساء والأطفال، وإعلام الدنيا بها، وهي موثّقة بالصوت والصورة في زمن الإنترنت وثورة الاتصال.

- ألّا تتوقف المطالبات بوقف الحرب، وتدفّق المساعدات، وأن يكون للمساعدات النسائية نصيب يكافئ أعداد النسوة اللائي تضررن من الحرب وفقدن بيوتهنّ وصرن نازحات.

- تسيير فرق إغاثة طبية ذات تخصصات نسوية في أماكن النزوح؛ لعلاج ما قصرت عنه المستشفيات، يرافقها فريق نفسي لرعاية ما نشأ من اضطرابات على أثر القصف والعدوان.

- كما على الدعاة دور مهم في نقل الصورة إلى المدعوين، وإبراز أدوار كلٍّ منهم في دعم ونصرة أخواتهم المسلمات في غزّة وغيرها، وفرضية ذلك على الأمة، أفرادًا وحكومات.

- عدم نسيانهنّ في الدعاء، والتصدّق بنية تفريج كربهنّ، والله من وراء القصد، وهو القادر على أن يبدل خوفهن أمنًا وحزنهن فرحًا وسعدًا.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة