إن مع العسر يسراً.. وعد رباني لا يتخلَّف
تتشابك في حياة الإنسان مساراتٌ من الشدائد والابتلاءات، حتى يخيّل إليه أن الأبواب قد أُغلِقت، وأن الفرج بعيد المنال، إلا أنّ القرآن الكريم يفتح نافذة النور، ويمدّ القلب بيقينٍ لا يتزعزع، حين يتردد في آذان المؤمن قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح)، إنه تكرارٌ ليس للتوكيد فحسب، بل لتثبيت المعنى في الضمير: العسر مهما اشتدّ لن يكون أبداً وحيدًا، بل يلازمه يسرٌ قادم بقدر الله عز وجل.
اليسر وعد رباني لا يتخلف
معلوم أن وعد
الله تعالى لا يتخلف، وقد وعد باليسر في قوله عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً {5} إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)، وفي سبب نزول هذه الآية أورد ابن كثير رواية الحاكم،
والبيهقي، عن أنس بن مالك قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَالِسًا وَحِيَالَهُ حجر، فَقَالَ: «لَوْ جَاءَ الْعُسْرُ فَدَخَلَ
هَذَا الْجُحْرَ لَجَاءَ الْيُسْرُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ»، قَالَ:
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الآية، وعن الحسن قال: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا وَهُوَ يَضْحَكُ وَهُوَ
يَقُولُ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن»، فقد أوضحت الآية أن الله أعاد
العسر مُعَرَّفًا، واليسر مُنَكَّرًا، فدلّ على تكرُّر اليسر وثبات العسر، حيث مع
كل عسر يسران يغلبانه.
وقد جاء التعبير
القرآني بـ«مع العسر» لا «بعد العسر»؛ للدلالة على أن اليسر مقترن بالعسر اقتران
الظل بالشمس؛ قد لا تراه العين أوّل الأمر، لكنه حاضر في طيّات الابتلاء، يسري في
مجاري الأحداث، ويتهيّأ للظهور في اللحظة التي أرادها الله تعالى.
سبب تكرار قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
جاء تكرار
الجملة العظيمة في السورة لأغراضٍ بلاغية وتربوية وعقدية بالغة الدقة، ومن أهمها:
1- التأكيد على
حتمية وقوع اليسر.
2- الإشارة إلى
تكرّر اليسر وتعدده.
3- بيان قرب
اليسر من العسر.
4- تثبيت قلب
النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
5- إظهار رحمة
الله الواسعة.
كيف يتعامل المؤمن مع العسر؟
إذا وقع المؤمن
في عسر وهو موقن أن اليسر آت لا محالة فإنه يتسلح بأمور، منها:
1- الصبر
الجميل.
2- العزيمة
القوية.
3- التسليم
الكامل.
4- الأخذ
بالأسباب.
5- التوكل
الصادق.
6- الإكثار من
الدعاء.
أثر قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) على أهل الابتلاء
إذا تسلح كل
واقع في العسر بما ينبغي من اليقين في اليسر فإن في هذا من التسلية والتهوين عليه
ما فيه، ففي اليقين باليسر تأكيد على أن كل صعب يلين، وكل شديد يهون، وكل عسير
يتيسر، متى صبر الإنسان الصبر الجميل، وتسلح بالعزيمة القوية، وبالإيمان العميق
بقضاء الله وقدره.
وأكد سبحانه
هاتين الآيتين؛ لأن هذه القضية قد تكون موضع شك، خصوصاً بالنسبة لمن تكاثرت عليهم
الهموم وألوان المتاعب، فأراد سبحانه أن يؤكد للناس في كل زمان ومكان، أن اليسر
يعقب العسر لا محالة، والفرج يأتي بعد الضيق، فعلى المؤمن أن يقابل المصائب بصبر
جميل، وبأمل كبير في تيسير الله وفرجه ونصره.
مظاهر اليسر التي قد يغفل عنها الإنسان عند العسر
1- يسرٌ في
القلب: بثباتٍ، وصبرٍ، وسكينةٍ تُطمئن الفؤاد.
2- يسرٌ في
الطريق: بتيسير الأسباب، وفتح أبواب لم تُطرق.
3- يسرٌ في
العاقبة: بخيرٍ مُدَّخر، وأجرٍ مُضاعف، وتوفيقٍ مستقبليّ لا يُقدِّره إلا الله.
فليس اليسر فقط
انفراجًا مادّيًا؛ بل قد يكون إلهامًا، أو راحةً، أو قوةً، أو نورًا في البصيرة.
دلالة اليسر على أن دوام الحال من المحال
العسر واليسر،
الراحة والتعب، الجوع والشبع، الشدة والرخاء، المرض والشفاء، النجاح والانكسار،
الإقبال والإدبار.. أحوال تؤكد أن الأيام دول، وهي متعاقبة، قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140)، فدوام الحال من المحال.
وفي هذا تأكيد
على أن الابتلاء سُنّة ماضية ولا بد من تيسير النصر للمؤمنين، فلا توجد أمة قامت
على الحق إلا ومرّت بمرحلة من الشدائد قبل التمكين، ففي الهجرة عسرٌ شديد، تلته
فتوحات، وفي بدرٍ ضيقٌ وخوف، تلاه نصرٌ مؤزر، وفي حياة الأنبياء جميعًا محطاتٌ من
الكرب تعقبها لحظاتُ الفرج والفتح، وهذا يجعل المؤمن يدرك أن العسر ليس نهاية، بل
بداية مسار جديد.
اقرأ
أيضاً:
الأمل المشرق في ظل
الابتلاء