استقم وأخلص… ففي ذلك النجاة

في
زمنٍ ضاعت فيه البوصلة، وتداخلت المسارات، وكثر الداعون إلى طرقٍ معوجّةٍ باسم
الحرية والنجاح، في وقتٍ أصبحت فيه الشهرة سلعةً، والمبادئ عبئًا، والنزاهة سذاجةً
في عُرف المتسلقين، بات من الضروري التذكير بأساسٍ لا يُبلى، وجذرٍ لا تموت شجرته
مهما هبّت عليه رياح التغيير: الاستقامة والإخلاص.
الاستقامة
ليست مظهرًا، بل مسار حياة، هي السياج الذي يحميك من الوقوع، والبوصلة التي
تهديك حين تتشابه الاتجاهات، فالاستقامة لا تعني أنك معصوم من الخطأ، بل أنك حين
تخطئ تعود، وحين تُغرى تقاوم، وحين يُعرض عليك الحرام تتذكر أن ما عند الله خيرٌ
وأبقى.
أخطر
ما يواجه الإنسان في رحلة حياته فتنتان: المال الحرام، والشهوة المنفلتة، وكم
زلّت الأقدام أمام بريقٍ خاطف، أو شهوةٍ عابرة، لكن من تمسك بالاستقامة نجا، ومن
جعل الله نصب عينيه، نال السكينة وإن خسر بريقًا مؤقتًا.
أما
الإخلاص، فهو جذر الثبات، وسرّ النجاح، وروح أي إنجازٍ نبيل، فأن تُخلص
لنفسك، يعني أن تحسن إليها، أن تُعاهدها على أن لا تضرّها، لا بالكسل، ولا
بالتساهل في حق الجسد والعقل، وأن تُخلص لأهلك، يعني أن تحتضنهم بالرعاية،
وتمنحهم من وقتك واهتمامك ما يبني ذكريات تُزهر في قلبك كلما هاج عليك تعب الحياة.
وحين
تُخلص في عملك، فأنت لا تبنيه فقط، بل تبني نفسك أيضًا، تصبح "العملة
النادرة"، ويبحث عنك الناس لا لأنك الأذكى فقط، بل لأنك الأصدق، فالمخلص في
عمله يعود إلى بيته آخر النهار ممتلئًا، لا بالمال فحسب، بل برضا داخلي
عميق، يضع رأسه على وسادته وينام دون أن تطارده خيبات ضمير أو كوابيس خيانة،
لأن قلبه نظيف ونيّته صافية.
فالاستقامة
والإخلاص ليسا وصفتين نظريتين، بل أسلوب حياة يجعل الإنسان صلبًا في المواقف،
نقيًا في السرّ، مطمئنًا مهما اضطرمت من حوله الفتن، وهما سرّ السمعة الحسنة،
التي إن فقدها الإنسان، لم تغنه شهرة، ولم تنفعه أموال، ولن تُسعفه أي تبريرات.
في
زمن الترويج لكل شيء… كن أنت المختلف، كن مستقيمًا… ومخلصًا، وسترى كيف
ينجو من حولك بالكاد، بينما تُبحر أنت بثقة وسكينة نحو برّ الأمان.