الأجندة الأممية للمرأة.. دلالات خطيرة

اشتملت الأجندة الأممية المتعلقة بقضايا المرأة على مجموعة جديدة من
المصطلحات التي تحمل دلالات خطيرة سواء من حيث البنية اللفظية أو الدلالات
المعرفية.
وجاءت ترجمة هذه المصطلحات بصورة غير نزيهة حيث لم تراع دقة الترجمة قدر
الاهتمام حتى لا يواجه المصطلح المترجم رفضاً مجتمعياً يلفظه خارج دائرة التأثير
المطلوبة.
بين الغموض والخداع
تراوحت الترجمة بين استخدام لفظة غامضة غير واضحة تتسع التفاسير لشرحها
وبيان المقصود منها كلفظ «جندر»، أو استخدام لفظ يتمتع بالقبول المجتمعي وله جذور
لغوية مألوفة في تربتنا كلفظ «تمكين»، وهو لفظ قرآني يستخدم بمعنى إيجابي في بعض
المواضع كقوله تعالى عن تمكين الجماعة المؤمنة: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور) (الحج: 41)، أو كقوله تعالى
حاكياً عن نبي الله يوسف: (وَكَذَلِكَ
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين) (يوسف: 56)،
أو عندما يتحدث القرآن على بني إسرائيل في عهد فرعون: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 6)، ويستخدم
أحياناً بشكل محايد كقوله تعالى: (وَلَقَدْ
مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا
وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً) (الأحقاف: 26).
هذا المصطلح المستخدم قرآنياً بمعنى نثبت ونوطد ونرسخ ويقابلها الفعل «establish»، أما
التمكين أو إتاحة الفرصة لجعل الشيء ممكناً فيقابلها كلمة «Enabling»، فإذا جئنا
لمصطلح «Women Empowerment» لا نجد له علاقة بكلمة تمكين سواء بمعناها الشرعي أو بمعناها
اللغوي أي إتاحة الفرصة والسماح بها.
لكن مترجم الوثائق الأممية المتعلقة بقضايا المرأة عند ترجمته لهذا المصطلح
يترجمه بتمكين المرأة، وهي ترجمة مخادعة؛ لأنها تعني في المطلق إتاحة الفرصة
للمرأة، وهو معنى لا غبار عليه ولا يواجَه برفض ثقافي، وفي الوقت نفسه يحمل ظلال
المصطلح القرآني ويستبطنه فكأن المرأة التي استضعفت وأهدر حقها كبني إسرائيل أو
كنبي الله يوسف أو حتى كالجماعة المؤمنة بمكة التي لاقت صنوف التعذيب أخيراً تتاح
لها فرصة التمكين.
مصطلح «Women Empowerment» الذي استخدم رسمياً أول مرة في مؤتمر القاهرة للسكان في العام
1994م، ثم شاع وانتشر وبلغ الآفاق في المؤتمر العالمي الرابع في بكين عام 1995م،
الترجمة الدقيقة له هو «استقواء المرأة»، وهي الترجمة التي تم تجاهلها حتى يمكن
تمرير المصطلح وإنجاحه.
دلالات المصطلح
الاستقواء يحمل معنى طلب القوة لاستخدامها ضد طرف آخر تماماً، كالدور الذي
قامت به الحركات النسوية المتطرفة في الغرب.
فالمصطلح يحمل معنى الهجوم (قد يكون ضد الرجل أو ضد العائلة أو ضد القيم
الحاكمة)، وهذا المصطلح الهجومي الفج سيجعل مقاومته عالية ويصعب تمريره؛ لذا كان
من الدهاء استخدام لفظ التمكين الذي يحمل مجرد منح فرصة لهذا الكائن المظلوم
المستضعف (المرأة).
تمكن مصطلح التمكين في النجاح والشيوع والقبول المجتمعي وتمدد حتى شمل كل
مجالات الحياة تقريباً.
كانت البداية عند التمكين الاقتصادي؛ حيث تم الهجوم العنيف على الدور
الاقتصادي للمرأة في العائلة، وتم وصفه بالتقليدية أو النمطية؛ لأنه عمل غير مأجور،
ومن ثم يقوم بصناعة تأنيث الفقر، ومن ثم أصبح تمكين المرأة مرادفاً للمشاركة في
سوق العمل.
منذ العام 2009م يصدر البنك الدولي تقريراً يقيم به قوانين وسياسات الدول
من حيث دعمها للمرأة وفقاً لرؤية الاستقواء أو التمكين، ويضغط على الدول اقتصاديا
عن طريق الدعم المشروط للقروض ونشر التقارير النوعية وربط ذلك بتغيير القوانين
والسياسات بما يتماشى مع السياسة الأممية.
لذا، فيمكننا القول: إن الاستقواء الاقتصادي هدف وفي الوقت ذاته أداة ضغط
واستقواء لاستكمال باقي مسارات التمكين كالتمكين السياسي الذي لأجله تجبر الدول
على تفعيل نظام «الكوتة» في المجالس التشريعية ويطلقون عليها التمييز الإيجابي.
أو الاستقواء الاجتماعي والثقافي؛ حيث تم تقديم المنح المالية الضخمة
للجمعيات والمراكز الحقوقية النسوية المحلية التي تسعى لخلخلة وتفكيك العائلة،
بدءاً من سياسات الصحة الإنجابية والجنسية، مروراً على الهجوم على الأدوار النمطية
التي توصف بالذكورية أو الأبوية، وفيها يتم الهجوم على العديد من المفاهيم كمفهوم
القوامة أو الولي الشرعي للمرأة أو حتى مفهوم الأمومة الذي تمت مهاجمته بعنف، وتم
اعتباره صورة من التمييز ضد النساء انتهاء بقوانين الزواج والطلاق.
إلا أن أخطر مراحل استقواء المرأة هي الاستقواء الجندري، حيث لا تستقوي
المرأة كجنس، بل كنوع اجتماعي حيث تبنت وثيقة «منهاج عمل بكين» هذه المساواة
الجندرية.
بين المساواة والاستقواء
لو قمنا بتتبع الأجندة الأممية المتعلقة بقضايا المرأة، سنجد أن كل قضية تم
طرحها وإثارتها ارتبطت بمصطلح ملغم تم تدشينه والترويج له، ومثل جزءاً حيوياً من
هذه الأجندة وانعكاساً لما يدور من حراك وجدل بين المنظمات والتجمعات النسوية في
الغرب.
فبعد طرح مصطلح المساواة بمعنى العدالة في الحقوق والواجبات والفرص، وبعد
أن لاقى المصطلح نجاحًا وقبولاً دولياً، أصبحت هذه المساواة ذات معنى خاص، ألا وهو
إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، فأصبح كل اختلاف تمييز ضد المرأة يهدد فكرة
المساواة، ثم تحور مصطلح المساواة ليصبح استقواء مع لغة خطاب تتسم بالعنف، فمقررات
بكين يتم متابعتها كل 5 سنوات ( بكين+ 5، بكين + 10.. بكين + 25).
وخلال هذا العام، من المنتظر أن يتم عقد مؤتمر أممي تحت عنوان «بكين+ 30»،
فمقررات بكين هي منهاج عمل تتم متابعة تنفيذه بدقة وليس شعارات أو عبارات إنشائية،
ومن ثم فمصطلح استقواء المرأة الذي شاع تحت لافتة «تمكين المرأة» وأصبح محوراً من
أهم مقررات مؤتمر بكين أصبح واجب التنفيذ بكل صور القوى الناعمة أو الخشنة.
الأمر المثير للسخرية حقاً أن المصطلح بدلالاته ومسارات عمله تتم محاولات
فرضه على النساء قسراً، فالمرأة التي ترفض فكرة الاستقواء هذه التي لا ترى في كل
اختلاف تمييز ضدها، وتقف ضد فكرة المساواة المطلقة مدافعة عن قراءة أخرى تدور حول
فكرة العدالة والتكامل بين الأدوار، هذه المرأة هي متهمة بأنها ذات وعي منخفض،
محرومة من أن يحدث صوتها أو صياغتها للمصطلحات فارقاً في هذه الأجندة الأممية.