الأدلة العقلية في القرآن الكريم

محمد الحداد

28 يوليو 2025

375

يخطئ الكثيرون في الزعم بأن القرآن الكريم كتاب أدلة نقلية يتبعها من سبق له الإيمان به، وهذا من الخطأ بمكان، فإن القرآن كتاب هداية لجميع البشر، ففيه من البراهين العقلية على وحدانية الخالق ووجوب عبادته واتباع رسله ما تقوم به الحجة على جميع الخلق.

وفي هذا المقال سنستعرض بعضًا من الأدلة العقلية في القرآن الكريم كإشارة يسيرة على هذا المبحث الغني الواسع.

فرادة الخطاب القرآني |  Mugtama
فرادة الخطاب القرآني | Mugtama
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا...
mugtama.com
×

مفهوم الأدلة العقلية في القرآن

الأدلة العقلية في القرآن هي الحجج والبراهين التي يستند إليها الخطاب القرآني لإثبات صحة الإيمان وتثبيته، التي تهدف إلى الاستدلال المنطقي والتفكر في الكون والنفس، فمنها ما هو فطري يناسب العقل البشري السليم دون حاجة إلى تعقيدات فلسفية، ومنها ما هو كوني يستند إلى مشاهدات الكون والطبيعة، ومنها ما هو نفسي يتعلق بتفكر الإنسان في نفسه.

أمثلة من أهم الأدلة العقلية في القرآن

1- دليل الخلق والإبداع (دليل الغائية):

يُعد هذا الدليل من أكثر الأدلة تكراراً في القرآن، حيث يدعو الإنسان إلى النظر في خلق السماوات والأرض، وفي تنوع الكائنات وإتقان صنعها؛ ما يدل على وجود خالق حكيم، وذلك في مثل قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور: 35)، فهذا الاستفهام الإنكاري يوجه العقل إلى استحالة وجود المخلوقات دون خالق، واستحالة أن تكون هي من أوجدت نفسها، فهذا الدليل مما يعتمد على «مبدأ العلة»؛ أي أن كل موجود محدَث لا بد له من محدِث، وكل نظام دقيق لا بد له من مُنظِّم.

2- دليل الاستدلال بالفطرة:

يؤكد القرآن أن دعوته تتفق مع الفطرة الإنسانية السليمة، فالإنسان مفطور على الإقرار بالخالق، والقرآن يذكره بهذه الفطرة ويقيم الحجة بوجودها على وجوب العبادة، وذلك في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم: 30)، وهذا دليل عقلي أصالة، فإن ما يوافق الفطرة هو المقبول في العقل، بخلاف ما يناقضها.

3- دليل الاستدلال بالنفس:

يدعو القرآن إلى النظر في خلق الإنسان نفسه كدليل على القدرة الإلهية، وذلك في مثل قوله تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 21)، فالتفكر في كيفية خلق الإنسان من نطفة، وتنوع أعضائه ووظائفه، وجميع ما خلق الله له من أسباب لوجوده ومعاشه لهو دليل عقلي على وجود خالق عليم حكيم.

ضوابط التعامل العلمي مع القرآن.. والفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي |  Mugtama
ضوابط التعامل العلمي مع القرآن.. والفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي | Mugtama
إن الله عز وجل ميَّز القرآن الكريم الذي يحمل كلمته الأخيرة للبشرية كافة بخصائص لا توجد في غيره
mugtama.com
×

4- دليل الاستدلال بالحقائق الكونية:

يحتوي القرآن على إشارات علمية لم تكن معروفة في زمن نزوله؛ ما يدل على استحالة أن يكون مختلقًا، بل هو باليقين من عند الله عز وجل، وذلك كمثل وصف مراحل خلق الجنين في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً) (المؤمنون)، فهذه الحقائق التي اكتشفها الناس حديثاً تثبت أن القرآن ليس من صنع بشر.

5- دليل الهداية التشريعية:

يقدم القرآن تشريعات عادلة ومتكاملة تصلح لكل زمان ومكان، مما يدل على أنها من عند الله، لأن البشر لا يستطيعون وضع نظام كامل لا يعتريه الخلل، بل هم دائمو التبدل في أنفسهم والاستبدال لتشريعاتهم لإدراكهم عدم صلاحيتها لكل الأوقات والظروف، بخلاف ما كان من عند الله عز وجل، وقد أمر سبحانه من التفكر في كتابه لإدراك صحة الرسالة، وذلك في قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، فهذا التفكر دليل عقلي دامغ على استحالة أن تكون هذه الشريعة من مصدر مختلق، بل هي هدايات اللطيف الخبير لخلقه.

«موسوعة التفسير البلاغي» منارة الإعجاز البياني (1) |  Mugtama
«موسوعة التفسير البلاغي» منارة الإعجاز البياني (1) | Mugtama
  «موسوعةُ التفسيرِ البلاغيِّ» عملٌ علميٌّ ر...
mugtama.com
×

6- دليل الإعجاز البلاغي:

ومن الأدلة العقلية تحدي القرآن للعرب -وهم أفصح الناس- أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88)، وهذا دليل عقلي دامغ، فإن العقل يحكم بأن الكتاب الذي يعجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ولا حتى المحاولة لذلك لا يمكن أن يكون إلا من عند الله تعالى.

وإن هذا المبحث العظيم -مبحث الأدلة العقلية في القرآن- لهو من أعظم طرق إثبات الحقائق الإيمانية، فهو خير لغير المؤمنين لكي يؤمنوا، وللمؤمنين لكي يثبتوا، فما اعتمد عليه القرآن في مخاطبة العقل يدل على أن الإيمان بالله عز وجل أمر مستند إلى الدليل والبرهان، وليس مجرد تقليد أعمى أو عادة موروثة، وصدق الله العظيم إذ يقول في حق أهل الإيمان ممن اهتدوا بهداياته: (كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم: 28)، وكذلك في حق أهل الجحود ممن أقيمت عليهم الحجة بظهور هذه الهدايات لهم: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: 55).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة