الأساس الفكري للعنصرية الصهيونية ضد اليهود والعرب (1 - 4)

تنطلق الصهيونية
من توليفة من الأفكار العلمانية الشاملة التي شاعت في الحضارة الغربية في القرن
التاسع عشر. ولعل أهم هذه الأفكار هو الفكر العنصري أو العرْقي الذي يرى البشر
جميعاً مادة ولذا فالاختلافات بينهم مادية، كامنة في خصائصهم العرْقية والتشريحية،
وأن البشر مادة بشرية يمكن أن تُوظَّف فتكون نافعة ويمكن ألا يكون لها نفع. ومن
هنا تَبرُز أهمية الاختلافات العرْقية (لون الجلد، حجم الرأس.. إلخ) كمعيار
للتفرقة بين البشر. والخصائص الحضارية ورقي شعب ما وتَخلُّفه هو نتيجة صفاته
العرْقية والتشريحية، ومن ثم فتقدُّم أو تَخلُّف شعب مسألة عرْقية متوارثة.
وتنبع الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة من هذا التشكيل العلماني الإمبريالي العرْقي فهي تفترض أن ثمة شعباً عضوياً يحوي داخله خصائصه العرْقية والإثنية. وهذا الشعب غير نافع يمكن نقله إلى أرض خارج أوروبا لتوظيفه لصالحها ليتحول إلى عنصر نافع. وقد استخدمت الصهيونية النظريات العرْقية الغربية لتبرير نقل الشعب العضوي اليهودي المنبوذ من أوروبا ولتبرير إبادة السكان الأصليين ليحل أعضاء هذا الشعب محلهم.
وقد عبَّرت النظرية العرْقية الغربية عن نفسها على مستويين:
أ- داخل أوروبا:
طبَّق منظرو العرْقية النظريات نفسها على شعوب أوروبا وأقلياتها، فاتجه الألمان
إلى وضع الآريين، وخصوصاً التيوتون، على رأس الهرم، كما نجد الإنجليز يضعون العنصر
الأنجلو ساكسوني (الإنجليزي الأمريكي) عند هذه القمة. وقد كان هناك أيضاً من
السلاف من فعل ذلك. وعلى أية حال، فإن الشعوب البيضاء (الشقراء) في الشمال تجيء
على القمة، أما الشعوب الداكنة في الجنوب (الإيطاليون واليونانيون) فكانت توضع في
منتصف الهرم، وفي قاعدة الهرم كان يوضع الغجر واليهود. وقد ظهرت أدبيات عرْقية
معادية لليهود تحاول إثبات عدم انتمائهم لأوروبا وانفصالهم عنها حضارياً أو
عرْقياً كما تحاول إثبات تدنيهم.
ب- خارج أوروبا:
الشعوب الملونة خارج أوروبا هي شعوب متخلفة حضارياً وعرْقياً، على حين أن الرجل
الأبيض متقدم متحضر، الأمر الذي يضع على الإنسان الأبيض عبئاً ثقيلاً ويفرض عليه
أن يغزو بقية العالم ويهزم شعوبها ويبيد أعداداً منهم حتى يتم إدخال الحضارة
عليهم.
وقد تبنَّت
الصهيونية كلا جانبي النظرية العرْقية الغربية، فاستخدمت النظرية العرْقية في
مجالها الأوربي لتفسير ظاهرة نبذ الشعب العضوي اليهودي وضرورة نقله، واستخدمت
النظرية العرْقية في مجالها العالمي لتبرير عملية طرد العرب من بلادهم.
وقد ترجمت العنصرية الصهيونية نفسها إلى شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ولفهم هذا الشعار قد يكون من الأفضل قلبه. فنقول: "شعب [يهودي منبوذ طفيلي لا نفع له في أوروبا لا ينتمي لها لا وطن له فهو] بلا أرض، [ولذا يجب نقله إلى] أرض [لا تاريخ فيها ولا تراث ولا بشر فهي] بلا شعب [وإن وُجد الشعب يمكن إبادته أو طرده من وطنه] ". فكأن الصهيونية تعني عمليتي نَقْل أو ترانسفير: لليهود من أوطانهم أو المنفى إلى فلسطين، وللفلسطينيين العرب من وطنهم فلسطين إلى المنفى. ولذا، فالعنصرية الصهيونية ليست موجَّهة ضد العرب وحسب وإنما ضد أعضاء الجماعات اليهودية أيضاً
العنصرية الصهيونية ضد اليهود
انظر: «العداء
الصهيوني لليهود»، «الرفض الصهيوني لليهودية»، «غزو الدياسبورا»، «الخلاص الجبري»،
«التهجير (الترانسفير) الصهيوني لأعضاء الجماعات اليهودية»، «إرهاب (ترانسفير)
يهود العراق».
الإدراك
الصهيوني للعرب
تهدف نظرية
الحقوق الصهيونية إلى تبرير استيلاء اليهود على الأرض الفلسطينية، الأمر الذي
يتطلب التوصل إلى رؤية للذات الغازية (اليهود)، ورؤية تكميلية للآخر موضوع الغزو
(العرب)، وقد تناولنا رؤية الصهاينة لليهود باعتبارهم شعباً أبيض أو شعباً
مقدَّساً يهودياً خالصاً أو شعباً اشتراكياً تقدمياً (انظر: «الاعتذاريات
الصهيونية العنصرية ونظرية الحقوق اليهودية المطلقة»)، وسنتناول في هذا المدخل
رؤية الصهاينة للعرب.
يُلاحَظ أن
طريقة صياغة الرؤية الصهيونية للعرب تتسم بكثير من سمات الخطاب الصهيوني، ابتداءً
بالإبهام المتعمد وانتهاءً بالتزام الصمت، كما يُلاحَظ تصاعد معدلات التجريد إلى
أن نصل إلى النقطة التي يتحقق فيها النموذج الصهيوني الإدراكي وهي التغييب الكامل
للعرب:
1-
العربي كعضو في الشعوب الشرقية الملونة (تخفيض العربي):
وهذا التصور هو
تصور تكميلي لرؤية اليهود كأعضاء في الحضارة الغربية البيضاء، فالجنس الأبيض هو
موضع القداسة أما الأجناس الأخرى فتقع خارجها، والعربي هو من هذه الأجناس
المتخلفة.
وفي إطار هذا
التصوُّر، يُقدِّم الصهاينة وصفاً للشخصية العربية على أنها شخصية متخلفة، ومثل
هذا الوصف أمر شائع في الاعتذاريات العنصرية وفي أدبيات الاستعمار الأوربي، فالوصف
هنا ليس وصفاً للعربي بقدر ما هو وصف لأي آسيوي أو أفريقي (أو حتى أي أمريكي أسود)
. والاستعمار الصهيوني، في أحد تصوُّراته لنفسه، كان يرى أنه جزء (تابع) لا يتجزأ
من الحركة الإمبريالية الغربية، ومن الهجمة العسكرية الحضارية على الشرق العربي
لإدخال الحضارة والسكك الحديدية والبلاستيك والقنابل.
وقد بلوَّر وايزمان قضية الصراع العربي الصهيوني بالأسلوب نفسه الذي بررت به الحضارة الغربية مشروعها الاستعماري في الأمريكتين وآسيا وأفريقيا. و"إننا ما زلنا نسمع حتى الآن أناساً يقولون: حسناً، ربما كان ما أنجزتموه عظيماً تماماً، ولكن العرب في فلسطين قد ألفوا حياة الدعة والسكينة، وكانوا يركبون الجمال، وكان منظرهم رائعاً، وكانت صورتهم منسجمة مع منظر الطبيعة. فلماذا لا تظل هذه الصورة كما لو كانت متحفاً أو حديقة عامة؟ لقد وفدتم إلى البلاد من الغرب حاملين معرفتكم وإصراركم اليهودي، ولذا فصورتكم لا تنسجم مع مناظر الطبيعة. إنكم تجففون المستنقعات، وتقضون على الملاريا بطريقة تؤدي إلى انتقال البعوض إلى القرى العربية. إنكم ما زلتم تتحدثون العبرية بلكنة سقيمة ولم تتعلَّموا حتى الآن كيف تستخدمون المحراث بطريقة سليمة، وتستخدمون بدلاً من الجمل سيارة. ومن جهة أخرى فإن هذا يُذكِّر المرء بالصراع الأبدي بين الجمود من جهة والتقدم والكفاءة والصحة والتعليم من جهة أخرى. إنها الصحراء ضد المدنية".
ولم يكن من الضروري في هذا الإطار الاستعماري العرْقي القيام بأية دراسة دقيقة للضحية، وإنما كان يُكتفَى بالحديث عن مدى تَقدُّم الحضارة الغربية، ومدى تَقدُّم الإنسان الأبيض، كما كان يُكتفَى بالإشارة إلى تخلُّف الإنسان غير الأبيض (سواء كان أسود أو أصفر أو أسمر) . فالأمور كانت واضحة للعيان، ومن هنا كانت هذه الأوصاف أوصافاً عمومية لا تُركِّز على السمات المتعيِّنة للضحية. وعلى أية حال، فإن أي تفكير عنصري لابد أن يتسم بهذا التعميم والتجريد والانتقاء، وإلا وجد نفسه أمام وجود متعين محسوس له قداسته وله قيمته الإنسانية والحضارية المحددة، وله كيانه الخاص، الأمر الذي يجعل من العسير تَقبُّل الاعتذاريات التي تُسوِّغ استغلاله أو إبادته.
وصورة العربي
المتخلف صورة مهمة في الأدبيات الصهيونية. فقد لاحظ المفكر الصهيوني آحاد هعام سنة
1891م أن المستوطنين الصهاينة يعاملون العرب باحتقار وقسوة، وينظرون إليهم
باعتبارهم متوحشين صحراويين، وعلى أنهم شعب يشبه الحمير، لا يرون ولا يفهمون شيئاً
مما يدور حولهم. كما لاحظ أحد الرواد الصهاينة في أوائل القرن أن الصهاينة يعاملون
العرب كما يعامل الأوربيون السود. وأما أهارون أرونسون (1876، 1919) أحد زعماء
المستوطنين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فقد حذر الرواد
الصهاينة من أن يقطنوا بجوار الفلاح العربي القذر الجاهل الذي تتحكم فيه الخرافات،
وأكد لهم أن كل العرب مرتشون.
______________________
المصدر: كتاب
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - الجزء الثالث: العنصرية والإرهاب الصهيونيان.