الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»

محمد العبدالله

12 سبتمبر 2025

369

منذ نهايات القرن الـ19، ظهر ما يعرف بـ«الحركة النسوية»؛ التي اتخذت أشكالاً تنظيمية، تطورت تدريجياً على شكل منظمات وهيئات محلية وإقليمية وعالمية، تعاونت فيما بينها، لبلورة مبادئها وفرض أجندتها.

هذا التحدي جعل المجتمع المسلم في مواجهة تيارات مشبوهة بكل أفكارها الملغومة، حيث ظهر ما يعرف بـ«النسوية الإسلامية»، التي حاولت أن تواجه نسوية الغرب بأصول شرعية، وأن تقدم قضايا المرأة بثوب ديني في محاولة منها لتفريغ النسوية الغربية من مضمونها.

«المجتمع» تحاورت مع د. رولا محمود الحيت، الأكاديمية بجامعة البترا الأردنية، المتخصصة في قضايا المرأة، حول عدد من القضايا.

  • كثيراً ما يُستعمل مصطلح «النسوية الإسلامية» وكأنه مفهوم مُسَلَّم به، ما الذي نعنيه تحديداً بهذا المصطلح؟ هل هو مدرسة فكرية لها ملامح واضحة، أم محاولة لتطعيم النسوية الغربية بعبارات دينية لزيادة تقبّلها؟

- المحاولات العلمية لتعريف «النسوية الإسلامية» قليلة، وسبب ذلك حداثة التيار وقلة المؤلفات فيه، فالنسوية الإسلامية ليست تياراً موحداً، بل تضم توجهات متعددة، تشترك في الهدف العام وهو رفع الظلم عن المرأة، كما تراه النسويات، من خلال إعادة قراءة النصوص الدينية من منظور نسوي.

وهذا التيار يحاول إعادة قراءة التراث الفقهي والتفسيري التقليدي بهدف معالجة قضايا المرأة المعاصرة.

  • تاريخياً، متى بدأ تداول فكرة «النسوية الإسلامية»؟ وهل يمكن اعتبارها امتداداً طبيعياً لحركات إصلاحية تراثية، أم أنها انعكاس لضغط السياقات الغربية لعودة تشكيل النقاش حول المرأة والحقوق الدينية؟

- هذه الحركة لم تنشأ من داخل التراث الإسلامي، وإنما كانت ثمرة تفاعل مع النسوية الغربية ضمن تسلسل تاريخي، مرّ بـ3 مراحل:

الأولى: جذور فكرية من التفاعل مع النسوية الغربية، في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث بدأ التفاعل مع بروز تيارات نسوية عالمية تسعى لإعادة قراءة الأديان من منظور جندري؛ أي تحقيق المساواة بين الجنسين.

الانتقاص من حقوق المرأة ليس بسبب الإسلام بل سلوكيات مجتمعية خاطئة

الثانية: في أواخر القرن الماضي، حيث بدأت النسوية الإسلامية تتبلور كمشروع مؤسساتي منظم.

الثالثة: الامتداد في المجال الأكاديمي والحقوقي، منذ أوائل الألفية الثالثة، مع تغلغل المشروع في الجامعات ومنظمات المجتمع المدني.

  • حين نذكر رواد «النسوية الإسلامية» تطفو أسماء محدودة في المجال الأكاديمي والفكري، هل يمكن أن نتحدث فعلاً عن تيار منظم، أم أننا أمام مبادرات فردية حاولت منح نفسها غطاءً شرعياً؟

- يرى بعض النقاد أن النسوية الإسلامية تستخدم الأطر الفكرية والمنهجية الغربية، مثل النقد التاريخي للنصوص أو تحليل الخطاب، لتفسير النصوص الدينية، وهو ما يجعلها أقرب إلى انعكاس لتلك الأطر منها إلى نتاج فكري مستقل تماماً.

لكن النسوية الإسلامية تستمد قوتها من المبادئ الإسلامية الأساسية، وفي الوقت نفسه تتفاعل مع الأطر الفكرية الحديثة.

  • في صلب خطاب النسوية الإسلامية نجد تركيزاً على إعادة قراءة بعض القضايا الكبرى، مثل: الميراث، والقوامة، والتعدد، والشهادة، هل هذه القراءات تمثل اجتهاداً تراثياً أصيلاً، أم أنها انتقائية؟

- الحديث في هذه الموضوعات يعتمد على كيفية طرحها، فأنا كمسلم ينبغي لي أن ألتزم بضوابط شريعتي الإسلامية وأصولها، وكوني متخصصة في قضايا الأسرة والمرأة، فإنني لم أجد ما يدل في نصوص القرآن أو السُّنة ما يدل على انتقاص المرأة أو ظلمها، بل على العكس تماماً تجد مثلاً أنه في بعض حالات الميراث لا يكون من نصيب الرجل، بينما نصيب المرأة يكون واجب الأداء.

  • هناك من يرى أن النسوية الإسلامية محاولة للتوفيق بين قيم الحداثة الغربية ومقاصد الشريعة، هل هذا دقيق، أم أن الفجوة بين المرجعيتين أكبر؟

- لا يمكن لأجل الاختلافات أن نلوي عنق النصوص التشريعية لاستيعاب الطرف الآخر، فهذا هو الانسلاخ بعينه من ثقافتنا وديننا الأصيل، فلا يجوز أن نضرب بعرض الحائط علماً عظيماً مثل علم الميراث الإسلامي الذي تكفل الله عز وجل بحفظه، وهو علم ما زالت حتى بعض الطوائف المسيحية تستأنس به في توزيع الميراث.

  • أي مناهج أو أدوات تأويلية توظفها النسويات الإسلاميات في قراءتهن للنصوص؟ وهل يمكن القول: إنهن يقرأن النص بعيون غربية ثم يضفن غطاءً إسلامياً؟

- النسوية الإسلامية إذا كانت تحاول فرض مفاهيم غربية على النصوص الإسلامية ثم تضفي عليها غطاء دينياً لتكون مقبولة في المجتمعات المسلمة، فهذا النهج يقوّض الأصالة الإسلامية، ويجعل من النص أداة لتحقيق أجندة خارجية.

النسوية الإسلامية ليست حركة اجتماعية واسعة لانفصالها عن قضايا الشارع

أما إذا نظرنا بمنظور آخر، بأن التأثر بأفكار من ثقافات أخرى هو جزء طبيعي من التفاعل الفكري الإنساني، فهذا الأمر صحيح، والله تعالى جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف.

  • كيف ينظر العلماء والفقهاء التقليديون إلى هذا التيار؟ وهل وُجِدت في التراث الإسلامي الكلاسيكي أصوات نسائية أو اجتهادات يمكن اعتبارها جذوراً بدائية لنسوية إسلامية؟

- ينظر العديد من العلماء والفقهاء إلى النسوية الإسلامية بتحفظ وشك، وأحياناً برفض صريح، تتمركز نظرتهم حول عدة محاور رئيسة، كمخالفة الأصول الشرعية، وتأثير التيارات الغربية، والتشكيك في الأهلية، وأن من يتبنى هذا الطرح من النساء لا يمتلكن الأدوات العلمية الكافية، مثل أصول الفقه وغيره.. أما في تراثنا نجد نماذج نسائية كان لهن تأثير كبير في المجتمع، مثل:

1- الفقيهات والمحدثات: السيدة عائشة؛ كانت من أكثر الصحابة رواية للحديث، وكان الصحابة والتابعون يرجعون إليها في المسائل الفقهية، وغيرها، وعدد كبير من النساء اللاتي برعن في رواية الحديث، مثل كريمة المروزية، من أشهر رواة صحيح البخاري.

2- الدور الاجتماعي والسياسي: السيدة خديجة؛ أول من آمنت بالرسول صلى الله عليه وسلم، ودعمته مادياً ومعنوياً في أصعب الأوقات، وكذلك المرأة في عهد الخلفاء الراشدين، كان لها دور في البيعة والمشاركة في الحياة العامة، وكانت المرأة مستشارة ومسموعة الرأي، مثل دور أم سلمة في صلح الحديبية.

  • في السياق الاجتماعي، هل تعكس النسوية الإسلامية فعلاً أزمة في عدالة توزيع الحقوق داخل مجتمعاتنا، أم أنها تضخم مشكلات محدودة وتستدعي خطاباً لا ينسجم مع واقع المرأة؟

- المرأة ما زالت تعاني من أزمة توزيع الحقوق، لكن الخلل في هذه الأزمة ليس سببها الدين الإسلامي، بل تصرفات مجتمعية خاطئة، فالتحديات التي تواجه المرأة المسلمة في قضايا مثل الميراث والزواج، وغيرها، غالباً ما يكون الخلل في طريقة تقديم النص وفهمه.

  • أين تقف النسوية الإسلامية بين مطالب مشروعة كتحسين التعليم والعمل وحماية المرأة من العنف، وأطروحات تتصادم مع نصوص قطعية؟ وكيف يمكن التمييز بين الاثنين؟

- تتفق غالبية تيارات النسوية الإسلامية مع العديد من المطالب التي لا تتعارض مع المبادئ الإسلامية الأساسية، بل في كثير من الأحيان تدعمها.

ندعو الحركات النسوية إلى البحث عن نقاط التقاء مع الثقافة الإسلامية

وتركز مطالبها على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق ضمن الإطار الإسلامي، وتشمل: تحسين التعليم، وتسهيل العمل، وحماية المرأة من العنف.. وغيرها.

أما الأطروحات التي غالباً مستمدة من الفكر النسوي الغربي، فتشمل: مساواة المطلقة في الإرث، والمساواة في القوامة، وإلغاء تعدد الزوجات، وإلغاء الحجاب.

فالنسوية المشروعة هي التي تلتزم بحدود النصوص القرآنية والسُّنة النبوية، أما النسوية التي تتصادم بشكل مباشر مع الأصول القطعية وتتبنى أطروحات لا سند لها شرعاً، فإنها تدخل في منطقة جدلية واسعة.

  • هناك من يرى أن النسوية الإسلامية بقيت حبيسة النخب الأكاديمية، ولم تتحول إلى حركة اجتماعية واسعة التأثير، ما تفسير ذلك؟

- أحد التفسيرات الرئيسة لعدم تحول النسوية الإسلامية إلى حركة اجتماعية واسعة هو انفصالها عن قضايا الشارع، ففي كثير من الأحيان، تظهر أطروحات النسوية الإسلامية معقدة ونخبوية.

  • هل يمكن أن نميّز بين نسوية إسلامية معتدلة تحاول العمل ضمن المرجعية الشرعية، ونسوية راديكالية تعيد تأويل النصوص جذرياً؟ وكيف يمكن تصنيف التيارات المختلفة؟

- بالاطّلاع على أدبيات هذه الحركات النسوية، نجد فارقاً يدعونا الإنصاف إلى ذكره؛ وهو أن النسوية المعتدلة لا ترفض النص الديني من الناحية النظرية، ولكنها تسعى إلى تأويله بما ينسجم مع ما تراه حقوقاً للمرأة، وأما الاتجاه الراديكالي فله موقف سلبي من الدين، وعند تطبيق التفكير النقدي في التعامل مع الحركات النسوية بشقيها، في المقابل الرؤية القرآنية تنطلق من التكامل لا الصراع وأن كلاً منهما زوج للآخر يكمله ويعينه.

  • في النهاية، ما السبيل الأنسب للتعامل مع هذا التيار؛ المواجهة والرفض، أم الحوار والنقد التفصيلي؟

- الاستفادة من الخبرات الإنسانية ضروري، وطالما أن الاستفادة من بعض مواثيق حقوق الإنسان بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة فلا مانع من الاستفادة منه، وهذه الفكرة تستند إلى قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد؛ ولذلك، ندعو الحركات النسوية إلى البحث عن نقاط التقاء مع الثقافة الإسلامية، بدلاً من التركيز على القضايا الخلافية التي تثير الصراع.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة