الأمهات ووسائل التواصل الاجتماعي.. المكاسب والخسائر

نجلاء محفوظ

10 أكتوبر 2022

33

 

تقضي معظم الأمهات، من مختلف الأعمار، بالعالم أجمع أوقاتًا يوميًا لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي.

تتباين الأسباب وتختلف مدة المتابعات وتصنع البعض خسائرهن بأيديهن وتفوز القليلات بالمكاسب ليس لصعوبة ذلك، ولكن لعدم الانتباه للخسائر.  

ليس عبئًا

يتردد كثيراً بوسائل التواصل أن الأم تُضيع صحتها وعمرها في الاهتمام بأولادها ولا تستمتع بحياتها! وكأن المفترض أن تنجبهم وتهملهم!

الاهتمام بالأبناء حق لهم وليس عبئًا على الأم، متى اعتدلت ولم تبالغ بالخوف عليهم واستعانت بالله تعالى ثم أحسنت التعامل مع أولادها بلا إفراط ولا تفريط بالاهتمام.

سيعود حسن تنشئة الأبناء بالخير على الأم بالدنيا والآخرة، ففي الحديث الشريف: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".

وفي الدنيا ستجني ثمار رعاية أولادها وتفرح بنجاحاتهم وبشخصياتهم السوية.

فلتزرع كل أم بعقلها وقلبها أنها تستطيع بمشيئة الله الجمع بين أداء دورها كأم بأحسن ما يمكنها والاستمتاع بحياتها والاحتفاظ بصحتها جيدة بتناول الطعام الصحي والاحتفاظ بالرشاقة والإكثار من الحركة، فمخاصمة ذلك يتسبب بالأمراض وليس رعاية الأبناء التي مهما بذلت الأم من مجهود فيها فمع الراحة الجسدية سيزول التعب وسيتبقى الثواب والفرح بالنتائج الناجحة التي ستنير عمرها وأعمار أولادها.

امنعي الضرر

من المنشورات المسمومة التحريض على الأب وتصويره وكأنه إنسان كسول بلا دور، وكأن عمله وتحمله لمسؤولياته المادية رحلة بها كل الرفاهيات، بينما الأم تعاني وحدها من ثقل المسؤوليات، وحتى مرافقة الصغار للنوادي للتدريب على الألعاب الرياضية قامت معظم منشورات التواصل بتحويله لعبء بشع يُلقيه الأب، وأحياناً المجتمع، على كاهل الأم المسكينة!

لا نرى معاناة في الذهاب لنادٍ، حيث فرصة الاستجمام والاستمتاع بجمال المكان وتكوين صداقات مع أمهات بينما يتدرب الصغار، لكنها كثرة الإلحاح وكما يقول المثل: "الزن على الودان أمرّ من السحر"، والمؤكد أن من تقبل فقط بمواصلة الاستماع إلى الزن هي التي تقوم بإقناع نفسها بما يريدون.

تصنع خسائرها بيدها من تستمع لقول مثل: "لا ترهقي نفسك في الأمومة، فالأبناء سيعيشون حياتهم وسينسون ما فعلته من أجلهم مستقبلًا"، وكأنها أجيرة عند أولادها، وكأنها تنتظر الأجر منهم، وكأن رضا الله عنها لا يكفيها، ثم فرحتها بنجاح أولادها دينيًا ودنيويًا لا يرضيها.

مبالغات وادعاءات

تكثر في "جروبات" الأمهات الشكاوى من أمور عادية جداً وتضخيمها، فتتسلل المبالغات في عقول بعض الأمهات وتثقل عليها أداء المهام العادية كأم، وتؤذيها أيضاً ادعاء بعض الأمهات المثالية وعدم الوقوع بأي أخطاء في تربية الأبناء، ولا أحد بالكون مثالي والجميع يخطئ والأذكياء يتراجعون ولا يكررون الأخطاء.

نرى ذلك بالواقع، ولكن ليس بالتكثيف بوسائل التواصل التي تشكل ضغوطاً على الأمهات خاصة صغيرات السن، أما الكبيرات فلهن نصيبهن من الإيذاء من المبالغة بنشر قصص جحود عقوق الأبناء -من الجنسين- والتحسر على ضياع الأعمار في تربية الأبناء، والإكثار من نشر حكايات مُبالغ بها وغير واقعية عن العقوق والغدر بالأمهات والآباء بعد تقدمهم بالعمر، فيوغر صدر الأمهات ضد الأبناء ومع تكرار قراءة هذه المنشورات يتسلل شعور بالمرارة وبالغضب وأحياناً بلا جدوى من تربية الأطفال.

لا ننكر العقوق ولا نهوّن من توابعه البغيضة، حمى الله الجميع منه، وننبه لتجنب امتصاص هذه المنشورات السلبية وغيرها والاستعانة بالله ليهدينا جميعاً سبل حماية أولادنا وبناتنا من العقوق ثم الأخذ بكل الأسباب بطمأنينة وحسن ظن بالله القائل في كتابه العزيز: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: 30).

تذكري دائماً

نهمس للأمهات بأهمية ترك المساحة للأبناء وللبنات على وسائل التواصل وتقليل التعليقات لديهم، وتجنب الانتقادات لهم عليها ولو كانت مزاحاً، فتسبب لهم الإحراج من أصحابهم وتعرضهم للتنمر، وتؤثر بالسلب على علاقتهم بالأمهات، وتقليل مدحهم عليها فلها نفس التأثير الضار، والامتناع عن طلب صداقة صديقات البنات على وسائل التواصل.

وفي "الجروبات" الخاصة بالعائلة، فلنتجنب ذكر الأمور الخاصة بالأبناء، وكذلك على صفحة الأم واحترام الخصوصية.

الخسارة الأكبر عندما تكتب أُم عن مشكلة مع ابنها على وسائل التواصل وهي غاضبة، فتأتي معظم الردود مغلفة بالتعاطف الزائد وبالمجاملات الضارة، فتحرض الأم على ابنها وتصوره بأسوأ صورة، والأبشع قول: كل أبناء جيله هكذا! فيزرع اليأس من الإصلاح داخل عقل وقلب الأم، فيعقبه حسرة وغضب يؤلمها ويحرمها من التصرف بهدوء وبحكمة.

ننبه للتأثير الضار لوسائل التواصل على صورة الأم لنفسها عند مقارنة نفسها بالأمهات من المشاهير وغيرهن، وتصدق كلامهن المبالغ به عن العلاقة الرائعة التي تربطهن بأولادهن وكيف لا يطيقون رؤيتها تتألم بسبب أي تصرف منهم وينفذون أوامرها حتى لا تحزن، وهو كلام يكذبه الواقع.

ولترفض التأثر السلبي بالاهتمام الزائد بالنفس ببعض الأمهات من المشاهير ومقارنة الأم نفسها بهن فتشعر بالحسرة، والأذكى المسارعة بتعويض نفسها عما فاتها من الاهتمام بالنفس بلا مبالغة وبعيداً عن روح التنافس مع الأخريات.

لا تحرمي نفسك

من الخسائر، تضييع الوقت واستبدال الهوايات بوسائل التواصل، الأولى تخفف من الضغوط وتمنح من تمارسها شعورًا جميلًا بالارتياح وبالرضا عن النفس وبالترويح عنها والفرح بالإنجاز إن كانت الهواية تخص أعمالًا يدوية وتخفف من التوتر وتسعد صاحبتها بما أنتجته، وكذلك ممارسة الرياضة البدنية والمشي تحسن الحالة المزاجية وتفيد الصحة النفسية والجسدية.

يحرم تخصيص وقت الهوايات لوسائل التواصل الأم من فوائد الهوايات ويزيد ضغوطها النفسية، فأكثر منشورات وسائل التواصل سلبي.

من مكاسب وسائل التواصل للأمهات متابعة الجديد لدى الأجيال التي تؤثر على الأبناء وفهمهم أفضل، والجديد في العالم وفي المجتمع، وتطوير النفس بمتابعة الصفحات المفيدة نفسيًا وتنمية المهارات والاهتمام بالمظهر والرشاقة وتعلم أكلات جديدة وتحسين جودة الحياة.

 

 

 

 

 

 

_______________________________________

(*) كاتبة وخبيرة في التنمية الذاتية، نائبة رئيس تحرير "الأهرام".


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة