الاعترافات الغربية بدولة فلسطين.. انتصار للحق أم تصفية للقضية؟

جمال خطاب

24 سبتمبر 2025

60

يقول د. منير البرش: إن الاعتراف بدولة فلسطين بينما الإبادة مستمرة، يشبه طبيبًا في غرفة العمليات، يتأكد من هوية المريض في الملف، لكنه يتركه ينزف حتى الموت دون أن يوقف النزيف.

هل توالي الاعترافات الغربية بدولة فلسطين يقع انتصارًا للحق الفلسطيني، أم أنه خطوة مدروسة تهدف إلى إنقاذ المشروع الصهيوني من الانهيار؟

هل ينبع اعتراف فرنسا، التي لم تعتذر عن جريمة استعمارية واحدة، وبريطانيا «وعد بلفور» يعبر عن صحوة ضمير غربية، أم أنه جزء من خطة استعمارية غربية يعاد تنفيذها كلما وقع «كيانهم المدلل» في مأزق، وكلما اشتدت المقاومة؟

هل أفاقت نخبة الغرب الحاكمة والمتحكمة فجأة؟ الغرب، الذي أسس الكيان الصهيوني، ولم يتوقف يوماً عن دعمه سياسيًا وعسكريًا وماليًا، لا يمكن أن يتحول فجأة إلى راعٍ للحقوق الفلسطينية، هذا ما يمليه علينا المنطق والعقل حتى لا نبتلع نفس الطعم الذي يبلعوننا إياه في كل مرة، هؤلاء هم الذين يقول فيهم الله: (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ) (الأنفال: 56).

صحيح أن انقلاباً قد وقع في الرأي العالم الأوروبي والأمريكي، وهذا من بركات «طوفان الأقصى»، فالمظاهرات في لندن وباريس وبرلين وروما ومدريد بمئات الألوف لا تتوقف، ولكنها لا تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين بقدر ما تطالب بإيقاف المذابح.

وفضلاً عن المظاهرات العارمة في الجامعات الأمريكية رغم القمع، فإن أكثر من 60% من الشباب كفروا بالرواية الصهيونية الزائفة وأعلنوا تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، حسب استطلاع لمعهد «بيو» للأبحاث.

وهذا ما دفع تلك الدول للعودة إلى لعبة حل الدولتين، بدلاً من التركيز على إيقاف المجازر والمجاعة المروعة التي يتعرض لها أطفال ونساء وشيوخ غزة، ثم أين ستقام الدولة الفلسطينية المزعومة؟!

الأرض الفلسطينية التي يزعم أن الدولة يمكن أن تقوم عليها بها لا تمثل سوى أقل من 16% من فلسطين التاريخية، وهم يتحدثون عن دولة بلا سيادة ومحاصرة من كل الجهات، بلا موارد ولا حدود، ولا قرار سياسي أو اقتصادي، وحتى هذه الدولة الممسوخة لا يستطيعون إقامتها، فالموقف الصهيوني الرسمي، كما تعكسه تصريحات كبار المسؤولين وقرارات الكنيست، هو الرفض القاطع لأي دولة فلسطينية ذات سيادة، وهذا جزء من إستراتيجية طويلة الأمد لتكريس السيطرة على الأرض، ومنع أي كيان فلسطيني مستقل.  

فقد صوت الكنيست «الإسرائيلي» في يوليو 2024م لصالح قرار رسمي يرفض إقامة دولة فلسطينية.

وصرح مكتب نتنياهو أن رئيس الوزراء تصرَّف ويتصرف ضد إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض أمن «إسرائيل» للخطر.

وتصريحات وزير الشتات عميحاي شيكلي، وبن غفير وزير الأمن، وسموتريتش وزير المالية، في هذا الشأن أكثر من أن تذكر.

فلماذا إذًا يسارع الغرب إلى الاعتراف بها الآن؟

هذه محاولة أخرى لإنقاذ الكيان من الهزائم التي حلت به منذ منّ الله علينا بـ«طوفان الأقصى»؛ هزائمه السياسية، والأخلاقية، والاقتصادية، وحتى العسكرية، فلا شك أن صورة الكيان أمام العالم قد زلزلت، وتراجع الدعم الشعبي في الغرب نفسه، وفي الداخل بدأت ملامح التفكك تظهر بوضوح، متمثلة في تصاعد الهجرة لخارج الكيان، وفي الانقسامات السياسية بين المتدينين الحريديم والعلمانيين.

يحاول الاعتراف بدولة فلسطينية تحقيق عدة أهداف، أهمها:

  • إخماد الغضب الشعبي في الغرب، حيث تتزايد المظاهرات المؤيدة لفلسطين، فيُقال للجماهير: لقد استجبنا، فلتتوقفوا
  • إعادة تأهيل صورة الكيان أمام الرأي العام العالمي، من خلال تقديمه كطرف «متعاون» في عملية السلام.
  • تدوير السلطة الفلسطينية وإعادة تقديمها كممثل شرعي وحيد! للشعب الفلسطيني، ومعلوم أن الهدف هو خدمة الاحتلال وشيطنة المقاومة.
  • إطفاء غضب الشعوب العربية وخصوصاً تلك التي ترتبط دولها بالتطبيع مع الكيان على غير رغبة الشعوب.

هذه مسرحية تم تمثيلها كثيراً على الفلسطينيين منذ ثورة عام 1936م، وأنتجت كثيراً من الثمار المرة ابتداء من «نكبة» عام 1948م التي صورت على أنها دولتان؛ عربية و«إسرائيلية»، حسب قرار التقسيم (181)، حتى «أوسلو» مروراً بـ«كامب ديفيد»، وغيرها، فهل نبتلع الطعم مرة أخرى؟! وهل نلدغ من نفس الجحر للمرة الألف؟!

الاعتراف بدولة فلسطين ليس انتصارًا، بل محاولة لتصفية القضية، وتثبيت واقع الاحتلال، وتجميل صورته أمام العالم، علينا أن نعي ما يحاك، وأن نُدرك أن التحرير لم ولن يأتي من بوابات الغرب، بل من صحوة الشعوب وإرادتها وصمودها.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة