الاقتصاد المؤسساتي.. وكيف يحقق الرخاء الاقتصادي؟

لماذا يحصل بضع مئات الملايين -فقط- من البشر حول العالم على دخل مرتفع للفرد، بينما يعيش المليارات من سكان العالم في مجاعات، أو بالقرب من خط الفقر؟! وما أسباب إخفاق مشروعات التنمية الخاصة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ إذ بالرغم من حسن النوايا، فإن هذه المشروعات لا تحقق التنمية المستدامة، وإنما تعمل على خفض مستوى الفقراء؟

يهتم الاقتصاد المؤسساتي بتلك الأسئلة والعديد من الأسئلة الأخرى المشابهة، ولا يدعي إمكانية الإجابة الكاملة عن تلك التساؤلات، ولكن يعمل على تناول تلك التساؤلات من وجهة نظر أشمل من الاقتصاد التقليدي.

إن الفرضية الأساسية في الاقتصاد المؤسساتي تنص على ما يلي:

يعتمد النمو والتنمية -بدرجة كبيرة- على المؤسسات القائمة، ويرتبط الاستعداد والقدرة على التخصص والتقسيم الأفضل للعمل، والاستثمار في السلع الرأسمالية المعمرة في الأساس بالحفاظ على حقوق الملكية، حيث تمثل حقوق الملكية مكوناً رئيساً من المؤسسات.

وقد أشار دوغلاس نورث، الحاصل على جائزة «نوبل» عام 1993م، عن أعماله المتفردة في مجال الاقتصاد المؤسّساتي إلى أن عدم قدرة المجتمعات على تطوير آليات مؤثرة وقليلة التكلفة لتنفيذ العقود يُعد من أهم أسباب الركود على مر التاريخ وتأخر العالم الثالث.

وقد طرح منصور أولسون، وهو أحد علماء الاقتصاد المؤسساتي، سؤالاً عن سبب غنى بعض الأمم وفقر أمم أخرى (1996م)، وبعد اختباره للعوامل المسببة لذلك (مثل الاختلافات في الوصول للمعرفة، والاختلافات في الوصول لأسواق رأس المال، والاختلافات في القدرات السوقية للموارد البشرية.. إلخ)، انتهى إلى استنتاج أن تلك العوامل غير مقنعة.

وأشار إلى أن التفسير المنطقي الوحيد المتبقي لظاهرة الاختلافات الكبيرة في مستويات الرخاء بين الأمم يتلخص في اختلاف جودة وكفاءة مؤسساتها.



وقد يتعجب غير المتخصصين في الاقتصاد -على وجه الخصوص- من أهمية المؤسسات وتأثيرها على الرخاء الاقتصادي، بل ويكون من الصعب عليهم فهم سبب استخدام هذا الاتجاه البحثي المتخصص لهذه الفرضية كأساس للبحث، والسبب أن هذه الفرضية ليست بديهية بأي حال من الأحوال داخل النظرية الاقتصادية.

فقد حاول ممثلو نظرية النمو، على سبيل المثال، شرح النمو الاقتصادي دون الاستناد إلى المؤسسات (أي بالاعتماد على ما تملكه الدول من عوامل: العمل، ورأس المال، والموارد البشرية).

مؤخراً، فقد بدأ عدد العلماء المهتمين بدور المؤسسات في التنمية الاقتصادية في التزايد، وقد اتسع عددهم ليشمل منهم دوغلاس نورث الحاصل على جائزة «نوبل»، وأيضاً كينيث أرو، ورونالد كوز، وفريدريك هايك، وهيربرت سايمن.. ويعد ذلك مؤشراً على أن الاقتصاد المؤسساتي غدا أكثر من كونه مدخلاً هامشياً.

إن كتاب ستيفان فويت «الاقتصاد المؤسساتي» ليس خاصاً بالطالب دارس الاقتصاد فقط، وإنما يتوجه -أيضاً- لقطاع عريض من القراء.

هذا الكتاب الصغير لا يستطيع إلا أن يفتح الشهية لاهتمام أكثر تعمقاً بالاقتصاد المؤسساتي الحديث.

يقول ستيفان: بينما ينحصر اهتمام الكتب التعليمية التقليدية على العرض المعرفي المتحذلق للمادة العلمية المؤكدة (بدرجة من الدرجات)، فنحن -في المقابل- لا نسعى هنا إلى تعظيم المعرفة المحدودة التي تتوفر عن عمل وتأثير المؤسسات، ولذلك تحتوي فصول الكتاب على قسم يطرح الأسئلة المفتوحة، ولم نطرح تلك الأسئلة للتنشيط الذهني فقط، ولكن أيضاً لتشجيع القرّاء على الاهتمام بالبحث في تلك المجالات.

ويؤكد ستيفان أن الكتاب قد أدى الغرض المنشود، إذ أسهم في إقناع القارئ بأن الاقتصاد المؤسساتي برنامج بحثي في غاية التشويق، وعندما ننظر إلى كثرة تكرار الاقتباس من نصوص الاقتصاد المؤسساتي حالياً، نستطيع اعتبار الاقتصاد المؤسساتي ناجحاً بلا شك.



__________________

للتواصل: zrommany3@gmail.com.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة