البابا الجديد والموقف من غزة


 

بعد مرور عامين كاملين على الحرب المسعورة التي يشنها الاحتلال «الإسرائيلي» على قطاع غزة؛ واستخدام كل وسائل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؛ وهذا الموقف المتخاذل من الدول العربية والإسلامية؛ ينظر العالم إلى موقف بابا الفاتيكان الجديد، لعل هذه الدولة الصغيرة يكون لها أثر كبير على أتباعها الذين يبلغ عددهم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون إنسان، لكي يمارسوا الضغط على حكوماتهم للعمل على إيقاف هذه الحرب اللعينة؛ وإدخال المساعدات للشعب الفلسطيني.

الأمريكي روبرت بريفوست أو البابا ليو الرابع عشر الذي يبلغ من العمر69 عاماً، هو البابا رقم (267) للكنيسة الكاثوليكية، وهو أول بابا أمريكي لكنيسة الكاثوليك في العالم، ويخلف البابا الراحل فرنسيس الذي كان أول بابا من أمريكا اللاتينية.

يمكن فهم موقف بابا الفاتيكان من القضية الفلسطينية عندما نعلم أن التناقض كان قائماً بين الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل عام 1897م والعقيدة الكاثوليكية بمركزها الديني في الفاتيكان، حيث أكد ذلك البابا بيوس العاشر في لقائه مع الزعيم الصهيوني هرتزل عام 1904م؛ عندما أعلن البابا معارضته للحركة الصهيونية وهجرة اليهود إلى فلسطين، ثم اعترضت الكنيسة الكاثوليكية على «وعد بلفور» عام 1917م.

العدالة الاجتماعية

اختار بريفوست، البابا المنتخب الجديد، اسم «ليو الرابع عشر»، وهو اختيار يقول الخبراء عنه: إن الاسم يشير إلى العدالة الاجتماعية، التي ينوى البابا منحها خلال فترة بابويته على نهج «ليو الثالث عشر»، وهو البابا الذي تولى الكنيسة الكاثوليكية من عام 1878 إلى عام 1903م، واشتهر باهتمامه بالعدالة الاجتماعية وحقوق العمال، حيث إنه كان من أكثر المنتقدين للرأسمالية الاقتصادية وشكل عقيدة اقتصادية كاثوليكية مميزة.

العالم ينتظر من البابا الجديد السير على خطى البابا فرنسيس الذي كان له دور بارز في دعم القضية الفلسطينية، واعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية، واستمر إلى الساعات الأخيرة من حياته داعياً إلى وقف الحرب «الإسرائيلية» على قطاع غزة وصناعة مستقبل يسوده السلام.

والآن، على المستوى العالمي، أصبح الموقف من غزة بارومتراً تقاس به مدى إنسانية الإنسان؛ حيث إنه لم يعد الحق الفلسطيني خافياً على أحد؛ والجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان المحتل، وبلغت حد الإبادة الجماعية في وضح النهار، وتُبث حية على الهواء.

لذلك، ينبغي للبابا ليو أن يتخذ موقفاً واضحاً أمام رعيته؛ بل أمام العالم بأسره؛ وهو على عرش دولة الفاتيكان التي بنيت على ضحايا العنف التي اقترفها الروم بحق أتباع السيد المسيح عليه السلام؛ ليصل بدعوته إلى إحلال السلام في المنطقة.

إن الشعوب الغربية التي دفعت ثمن حريتها بدماء ملايين من الضحايا في الثورة الفرنسية والحرب العالمية الثانية؛ تنظر بألم للوجع الذي يشعر به سكان غزة؛ ما حداها أن ترسل أبناءها في سفن صغيرة تمخر عباب البحار لتكسر الحصار عن غزة، وهي تنتظر من بابا العدالة الاجتماعية أن يكون له موقف صارم تجاه هذا العدوان الهمجي على الشعب الأعزل في غزة الفلسطينية.

حتى الآن، البابا ليو قدّم عدة مواقف علنية تتعلق بغزة والصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي»، أبرزها دعوته لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق الرهائن، والامتثال للقانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين، ومنع العقاب الجماعي، وعدم استخدام القوة غير الموجهة عشوائياً، كما أعرب عن «حزنه العميق» بعد قصف الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة، وطالب بحماية أماكن العبادة والنازحين فيها.

وفي لقاء مع الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتسوغ، ناقش الحالة المأساوية في غزة ودعا لوقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وبدء مفاوضات لحل الدولتين، وندد البابا ليو بالنزوح القسري للمدنيين من غزة، قائلاً: «لا مستقبل يُبنى على العنف أو النزوح القسري أو الانتقام».

موقف متوازن

يبدو أن البابا ليو يحرص على أن يكون موقفه متوازنًا بين الدعوة للسلام وحقوق الفلسطينيين من جهة، والحذر من الانكفاء عن الوسائل الدبلوماسية والتزامه بالصيغ التي قد تُقبل دوليًا؛ وذلك إمساكاً للعصا من وسطها؛ وتجنباً للوقوع في حرج مع الدول الغربية والمجتمع الدولي المؤيد لـ«إسرائيل»، أو الوقوع في حرج آخر بالنظر إلى معتقداته الرافضة للعنف، وكذلك الشعوب العربية وأحرار العالم الرافضين للحرب التي تشنها «إسرائيل» على غزة.

إذا قلَّ اهتمام الفاتيكان بقضية غزة، فقد يفقد جزءًا من مصداقيته في العالم العربي، لا سيما بعد ارتباط البابا فرنسيس سابقًا بالقضية الفلسطينية، كما أن تأييده لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في غزة، قد تثير تساؤلات حول مدى حيادية الفاتيكان، خصوصًا أن الخطة تتضمن شروطًا مثيرة للجدل مثل نزع سلاح المقاومة.

من الناحية العملية، التصريحات البابوية بشأن القضية الفلسطينية غالبًا داعمة أخلاقياً ولُغوياً للفلسطينيين، لكنها تحتاج إلى أن تترافق بدبلوماسية فعالة أو تدخل من الكرسي الرسولي كي تؤثر على المسار السياسي والعسكري على الأرض.

ختاماً: لا أريد أن أحمل بابا الفاتيكان فوق طاقته؛ لأن مواقف الدول العربية والإسلامية لا تزال قاصرة عن وقف حمام الدم في غزة وعاجزة عن إدخال المساعدات للشعب الذي يتضور جوعاً حتى الموت.


اقرأ أيضاً:

البعد الديني للدعم الأمريكي والأوروبي لـ«إسرائيل»

رسالة مفتوحة إلى بابا الفاتيكان البابا فرنسيس بشأن الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة