التربية الجنسية للأطفال.. معايير وضوابط

سينظر إليك طفلك
ذات يوم سائلًا: كيف أتيتُ إلى هذه الدنيا؟ حينها كيف ستجيب عن هذا السؤال؟ أم
ستتجنب الإجابة، وتترك طفلك يبحث عنها في فضاء الإنترنت، ومواقع التواصل
الاجتماعي، وربما تقوده هذه المواقع إلى أمور لا يحمد عقباها؟
التربية الجنسية
للأطفال ليست حديثاً عن التكاثر فحسب، بل رحلة تثقيفية يجب أن تبدأها مع أطفالك من
الصغر حتى تستطيع حمايتهم، وتجعلهم على دراية ووعي بأجسادهم، ومن ثم يصبح لديهم
القدرة على اتخاذ القرار الصحيح إذا ما تعرضوا لأي نوع من الاعتداء الجنسي في
المستقبل.
فلاعتداء الجنسي
على الأطفال يُعدّ من أخطر المشكلات التي تؤثر على الأفراد، والجماعات، ووفقًا
لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في أكتوبر 2024م، تعرضت
أكثر من 370 مليون فتاة حول العالم للاعتداء الجنسي أو الاغتصاب قبل بلوغهن سن 18
عامًا، بالإضافة إلى ذلك، تعرض ما بين 240 إلى 310 ملايين من الذكور للاعتداءات
الجنسية خلال مرحلة الطفولة؛ أي ما يعادل طفل واحد من كل 11 طفلًا!
ولذا، اهتم
الإسلام بالتربية الجنسية للأطفال، وبين ضوابطها، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم
يقول: «مُروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في
المضاجع»؛ أي إذا بلغ الأطفال سن العاشرة يفرق بينهم في النوم، حيث يفرق بين
الأولاد بصفة عامة، وبين الذكور والإناث بصفة خاصة، فلا ينامون بجانب بعضهم بعضاً،
ويفصل بينهم؛ وذلك لأن هذا العمر بداية الدخول في مرحلة البلوغ ومعرفة الشهوة،
وهنا لا بد أن نتساءل: كيف يمكننا كآباء ومربين تربية أبنائنا تربية جنسية صحيحة
دون خجل أو ارتباك؟
المقصود
بالتربية الجنسية للأطفال
التربية الجنسية
للأطفال عبارة عن عملية تثقيفية، تهدف إلى تزويد الأطفال بمعلومات مناسبة لأعمارهم
حول أجسادهم، والخصوصية، والاختلاف بين الجنسين، فهي أكثر من مجرد معلومات عن
الأجهزة التناسلية، أو العلاقة الحميمية، حيث تشمل العديد من القيم والمفاهيم التي
تساعد الأطفال في فهم أجسادهم، ومعرفة أسماء أعضائهم التناسلية، والتغيرات الجسدية
التي تحدث لهم خلال فترة المراهقة أو مرحلة النمو، وحماية أنفسهم من التحرش
والاستغلال، وحتى يتم ذلك لا بد أن يكون لديهم القدرة على تمييز السلوكيات غير
اللائقة، وطلب المساعدة إذا تطلب الأمر ذلك.
من هنا يتبين أن
هذه التربية تهدف إلى:
- تعزيز فهم
الأطفال لأجسامهم بطريقة آمنة وإيجابية.
- حماية الأطفال
من التحرش أو الاستغلال الجنسي.
- تصحيح
المفاهيم والمعلومات الخاطئة التي قد يحصل عليها الطفل من مصادر غير موثوقة.
- مساعدة الطفل
في التعامل مع التغيرات النفسية والجسدية بثقة ووعي.
- بدء التربية
الجنسية للأطفال من سن مبكرة وبطريقة تدريجية.
كيف نجنِّب أبناءنا أخطار التحرش الجنسي؟
أمثلة
للممارسات الجنسية ضد الأطفال
من الممكن أن
يواجه الطفل العديد من الممارسات الجنسية دون أن يشعر، ومن العجيب أيضًا أن الآباء
أنفسهم قد يرون هذه الممارسات، إلا أنهم لا يستطيعون تمييزها، أو لا يحملونها على
محمل الجد، وتعد الممارسات الجنسية ضد الأطفال من أخطر أنواع الإساءة التي قد
يتعرض لها الطفل، وتشمل العديد من أشكال التحرش والاستغلال، ومنها:
- لمس الأعضاء
التناسلية للطفل، أو إجباره على لمس الأعضاء التناسلية لأطفال آخرين.
- التقبيل أو
الاحتضان الذي يحمل طابعًا جنسيًا، وليس عاطفيًا بين أفراد العائلة.
- الإيحاءات
والتعليقات الجنسية، أو استخدام ألفاظ ذات طابع جنسي أمام الطفل.
- إجبار الأطفال
على الاستماع لمحادثات جنسية، أو مشاهدة مواد إباحية.
- إجبار الطفل
على القيام ببعض الأفعال ذات الطابع الجنسي، بالترغيب أو الإكراه.
- إجبار الأطفال
على أي شكل من أشكال الاتصال الجنسي.
أهمية
التربية الجنسية للأطفال
التربية الجنسية
للأطفال من الأمور التربوية الضرورية لحمايتهم، وضمان نموهم الاجتماعي والنفسي
بطريقة صحية، فالطفل عندما يحصل على معلومات مناسبة لعمره حول جسده وأعضائه، يصبح
أكثر قدرة على فهم التغيرات التي يمر بها، ومن ثم التفاعل معها بثقة وأمان، من هنا
يتبين أن التربية الجنسية للأطفال تساعدهم على:
- الحماية من
الاستغلال والتحرش والإساء الجنسية.
- تعزيز ثقة
الطفل بنفسه، ووعيه بجسده، وعدم الشعور بالقلق تجاه الأسئلة المتعلقة بالجسد أو
الجنس.
- حماية الطفل
من الحصول على المعلومات الخاطئة من الإنترنت أو الأصدقاء.
- تهيئة الطفل
لمرحلة البلوغ، والاستعداد لها دون قلق أو خوف.
- تعزيز
العلاقات السليمة مع الآخرين، واحترام الحدود، والخصوصية.
- الحد من
التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام، والإنترنت، والوسائل التي يتناول مضمونها مواد
إباحية، أو صور نمطية عن الجنس.
- المساهمة في
بناء القيم الأخلاقية، ومن ثم تعزيز سلوكيات صحية متزنة.
طرق
التربية الجنسية للأطفال حسب العمر
تختلف الطريقة
التي يتم من خلالها التربية الجنسية للأطفال وفقًا لأعمارهم ومرحلة نموهم، فما
يمكن تقديمه في مرحلة معينة، لا يمكن أن يقدم في مرحلة أخرى، وفيما يلي تقسيم لهذه
المراحل:
- من 2 - 5
سنوات: يبدأ الطفل في هذه المرحلة في استكشاف جسده؛ ولذا يجب استخدام الأسماء
الصحيحة للأعضاء التناسلية، وتعليم الطفل الخصوصية، وأن جسمه ملك له وحده، وأن
هناك أجزاء لا بد أن تتمتع بخصوصية كاملة مثل الأعضاء التناسلية، كما يجب تعليم
الطفل أن هناك لمسات قد تكون غير لائقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُباشر
الرجلُ الرجلَ في ثوبٍ واحدٍ، ولا تُباشرُ المرأةُ المرأةَ في الثوبِ الواحدِ».
- من 6 - 9
سنوات: في هذه المرحلة يبدأ الطفل في طرح أسئلة معقدة حول الجنس والنمو، كما تظهر
بعض التغيرات الجسدية؛ ولذا يجب أن يعرف الطفل في هذه المرحلة الفرق بين الجنسين
(الأولاد والبنات)، والتحدث عن التكاثر بشكل مبسط مثل كيف يأتي الطفل إلى العالم، كما
يجب تعليم الطفل الحدود الشخصية، ومعرفة المقبول وغير المقبول في العلاقات مع
الآخرين.
- من 10 - 12
سنة: يبدأ الطفل في هذه المرحلة في المرور بعدة تغيرات تؤدي إلى البلوغ؛ ولذا يجب
شرح هذه التغيرات (تغيرات الصوت أو الشعر لدى الأولاد، الدورة الشهرية للبنات)،
وكيفية التعامل معها، وتوضيح أهمية العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل بين الأفراد،
كما يجب الحديث عن التغيرات الجنسية والعاطفية التي يشعر بها الطفل أثناء مرحلة
البلوغ.
- من 13 سنة
فأكثر: وهذه المرحلة تسمى مرحلة المراهقة، وفي هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى
معلومات مفصلة عن البلوغ والصحة الجنسية؛ ولذا يجب توضيح الأمور التي تحدث أثناء
المراهقة مثل تطور الرغبات الجنسية، كما يجب توضيح أهمية حماية الذات من العلاقات
الجنسية المحرمة والمحظورة، وما ينتج عنها من أضرار جسيمة في الدنيا والآخرة.
أخطاء شائعة يجب تجنبها في التربية الجنسية للأطفال
على الرغم من
أهمية التربية الجنسية للأطفال، فإن هناك كثير من الآباء أو المربين قد يرتكبون
بعض الأخطاء (بقصد أو بدون قصد) التي قد تؤثر على فهم أطفالهم، وصحتهم النفسية،
ومن هذه الأخطاء:
- التهرب من
الإجابة أو تجاهل أسئلة الطفل بحجة أن الطفل صغير، أو أن هذه الأمور غير مناسبة.
- استخدام
مصطلحات محرجة أو غير دقيقة للأعضاء التناسلية؛ مما قد يؤدي إلى عدم فهم الطفل
لجسده بشكل صحيح.
- تخويف الطفل
أو ربط الجنس بالخطيئة والعار كأن نبادر بكلمة عيب، أو حرام.
- تقديم معلومات
غير دقيقة أو مبالغ فيها، كأن يلجأ البعض إلى اختلاق قصص مثل «جلب الأطفال من
المستشفى»!
- الاعتقاد أن
التربية الجنسية تقتصر على مرحلة المراهقة، لكن الأطفال لديهم الفضول منذ صغرهم.
- معاقبة الطفل
على سلوكيات استكشاف جسده.
- إهمال الأطفال
وعدم تعليمهم طرق حماية أنفسهم من التحرش.
- إهمال دور
الأسرة في التثقيف الجنسي، والاعتماد على المدرسة فقط.
- التعامل مع
المراهقين برقابة مفرطة، بدلًا من تعزيز الحوار المفتوح.
كيفية
التعامل مع الأسئلة لجنسية المحرجة للأطفال
من الطبيعي أن
يوجه الطفل بعض الأسئلة المحرجة عن الجنس لأحد والديه أو كلاهما، أو لأحد أفراد
الأسرة، وعند سماع هذه الأسئلة يجب التعامل معها بحذر شديد وفق النصائح التلية:
- استمع جيدًا
لطفلك، وحافظ على توازنك وهدوئك، وشجعه على الحديث، وامتدح سؤاله، واسأله عما
يعرفه بالفعل عن هذا السؤال أو يعتقده.
- يجب أن تكون
إجابتك بسيطة وقصيرة ومناسبة لعمر طفلك، كما يجب أن تكون المعلومة صادقة.
- بعد توضيح
الإجابة للطفل، اسأله إذا كان لديه أسئلة أخرى، ومن ثم الإجابة عنها.
- لا بد أن تكون
الإجابة عن السؤال في الوقت نفسه حتى لا يبحث الطفل عن الإجابة من مصادر أخرى غير
موثوقة.
- إذا لم تكن
لديك إجابة كافية، أخبر طفلك بأنك ستبحث عن الإجابة، ثم ستقدمها له، لكن احذر أن
تتهرب معتقدًا أنه سينسى.
التربية الجنسية
للأطفال ليست مجرد معلومات عن التكاثر، بل عملية تعليمية كاملة تساعد الأطفال على
فهم أجسادهم، وحماية أنفسهم من الاعتداءات الجنسية كالتحرش، وبناء علاقات صحية
وآمنة مع الآخرين؛ لذا يجب على الآباء والمربين الابتعاد عن الأخطاء الشائعة لضمان
تقديم هذه المعلومات بطريقة سليمة، مما يدعم نمو الطفل النفسي، والجسدي.