التصوف من الجنيد للشعراني.. ما الذي تغير؟!
لعل من الأمور اللافتة
للنظر، الضجة التي حدثت إبان الاحتفالات لمن يسمى بـ السيد أحمد البدوي، التي كان
سببها الغلو الواضح، وعدد الزائرين الذين فاقوا 3 ملايين زائر، وهم يمارسون طقوساً
ما أنزل الله بها من سلطان، والهيئات التي كانت تبرز هناك، وما صاحب ذلك من منكرات
عظيمة نشرت في «يوتيوب» ولم تعد سراً، والقاصمة الكبرى مشاركة شخصيات لها ثقلها
الكبير في حقل العلم والأزهر وحلقات الدرس والتكوين، مع عدم الإنكار منهم، بل
ومشاركتهم مشاركة فعلية فاعلة!
والتصوف في مثل
هذه المناسبات، يعرّي نفسه، ويكشف ظهره تماماً، بل ويكشف سوأته التي يحاول البعض
أن يخفيها، ولا يظهرها، ويظهر البعض منهم في سمت الزهد والعمل الصالح، وإنكار بعض
التصرفات التي يعدها غريبة على التصوف السُّني كما تسمى!
ولكن مولد السيد
البدوي أسقط آخر ورقة من ورق التوت التي كانت تستر العورة، وتستر البعض عن الإشهار
والاشتهار في مثل هذه السلوكيات المشينة، والأعمال الشركية الواضحة والمعلنة!
وقد أنكر مثل
هذه التصرفات من كان عدواً أو مضاداً للتوجه السلفي، وارتد بصيراً شاكاً في منهجه،
متبرئاً مما فعله سابقاً! كل ذلك لضخامة الفعل السيئ ولطغيان الغلو الذي لم يجدوا
له مبرراً أبداً!
التصوف.. هل هو منهج إسلامي؟
«التصوف» هو
الفعل من عمل الصوفية، ليس من إبداعات المسلمين، ولا العرب، بل هو غارق في القدم،
فلقد كان فيثاغورث، وأفلاطون، ومن قبلهما مثل الهرمسية والغنوصية والبوذية..
وغيرها، كانوا صوفية؛ بمعنى الإيمان بالروح وقوتها، والاتصال بالفوق والتواصل مع
الأرواح والإيمان بالكشف، وغير ذلك مما استخدم في السلوك الإسلامي، ووظف التوظيف
الصوفي الإسلامي!
وقد أشرت إلى
ذلك في كتابي «التصوف والصوفية من إشكالية التأسيس إلى مأساة الانفصال»، الذي أكدت
فيه بالنقولات الصوفية، أنه بدأ صافياً ينحو إلى الزهد وترك الدنيا، والبعد عن
الانغماس في الشهوات، وتمثله رجال مثل الجنيد، وإبراهيم بن أدهم، إلى الوصول
للمعراج وكشف الغيب والكرامات، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ووضع منهجية
تلقٍّ تختلف كل المخالفة عن منهج الصوفية الأوائل!
وتوصلت إلى أن
التصوف ليس عربياً، وليس إسلامياً، بل هو فكر مستورد، من أكثر من ديانة، وقد أثر
فيه ابن عربي كثيراً، والتلمساني، وقبلهما الحلاج، حتى إننا رأينا بعض العلماء قد
تأثر كثيراً في هذا المجال، وشارك في سلوكيات يأنف منها المسلم النقي الصافي، مثل
الغزالي، والعز بن عبدالسلام، والبسطامي، والشعراني، وعبدالقادر الجزائري الذي نشر
مخطوطات كتب ابن عربي، وقد يكون متأثراً بوحدة الوجود، التي أصبحت علماً على ابن
عربي!
أما ذلك البدوي
أو كما يسمونه بسيدي السيد البدوي، فقد كان ولياً كبيراً، يشفي المرضى ويُحيي
الأموات ويأتي بالسجناء من أي مكان، بل وكما قيل عنه: «إنه كان ينقذ الأسرى
المصريين من أوروبا الذين تم أسرهم في الحروب الصليبية»! ولذلك انتشرت مقولة في
التراث الشعبي المصري هي: «الله الله يا بدوي جاب اليسرى»؛ أي أحضر الأسرى بيده من
هناك وهو في مصر!
ولا أدري كيف
يكون ولياً من لا يحضر الجمعة ولا الجماعات، وهو يتلثم طول عمره أو غالبه، ويعيش
فوق السطوح ولم ير أحد وجهه، ويبول على الناس، ويصل إلى أي مكان يريد! ذلك هو
السيد البدوي المحتفى به!
لهذا أقول: إنه
من هنا كان هناك انفصال كبير بين مدارس التصوف، وأصبحت كل طريقة تباين الطريقة
الأخرى، وتزيد في كرامات مؤسسها وأتباعه، وأصبحت الخرافات الأساس في كتب التصوف،
وشارك الشعراني بخاصة في نشر هذه الخرافات الكبرى، وقام ينشر قصصاً حول العري
والتبول والزنى وكشف العورات لمن سماهم بالأولياء، ولا تظنن أن الأمر انقطع، بل قد
تسمع من بعضهم، التأكيد على ما ذكره الشعراني، واتهام السلفية أنهم قوم أغبياء لا
يفهمون هذا السلوك!
الخاتمة مع الشعراني
جاء في مقدمة «الأنوار
القدسية في معرفة آداب العبودية» ما نصه في المقدمة ذاكراً سبب تأليفه لهذا
الكتاب: فلما كان يوم الإثنين المبارك سابع عشر رجب الفرد سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة، تحرك عندي خاطر قوي بطلب مقامات الأولياء رضي الله عنهم، وازدريت جميع
ما أنا فيه، وتكدر لذلك عيشي، لعلمي بأن في ذلك عدم الرضا عما قسمه الله تعالى،
حتى خفت سوء الخاتمة والمقت والغضب، فخرجت على وجهي، فبينما أنا في الفسطاط مقابل
الروضة بمصر، أخذتني حالة بين النائم واليقظان، فسمعت هاتفاً، أسمع صوته، ولا أرى
شخصه.
يقول على لسان
الحق سبحانه: عبدي لو أطلعتك على جميع الكائنات وعدد الرمال واسم كل ذرة منه
والنبات وأسمائها وأعمارها، والحيوانات وأنسابها، وكشفت عن ملكوت السماوات والأرض،
والجنة والنار.. ألقاه الهاتف! فلما استتم هذا الكلام وما بقي عندي شهوة نفس لمقام
من مقامات الأولياء في الدنيا ولا في الآخرة، حمدت الله تعالى، على ما أوتي، وقد
أحببت أن أتكلم على المراد بالهاتف وما ألقاه، وأبسط الكلام في ذلك مرصعاً بالكلام
بعض العارفين من مشايخي رضي الله عنه مخوفاً أن يتوهم أحد من القاصرين الذين لا
معرفة عندهم بمراتب الوحي أن ذلك وحي کوحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فأقول
والله أعلم: أن الهاتف المذكور لا يخلو أن يكون ملكاً أو ولياً، أو من صالحي الجن
أو الخضر عليه السلام أو غير ذلك(1)! لأن الخضر عليه السلام باق لم
يمت، وقد اجتمعنا بمن اجتمع به وبالمهدي، إمام آخر الزمان عليه السلام بدمشق!
وأقام عنده سبعة أيام، وعلمه ورده كل ليلة خمسمائة ركعة(2)!
أترك التعليق
للقارئ!
________________
(1) وهل هذا
الهاتف يقول: يا عبدي!
(2) الأنوار
القدسية في معرفة آداب العبودية عبدالوهاب الشعراني، ت د رمضان بسطاويسي محمد، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، ص163-164، وانظر كذلك: ص295.