التعليم في قبضة الاحتلال.. إستراتيجيات «أسرلة» مدارس القدس المحتلة

علي إبراهيم

17 يوليو 2025

246

شهدت السنوات الماضية استهدافًا متصاعدًا لقطاع التعليم في القدس المحتلة، فسلطات الاحتلال تحرم مدارس الشطر الشرقي من المدينة من التمويل اللازم لمواكبة تزايد أعداد الطلبة المقدسيين، والأدوات الحديثة المستخدمة في العملية التعليميّة، خاصة تلك المتمسكة بتدريس المنهاج الفلسطيني، في مقابل إغداق ميزانيات هائلة على المدارس التي تدرس منهاج الاحتلال، وهي ميزانيات تتصل بما ترصده هذه الأذرع ضمن مؤسساتها، أو ضمن الخطط الخمسية الرامية إلى تحقيق المزيد من السيطرة على هذه القطاعات الحياتية.

وهي خطوات تهدف إلى دفع المزيد من المدارس الفلسطينية نحو الدخول في مظلتها، وفرض المنهاج الفلسطيني المحرّف، أو المنهاج «الإسرائيلي»، على عددٍ أكبر من المدارس في القدس المحتلة.

حذف فلسطين من مناهج التعليم تجريف للهوية |  Mugtama
حذف فلسطين من مناهج التعليم تجريف للهوية | Mugtama
على مدى 14 قرناً، لم تفلح الجيوش في النيل من الأمة...
mugtama.com
×

واقع التعليم في القدس المحتلة

ألقى واقع الإشراف الإداري والسياسي ومن ثمّ الاحتلال عبر المراحل التاريخية المختلفة بظلاله على واقع قطاع التعليم في القدس المحتلة، ابتداءً بالاحتلال البريطاني ومن ثمّ الإدارة الأردنية، وصولاً إلى احتلال القدس عام 1967م، وهو ما أدى إلى تنوع الجهات المشرفة على التعليم، وفيما يأتي الجهات الأساسية، وهي:

- المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية، التي تتبع إداريًا إلى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ولكنها تعمل تحت مظلة وزارة الأوقاف الأردنية، تشمل 49 مدرسة، وتضم نحو 12 ألف طالب وطالبة.

- المدارس التابعة لسلطات الاحتلال، وتُشرف عليها وزارة المعارف في حكومة الاحتلال وبلديته.

- مدارس تتبع للقطاع الخاص، تملكها الكنائس المسيحية، والجمعيات الخيرية والأفراد، تشمل نحو 70 مدرسة، وتضم نحو 39 ألف طالب وطالبة.

- مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تشمل 6 مدارس، وتضم نحو 2500 طالب وطالبة، وقد أغلقتها سلطات الاحتلال على أثر قرارات منع الوكالة من العمل في القدس المحتلة.

وقد سمح اختلاف المرجعيات للاحتلال أن يستفرد بكل فئة على حدة، ليفرض المزيد من إجراءاته التعسفية لـ«أسرلة» التعليم، وهو ما يُفاقم المشكلات الموجودة في قطاع التعليم أصلًا.

فمن أبرز الإشكاليات التي يعاني منها القطاع التسرّب المدرسي، نتيجة الظروف الاقتصاديّة للمقدسيين، واعتداءات الاحتلال على المدارس الفلسطينية والطلاب، إذ تشير الأرقام إلى أن 32% من الطلاب الفلسطينيين في القدس المحتلة لا يكملون أعوام الدراسة الـ12، وتصل نسبة التسرب المدرسي بين الطلاب المقدسيين إلى أكثر من 13%.

والإشكالية الثانية، عدم قدرة المدارس الفلسطينية المتمسكة بالمنهاج الفلسطيني على سد العجز القائم بالغرف الصفية، فبحسب جمعيتي عير عميم وحقوق المواطن «الإسرائيليتين»، بلغ النقص في الغرف الصفية في القدس المحتلة نحو 2500 غرفة.

وثالث هذه الإشكاليات، التي تفاقمت في السنوات الماضية، ما يُمكن تسميته «الفجوة الرقمية»؛ إنْ من جهة اختلاف أدوات التقنية المستخدمة في المدارس الفلسطينية وتلك المدعومة من الاحتلال، أو من جهة معاناة الطالب في المدارس الفلسطينية من محدودية الوصول إلى التقنيات الحديثة، عدا عن إدخال المواد الحديثة على غرار البرمجة وصناعة الرجال الآليين وغيرها في المناهج الدراسية، وهذا ما يزيد من الفجوات التعليميّة بين الطلاب في مدارس القدس المحتلة المختلفة.

المخطط الصهيوني لـ«أسرلة» وعي النشء المقدسي |  Mugtama
المخطط الصهيوني لـ«أسرلة» وعي النشء المقدسي | Mugtama
في إطار مخططها الهادف إلى حسم الصراع مع الشعب الفل...
mugtama.com
×

أهداف الاحتلال من «أسرلة» التعليم في القدس المحتلة

تحاول سلطات الاحتلال بسط هيمنتها على جميع المدارس في القدس المحتلة، وإن عجزت عن السيطرة المباشرة، فإنها تلجأ إلى فرض المنهاج «الإسرائيلي» بديلاً، وتسعى لمنع تدريس أي مناهج أخرى تحمل مضامين وطنية أو فكرية وأخلاقية.

وفيما يأتي أبرز أهداف سلطات الاحتلال الكامنة خلف «أسرلة» التعليم:

- تكريس رواية الاحتلال عن القدس والمسجد الأقصى، وترويج مفاهيم تزعم الحق التاريخي والديني لليهود في المدينة.

- تغييب الوعي الوطني لدى الطلاب، عبر إقصاء المضامين التي تؤكد الحق الفلسطيني الأصيل في القدس، ومكانة المدينة والمسجد الأقصى في الوجدان العربي والإسلامي.

- إنتاج جيل فلسطيني يتبنى فكرة «الدولة اليهودية» و«وحدة شعب إسرائيل»، على حساب الانتماء الوطني الفلسطيني، ومن دون التعرض لواقع الاحتلال القمعي.

– تعزيز التطبيع النفسي لدى الأجيال الصاعدة؛ من خلال تصوير مؤسسات الاحتلال كجهات شرعية وطبيعية، ما يرسّخ في وعي الطلبة نوعًا من القبول القسري بالواقع الاستعماري المفروض عليهم، ويُضعف أي دافع مستقبلي للمواجهة أو التغيير.

- العمل على تهميش اللغة العربية لصالح العبرية، وتفريغ المحتوى العربي من مضمونه القيمي والوطني، ما يُهدد مكانة اللغة كأداة للتفكير والتعبير والارتباط بالثقافة الأصلية.

- إعداد فئة وسطية قابلة للاندماج في النظام «الإسرائيلي»، من خلال برامج تعليمية ومهنية خاصة تهدف إلى خلق جيل من الشباب الفلسطيني يكون أكثر تقبلاً لفكرة الاندماج الوظيفي والاقتصادي في المنظومة الإسرائيلية، بعيدًا عن الانخراط في النضال الوطني.

تصعيد استهداف المدارس بالتزامن مع العدوان على غزة

شهدت مدارس القدس المحتلة منذ بداية العدوان على غزة في 7/ 10/ 2023م حملات استهداف متصاعدة، فقد قامت وزارة المعارف «الإسرائيلية» بإجراءات عديدة تجاه المدارس في مدينة القدس، وخاصة المدارس الخاصة التي تحصل على تمويلٍ جزئي من وزارة المعارف، في محاولة لمنع هذه المدارس من تطبيق المنهاج الفلسطيني.

وشملت هذه الإجراءات اقتحام المدارس، وتفتيشها فجأة، وتُشير المعطيات إلى تركيز حملات التفتيش هذه من نوفمبر 2023 إلى نهاية مارس 2024م؛ ولم تقتصر حملات التفتيش على إدارة المدارس فقط، بل شملت اقتحام الصفوف الدراسيّة، وتفتيش الحقائب المدرسية، والاطلاع على الكتب التي يستخدمها المعلمون.

وعلى إثر حملات التفتيش هذه، اتخذت وزارة المعارف عددًا من الإجراءات العقابية، من بينها:

- وقف مؤقت للتمويل من قبل المعارف.

- التحقيق مع مدير المدرسة والمسؤولين الآخرين عنها.

- تهديد المدارس بسحب التراخيص الخاصة بها.

حرمان خريجي الجامعات الفلسطينية من الوظائف

لم تقف محاولات الاحتلال استهداف المنهاج الفلسطيني عند الطلاب والمدارس فقط، بل امتدت إلى الجامعات وتوظيف المعلمين، ففي 25/ 12/ 2024م، صادق الكنيست على مشروع قانون يمنح مدير عام وزارة التربية والتعليم «الإسرائيلية» صلاحية رفض إصدار رخص تدريس أو موافقات توظيف للمعلمين من القدس والداخل المحتل، الحاصلين على شهادات أكاديمية من جامعات فلسطينية، وكان مشروع القانون قد حاز على موافقة اللجنة الوزارية للتشريع، ومن المتوقع أن يُطرح للقراءة الأولية في الكنيست مع بداية عام 2025م.

وبحسب مشروع القانون، لن يعود بمقدور المعلمين من الشطر الشرقي للقدس المحتلة الذين درسوا في الجامعات الفلسطينية مواصلة عملهم، إذ سيضطرون لإعادة الدراسة في المؤسسات الأكاديمية «الإسرائيلية»، وبحسب متابعين، تأتي هذه القرارات لفرض المزيد من التضييق على الجامعات الفلسطينية في القدس المحتلة، ودفع الطلاب إلى الالتحاق بالجامعات التابعة للاحتلال، عبر خنق فرص العمل المتاحة لمن يلتحق بالجامعات الفلسطينيّة.

إغلاق مدارس «الأونروا»

مسيرة استهداف مدارس وكالة «الأونروا» في القدس ما زالت مستمرة، بهدف إنهاء عمل الوكالة في القدس بشكلٍ كامل، على خلفية قرار الكنيست في 28/ 10/ 2024م القاضي بحظر عمل «الأونروا» في القدس.

وفي هذا الصدد، اقتحمت قوات الاحتلال وطواقم من وزارة التربية في حكومة العدو في 8/ 5/ 2025م، وبحماية من الشرطة 6 مدارس تابعة لـ«الأونروا» في القدس المحتلة، وعلقت أوامر بالإغلاق النهائي، وتوزّعت قرارات الإغلاق على 6 مدارس، 4 منها في مخيم شعفاط، ومدرسة في وادي الجوز، ومدرسة في صور باهر، والأخيرة في سلوان.

وجاء هذا القرار بذريعة عمل المدارس من دون ترخيص، بعد حظر عمل «الأونروا» في القدس، ونصّ القرار على منع مديري المدارس من إعادة استخدامها، ومنع الطلاب وأولياء الأمور من استخدام المدارس لأي غرض، ومن يخالف هذه القرارات سيتلقى اتهامات جنائية.



تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة