التمكين ثمرة التوحيد ومحاربة الشرك

من شروط التمكين المهمة محاربة الشرك بجميع أشكاله وأنواعه؛ ولذلك على الجماعة المسلمة والتي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه، وأدلة بطلانه وأنواعه، وأن تنقي صفها منه بجميع الأساليب الشرعية، ولا يمكن للإنسان أن يحذر من الشرك وأن يحذر غيره إلا إذا عرفه وعرف خطره.

ومعرفة الشرك وما يتعلق به له فوائد عديدة:

أحدها: أن الإنسان يمكنه بمعرفة الشرك أن يحذر من الوقوع فيه.

الثاني: أنه يمكنه أن يحذر غيره.

الثالث: أنه يظهر له بذلك حسن الإسلام والتوحيد، وذلك أنه إذا عرف الشرك وظهر له بطلانه، عرف أن ضده وهو التوحيد أفضل الأعمال، وبضدها تتميز الأشياء إلى غير ذلك من الفوائد.

ولهذه الأسباب وغيرها فقد اهتم الدعاة الصادقون والعلماء المخلصون والقادة الربانيون ببيان الشرك وأقسامه وأسبابه وخطره وجميع ما يتعلق به، وبينوا أن تحقيق الإيمان الصحيح لا يتم ولا يقبل من صاحبه إلا بترك الشرك والبعد عنه.

يقول الشيخ السعدي: «ولا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله في جميع إرادته وأقواله وأفعاله، وحتى يدع الشرك الأكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة، وهو أن يصرف نوعًا من العبادة لغير الله تعالى، وتحقيق هذا التوحيد وتمامه أن يدع الشرك الأصغر وهو: كل وسيلة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر كالحلف بغير الله، ويسير الرياء ونحو ذلك»(1).

أما حقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والألوهية(2).

أما أقسام الشرك فقسمه العلماء إلى نوعين؛ شرك في الربوبية، وشرك في الألوهية، قال السعدي: الشرك نوعان؛ شرك في ربوبيته تعالى كشرك الثانوية الذين يثبتون خالقًا مع الله، وشرك في ألوهيته، كشرك المشركين الذين يعبدون الله ويعبدون غيره ويشركون بينه وبين المخلوقين، ويسوونهم مع الله في خصائص ألوهيته(3).

لقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسُّنة في التحذير من الشرك، وبيان خطره، وأنه أعظم ذنب عُصِي الله به، وأنه لا أضل من فاعله، وأنه مخلد في النار أبدًا لا نصير له ولا حميم ولا شفيع يطاع، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء:48).

وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) (النساء: 116)، وقال تعالى: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج: 31)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر: 65).

والأحاديث الواردة في ذم المشركين كثيرة، منها:

حديث عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار»(4).

وحديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة»(5).

وحديث أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ثلاثًا «الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»(6).

إن تفشي الشرك في المجتمعات الإسلامية سبب في ضياعها وانحرافها عن هدي المولى عز وجل، فمن أعظم الظلم، وأبعد الضلال، عدم إخلاص العبادة لرب العالمين وتسوية المخلوق مع الخلاق العليم.

فالله وحده المتفرد بالعبودية، فهو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، لا يدفع النقم إلا هو الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام لجميع وجوه الاعتبارات.

إن الشرك هو الذنب الوحيد المتميز عن بقية الذنوب بعدم المغفرة لصاحبه إذا مات ولم يتب منه، وأما بقية الذنوب فإن صاحبها إن مات ولم يتب منها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

إن الذنوب التي دون الشرك جعل الله لمغفرتها أسبابًا كثيرة كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض وشفاعة الشافعين، ومن دون ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد، وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات دون التوحيد، ولا تفيده الشدائد والمحن شيئًا.




__________________

(1) الفتاوى السعدية للعلامة عبدالرحمن السعدي، ص13.

(2) الشيخ عبدالرحمن السعدي وجهوده في توضيح العقيدة، عبدالرزاق العباد، ص 178.

(3) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة، عبدالرحمن السعدي، ص244.

(4) مسلم، كتاب الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئًا (1/ 94) (92).

(5) المصدر السابق نفسه (92).

(6) مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان الكبائر (1/ 91) (143).

(7) فقه النصر والتمكين، علي محمد الصلابي، ط1، مكتبة التابعين، القاهرة، 2001، ص 230-238.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة