الجسد أمانة وليس مشروعاً.. «تقصير الساقين» بين الضغوط الاجتماعية وموقف الشريعة

لم تعد الجراحة
التجميلية وسيلة لتصحيح مشكلات ولادية أو آثار الحوادث، بل تحولت إلى أداة لتحقيق المعايير
الجمالية التي يفرضها المجتمع،
ومن أبرز وأخطر «التريندات»
التي ظهرت مؤخرًا هي عملية «تقصير الساقين»! هذه العملية ليست مجرد إجراء طبي، بل
هي انعكاس لواقع أصبح فيه الجسد مشروعًا يمكن تعديله وتغييره ليناسب توقعات
مجتمعية معينة، بغض النظر عن الأخطار الصحية أو العواقب النفسية.
دعونا نناقش
ظاهرة «تقصير الساقين» من أبعادها الاجتماعية، والطبية، والشرعية.
لماذا تختار المرأة تقصير الساقين؟
الخضوع لعملية
جراحية معقدة وخطيرة مثل تقصير الساقين لا ينبع من قرار فردي بالكامل، بل هو نتيجة
لضغوط اجتماعية هائلة، تُخلق هذه الضغوط من خلال عدة عوامل:
- معايير الجمال
غير الواقعية: تروج وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لمعايير جمالية محددة
تتضمن أبعادًا جسدية مثالية، وغالبًا ما تكون غير طبيعية، هذه الصور تولد شعورًا
بالنقص وعدم الرضا عن الذات لدى النساء اللواتي لا يتوافقن معها.
- ثقافة التأثير
(Influencer
Culture): يقدم
المؤثرون (influencers) على وسائل التواصل الاجتماعي صورة مثالية
لحياتهم وأجسادهم؛ ما يدفع متابعيهم، وخاصة الشباب، إلى تقليدهم والخضوع لعمليات
جراحية خطيرة للوصول إلى هذا الكمال المزعوم.
- التقييم
الاجتماعي: في بعض المجتمعات، يتم تقييم المرأة بناءً على مظهرها الخارجي، هذا
التقييم السطحي يجعلها تشعر بأن قيمتها مرتبطة بمدى قربها من هذه المعايير
الجمالية.
أخطار
صحية جسيمة وموقف الشريعة الإسلامية
تُعد عملية تقصير
الساقين واحدة من أخطر العمليات الجراحية التجميلية، وتستلزم فترة نقاهة طويلة
جدًا، الأطباء يحذرون من الأخطار الجسيمة التي قد تنجم عن هذه العملية، التي تشمل:
- أخطار
التخدير: قد يتعرض المريض لأخطار مرتبطة بالتخدير الكامل.
- العدوى: يمكن
أن تؤدي العملية إلى التهابات خطيرة في العظام أو الأنسجة.
- تلف الأعصاب:
يمكن أن تتسبب في تلف دائم للأعصاب؛ ما يؤثر على القدرة على المشي والإحساس.
- مشكلات في
العظام: يمكن أن تتسبب في مشكلات دائمة في العظام، مثل عدم التئامها بشكل صحيح، أو
تشوهها.
- الخضوع
للعملية أكثر من مرة: قد يحتاج المريض إلى عدة عمليات جراحية على مدار سنوات
لإكمال العلاج أو تصحيح الأخطاء؛ ما يزيد من الأخطار والمضاعفات.
أما من الناحية
الشرعية، فإن الشريعة الإسلامية تضع ضوابط واضحة للتعامل مع الجسد، يمكن تلخيص
الموقف الشرعي في النقاط التالية:
1- التحريم إذا
كان التغيير لغير ضرورة: يُحرم تغيير خلق الله دون ضرورة طبية، مثل تصحيح لمشكلات
ولادية أو أثر حادث، أما إذا كان الهدف هو مجرد التغيير لتحقيق معايير جمالية، فإن
ذلك يقع تحت باب التغيير المنهي عنه شرعًا، قال الله تعالى: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ
خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: 119)، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم
المتفلجات للحسن والمغيرات خلق الله، فعن عبدالله بن مسعود، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن،
المغيرات خلق الله».
2- الضرورة
الطبية: إذا كانت العملية ضرورية لتصحيح مشكلات ولادية تؤثر على وظيفة الجسد، مثل
حالة مرضية تتطلب ذلك، فإنها تُعتبر جائزة شرعًا.
3- أخطار
العملية: بما أن عملية تقصير الساقين تحمل أخطاراً صحية جسيمة، فإنها تقع تحت
قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» المأخوذة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويُحرم
الإقدام عليها إذا كانت أخطارها أكبر من فوائدها المرجوة.