الحَقْ نفسك يا أستاذ!

أول ما واجهته
حين دخلت عالم التعليم سؤال تكرّر على ألسنة بعض المعلّمين السابقين: لماذا جئت
إلى هذه المهنة؟ إنها شاقّة، طاردة، لا أفق لها! ستدفن نفسك في هذا المكان! كانوا
ينصحونني بالبحث عن مكان آخر، والهرب مبكراً قبل أن أندم، لكنني كنت أبتسم وأردّ
عليهم بسؤال أشد وقعاً: ولماذا أنتم هنا إذاً؟ لماذا جلستم على مقاعد المعلمين
سنوات طويلة إن كانت هذه المهنة كما تصفون؟
الحقيقة أن
المشكلة لم تكن في التعليم ذاته، بل في نظرتنا له، فكل مهنة، بل كل مكان، فيه
المحبِطون والمتذمّرون، لكن النفس البشرية بطبعها طموحة، تبحث عن الأفضل، ومن
الواجب الإشارة إلى أن الكثير من الناس يعملون بلا تخطيط، ويسيرون بلا هدف،
ويعيشون بلا شغف.
مهنة سامية
مهنة التعليم،
على الرغم من مشقتها، تبقى واحدة من أجمل وأسمى المهن، يكفي أنها مهنة الأنبياء
والرسل، إنها عمل يومي يفتح أبواباً واسعة للأجر والحسنات؛ من تعليم الناس، وغرس
القيم، ومساعدة الآخرين، وصناعة إنسان واعٍ قادر على حمل مسؤولية الغد.. وفيها
أيضاً توسيع لدائرة العلاقات الاجتماعية، وفتح للأفق على مختلف الميادين، فضلاً عن
دورها في إعداد قادة المستقبل الذين سيحملون راية الوطن.
ولعل أجمل ما
يميّز هذه المهنة أن سعادتها متصلة بالعطاء، فالمعلم يفرح حين يرى ملامح الفهم على
وجوه طلابه، ويشعر بالرضا حين ينجح في تصحيح مسارهم، ويغتبط حين يزرع ابتسامة أو
يفتح أفقاً جديداً في عقولهم، وهي مهنة تصنع الفرح في النفوس بقدر ما يمنحها
صاحبها من جهد وصبر، وكأنها تقول لمعلّمها: «كل ما تعطيه يعود إليك مضاعفاً!».
تحديات كثيرة
ورغم أن طريق
التعليم مليء بالتحديات، فإن المعلّم الذي يحمل الشغف ويعمل برؤية واضحة لا يعرف
طريقاً لليأس، ولا يتوقف عند العثرات، إنه يرى في كل طالب مشروع إنسان متكاملاً،
ويؤمن أن كل كلمة يزرعها اليوم قد تتحوّل غداً إلى بذرة نهضة، أو خطوة راسخة نحو
مستقبل أكثر إشراقاً، وهنا تكمن عظمة الرسالة التي يحملها المعلم، وخلود أثره الذي
يتجاوز حدود الفصل ليبقى شاهداً في الأجيال.