الخدمة المنزلية طاعة

لم تكن المرأة
يومًا على مدار التاريخ البشري خالية عن أن تكون عاملة، ومعنى كون المرأة في بيتها
أنها غير عاملة، فهذا تصوُّر قاصر يحتاج إلى تصويب وتصحيح، فالخدمة المنزلية لصالح
أسرتها وأبنائها طاعة لله، ورسالة سامية.
وقد أقدر الله
المرأة على أعمال لا يطيقها الرجال، وأقدر الرجال على أعمال لا تستطيعها النساء،
هذا من التوازن والتكامل بين المرأة والرجل.
وهناك أعمال قد
تتحصَّل المرأة من خلالها على المال الذي قد يُثري خزانتها ومحفظتها، أو يساعدها
على معيشتها ونفقتها، أو تساهم في حريتها واستقلالها عن غيرها.
لكن هناك
أعمالاً قد لا تتحصَّل من خلالها المرأة على مال أو أجر، لكنها قد تستعذب ذلك
التعب والإرهاق إن كان في سبيل مَن تحب وتهوى، ومن أجل مرضاة الله تعالى الذي
يُجزل لها الثواب في الآخرة، ويكافئها أعظم المكافأة.
وهذه الأعمال
تتجسَّد في الأعمال المنزلية في بيت الزوجية؛ حيث خدمة الزوج والأولاد والقيام على
احتياجاتهم وتلبيتها.
هذه الأعمال قد
تفعلها المرأة عادة وعرفًا، لكنها لا تخلو أبدًا عن أجر أخروي، ومن قبلها بركة في
الحياة الزوجية.
اقرأ أيضاً: النسوية.. وخلخلة العلاقات الزوجية
وقد ضربت السيدة
الكاملة فاطمة الزهراء أعظم المثل في ذلك؛ إذ خدمت زوجها وأولادها في ظروف صعبة
قاسية، وعاشت في ضيق من العيش، وقلة في ذات اليد.
وهي كانت تعلم
تمامًا ما المطلوب منها من العمل والخدمة؛ فقد خاطب سيدنا عليٌّ بن أبي طالب أمه
فاطمة بنت أسد قائلاً: «تكفيك العمل في البيت: العجن والخبز والطحن»(1).
وهذه الأعمال
أجهدتها وأتعبتها، وظهر ذلك على جسمها ومظهرها، حتى إن زوجها قد أثَّر عليه أن
يراها في تلك الحالة، فأشار عليها أن تذهب لأبيها النبي صلى الله عليه وسلم لتسأله
الإعانة فقال لها: لَو أَتَيْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتِيهِ
خَادِمًا، فَقَدِ أجْهَدَكِ الطَّحْنُ وَالْعَمَلُ(2)؟
وهي رأت من
نفسها هذا التعب وصرَّحت به لزوجها قائلة: وَأَنَا وَاللهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى
مَجَلَتْ يَدَايَ.
فَأَتَتِ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّةُ؟»، قَالَتْ:
جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ، وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ(3).
اقرأ أيضاً: 10 خطوات تُحسِّن الحياة الزوجية
فهنا تعَبُ
الزوجة من أعمالها المنزلية، وتأثُّر الزوج ورقته لحالها، وعدم خفاء هذا الوضع على
الأب، لكن بقي الوضع كما هو عليه، وطالبها بالصبر على حالها، والاستمرار في عملها،
وعدم نسيان ربها، فقال لها: «اتَّقِي اللَّهَ يَا فَاطِمَةُ، وَأَدِّي فَرِيضَةَ
رَبِّكِ، وَاعْمَلِي عَمَلَ أَهْلِكِ»(4).
رضا الزوج
وهذا لم يكن حال
السيدة الكاملة فاطمة وحدها، بل شاركتها الصحابيات في ذلك؛ حيث آثرن رضا أزواجهن
ومعاونتهم على طلبهن للراحة، والركون للدعة؛ فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق ذلك
التاجر الغني ميسور الحال تتزوج الزبير بن العوام وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ
مَالٍ، وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ، وَغَيْرَ فَرَسِهِ.
فقالت: فَكُنْتُ
أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ
أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ،
وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ
الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهْيَ
مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ.
قَالَتْ: حَتَّى
أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ
الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي(5).
هذه الأفعال
وأمثالها التي تواترت عن النسوة القرشيات دعت النبي صلى الله عليه وسلم أن يمتدحهن
بقوله: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى
وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ»(6).
بل إنه صلى الله
عليه وسلم كان يتفقَّد أحوال النساء، وينظر علاقتهن مع أزواجهن؛ فعن الحصين بن
محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففرغت من حاجتها فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم: «أذات زوج أنت؟»، قالت: نعم، قال: «كيف أنت له؟»، قالت:
ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: «فانظري أين أنت منه؛ فإنما هو جنتك ونارك»(7).
وبعض النساء
تستقل خدمتها لزوجها وأولادها، وتشعر بتقصيرها تجاه ربها وعبادتها من النوافل في
الصلاة والصوم والقرآن.. إلخ.
منزلة الجهاد
بل إن بعضهن
ينظرن لأعمال الرجال من الجهاد وغيره ويتحسرن على فوات هذا الثواب العظيم عنهن،
ونسين أنهن إن صبرن، وكن في ظهور رجالهن سندًا وعونًا وخدمة حصَّلن الأجر مثلهن
مثل الرجال؛ فعن جابر بن عبدالله قال: بينا نحن قعود عند رسول الله إذ أتته امرأة
فقالت: السلام عليك يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك.
الله رب الرجال
ورب النساء، وآدم أبو الرجال وأبو النساء، بعثك الله إلى الرجال وإلى النساء،
والرجال إذا خرجوا في سبيل الله فقتلوا فأحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم
الله، وإذا خرجوا لهم من الأجر ما قد علموا، ونحن نخدمهم ونجلس فما لنا من الأجر؟
قال لها النبي صلى
الله عليه وسلم: «أقرئي النساء عني السلام، وقولي لهن: إن طاعة الزوج تعدل ما
هناك، وقليل منكن تفعله»(8).
إن المرأة التي
تبذل جهدًا مضاعفًا في رمضان من أجل إسعاد زوجها وأولادها، وتحتسب ذلك عند الله تعالى،
فهي في طاعة.
وهذه حال غالب
نساء الأمة، لكن إن كفاها زوجها أو غيره أمر الخدمة المنزلية بإحضار الخادم،
فلتحمد له صنيعه، وتبحث عن أبواب أخرى تتقرب بها إلى الله بإرضاء الزوج وطاعته.
____________________
(1) أخرجه ابن
أبي شيبة في المصنف (8/ 156).
(2) جزء من حديث
أخرجه أحمد في المسند، ح(1250)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد
حسن.
(3) جزء من حديث
أخرجه أحمد في المسند، ح(838)، وقد حسَّن الشيخ شعيب الأرنؤوط إسناده.
(4) جزء من حديث
أخرجه أبو داود في الخراج، باب: فِي بَيَانِ مَوَاضِعِ قَسْمِ الْخُمُسِ وَسَهْمِ
ذِي الْقُرْبَى، ح(2988)، وقد ضعَّفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود.
(5) جزء من حديث
أخرجه البخاري في النكاح، باب: الْغَيْرَةِ.. ح(5224).
(6) أخرجه
البخاري في النفقات، باب: حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ
وَالنَّفَقَةِ، ح(5365).
(7) أخرجه أحمد
في المسند، ح(19003)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده محتمل للتحسين.
(8) أخرجه ابن
أبي الدنيا في العيال، ح(528)، وقال د نجم عبد الرحمن خلف: إسناد حسن.