الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.. تحذيرات نفسية

بعد ظهور الذكاء
الاصطناعي، والانتشار السريع لأدواته مثل «شات جي بي تي»، أصبح عديد من الأشخاص
يعتمدون عليه في كل شيء، فلا يستطيعون أخذ قرار دون استشارة منه، ولم يقتصر ذلك
على الأمور السياسية أو الاقتصادية أو التكنولوجية وغيرها من الأمور التي قد تحتاج
إلى بحث أو استشارة، بل وصل الأمر إلى استشارة «شات جي بي تي» –على سبيل المثال–
في الأمور المتعلقة بالمشاعر والعلاقات الاجتماعية والشخصية، فأصبح يحدد لمدمنيه
من يصلح لصحبتهم، ويختار لهم الكلمات التي يعبرون بها عن مشاعرهم، بل وصل الأمر في
كثير من الأحيان إلى اعتباره صديقاً مخلصاً، أو طبيباً متخصصاً.
ومن هنا، انقاد
الناس لتوجيهاته الخالية من الدقة، وقراراته العاجزة عن التكيف مع الواقع، الأمر
الذي أدى إلى تعزيز أوهامهم، وأثر على حالتهم النفسية والصحية، الأمر الذي أطلق
عليه «ذهان الذكاء الاصطناعي» (AI psychosis).
الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.. التعريف
مع الظهور
المتنامي لأدوات الـ«AI» مثل Google Gemini و ChatGPT وغيرها من الأدوات ظهر ما يعرف بالدردشة مع
الذكاء الاصطناعي، حيث يقوم المستخدم بالدخول على الأدوات الخاصة بالذكاء
الاصطناعي ومن ثم يبدأ بسؤالها عن بعض الأمور العامة المتعلقة بالسياسة أو الأخبار
أو الاقتصاد أو حتى الترفيه والرياضة، وسرعان ما تلمع عيناه للإجابة السريعة
الشاملة، والاستجابة الفورية لجميع الأسئلة أيًا كان نوعها؛ الأمر الذي يدفعه في
إلى الدخول في أسئلة أخرى أكثر شخصية وتعقيدًا.
وربما يبدأ
الأمر بنية التسلية والترفيه، إلا أنه ينتهي بالإدمان وعدم القدرة على إنجاز أتفه
الأمور، ناهيك عن القرارات البسيطة، دون الرجوع إلى هذه الأدوات؛ الأمر الذي يصفه
الخبراء والمتخصصون بإدمان أدوات الدردشة مع أدوات الذكاء الاصطناعي.
الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.. الناحية النفسية
أشارت العديد من
التقارير إلى ظهور مفهوم جديد يعبر عن حالات مرضى الذهان الذين يتحدثون بشكل مستمر
مع أدوات الذكاء الاصطناعي لا سيما «شات جي بي تي» والروبوتات الأخرى التي تعزز من
أوهامهم، وتزيد من حالتهم المرضية، ويطلق على هذه الحالة «ذهان الذكاء الاصطناعي»،
ويعكس هذا المصطلح الأزمة المتزايدة في هذا العالم الاصطناعي نتيجة ميول روبوتات
الدردشة إلى الاتفاق مع المستخدمين أيًا كان توجههم، بل ونفاقهم في معظم الحالات.
لذا، أصبحت هناك
فئة غير قليلة من المهووسين بأنظمة الذكاء الاصطناعي، يرجعون إليها الإحساس،
والمشاعر، والعبادات، والعلاقات، والعمل، واتخاذ القرارات؛ ولذا اعتقد كثير من
هؤلاء أن روبوتات المحادثة بالذكاء الاصطناعي مكنتهم من اكتشاف الحقيقة حول العالم
(أوهام عظيمة)، وبعض المستخدمين في الدول الغربية اعتقدوا أن هذه الروبوتات عبارة
عن إله واعٍ (أوهام دينية أو روحية)، بينما ذهب البعض إلى أن قدرة الروبوت على
محاكاة المحادثة هي حب حقيقي (الأوهام الجنسية).
وتكمن المشكلة
الأساسية في أن هذه الأنظمة لها أغراض متعددة، وغير مُدرَّبة على مساعدة المستخدم
في اختبار الواقع أو اكتشاف نوبات الهوس أو الذهان المُتزايدة، بل قد تُؤجج هذه
الأنظمة نيران المشكلات.
الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.. حديث يكسوه الود والمجاملة
إن روبوتات
الدردشة مع الذكاء الاصطناعي قائمة على إستراتيجية واحدة وهي إعطاء الأولوية لرضا
المستخدم ومجاملته لاستمرار التفاعل والمحادثة، بدلاً من التدخل العلاجي، وهذا في
حد ذاته يُمثل مشكلةً بالغة، فأعراض مثل العظمة، وفرط الكتابة، والتفكير المشوش،
والسهر طوال الليل، ما هي إلا علاماتٌ مميزة لنوبات الهوس، هذه العلامات قد تتفاقم
مع الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ فإن تضخيم
الأوهام الناجم عن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تأثيرٍ مُؤجج، الأمر الذي يجعل
نوبات الهوس أو الذهان -السابق ذكرها- أكثر تكرارًا أو شدةً أو صعوبةً في العلاج.
إن مجاملة
المستخدم نابعة من آلية نماذج الذكاء الاصطناعي المدربة على عكس لغة المستخدم
ونبرته وإرضائه، بدلًا من تحدي المعتقدات الخاطئة التي تتضمن أوهامًا عظيمة، أو
جنون العظمة، أو اضطهادًا، أو قد تتعلق بنواحٍ دينية/روحية، أو رومانسية وما إلى
ذلك، الأمر الذي قد يُنشئ ديناميكية بين المستخدم والذكاء الاصطناعي، هذه
الديناميكية قد تُغذّي وتُرسّخ، دون قصد، جمودًا نفسيًا، بما في ذلك التفكير
الوهمي.
ولذا، قد تعمل
نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل غير مقصود على التحقق من صحة التفكير المشوه لدى
المستخدم وتضخيمه بدلاً من الإشارة إلى مثل هذه التفاعلات باعتبارها إشارات للحاجة
إلى مساعدة نفسية أو تصعيدها إلى الرعاية المناسبة.
الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.. بداية الانتحار
مما سبق يتبين أن الدردشة مع الذكاء الاصطناعي ما هي إلا بداية حقيقية للانتحار، والدليل على ذلك أن هناك بعض حالات الانتحار التي تم تسجيلها في عديد من الدول الغربية جاءت نتيجة الدردشة مع الذكاء الاصطناعي.
فعلى سبيل
المثال، سجلت السلطات في ولاية كونيتيكت ما يمكن اعتباره أول جريمة قتل وانتحار
أسهم فيها الذكاء الاصطناعي، فوفقًا لتقرير نشره موقع «جيزمودو» التقني، تم العثور
على جثة رجل قام بقتل والدته ثم لحقها بالانتحار بعد ذلك، وتبين من التحقيقات أن
المنتحر له محادثات مطولة مع «شات جي بي تي» الذي كان يغذي أوهام المؤامرة التي
يعاني منها المنتحر، مؤكداً كل شكوكه حول والدته وزوجته، وأثبت الشرطة بعد ذلك عدم
صحة هذه الشكوك على أرض الواقع.
ومن ناحية أخرى،
واجه «شات جي بي تي» أزمة قانونية عقب اتهام والدي مراهق للروبوت بمساعدة ابنهما
على الانتحار منذ عدة أشهر، وذلك وفق تقرير «رويترز»، حيث أكد والدا آدم راين
البالغ من العمر 16 عامًا أن ابنه كان يتحدث بشكل طويل مع «شات جي بي تي» لعدة
أشهر قبل انتحاره، وتضمنت الدعوى القضائية التي رفعها الوالدان تفصيلًا لما حدث،
حيث تحدث آدم مع الروبوت لعدة أشهر عن أفكاره الانتحارية دون أن يحاول الروبوت
منعه أو ردعه عنها، ليس هذا فحسب؛ بل قدم له مجموعة من النصائح المفصلة عن أفضل
أساليب الانتحار وكيفية سرقة الكحوليات وإخفاء الأدلة على محاولة انتحار فاشلة!
هذا كله يجعلنا
على حذر عند الدردشة مع الذكاء الاصطناعي، فالأمر ليس بهذه البساطة أو الفكاهة
التي نعتقدها، بل له العديد من الأخطار والنتائج التي لا يحمد عقباها.
____________________
1-
الجزيرة نت: https://n9.cl/qty1n.
2-
المرجع السابق: https://n9.cl/nd92w.
3-
موقع علم النفس: https://n9.cl/ychs4v.