الدور العربي والإسلامي والمؤسسات الخيرية والمنظمات الدولية في إعمار غزة

علي إبراهيم

20 أكتوبر 2025

70

لم يكن العدوان على غزة محاولة لكسر الإرادة فقط، بل شكلت الإبادة محاولة لإعادة هندسة الحياة في القطاع، وقد راهن الاحتلال على تكثيف التدمير لإخراج الفلسطينيين من أراضيهم؛ وهو ما أدى إلى تدمير أكثر من 90% من المباني في القطاع.

ومع انتهاء الحرب، تشكل قضية إعادة الإعمار واحدة من أكثر الملفات حساسية وأهمية، خاصة أنها تمسّ حياة الغزيين بشكل مباشر، إلى جانب دورها في إعادة الحياة الاقتصادية، وما يسبقها من تكاليف كبيرة لا يُمكن لجهة واحدة تحملها، بل تستدعي جهوداً جماعية من قبل المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية، إلى جانب المؤسسات الدولية والدول على حدّ سواء، ونحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أدوار هذه الجهات لإعادة إعمار القطاع.

المؤسسات الخيرية.. نبض المجتمع المدني

منذ عقود، كانت المؤسسات الخيرية الأهلية والإسلامية أول المستجيبين لنصرة المستضعفين والمكلومين في كل مكان، وكان للمؤسسات في الكويت قصب السبق في هذا المجال، ولا حاجة لإيراد الشواهد حول هذه الاستجابة وحجمها، فهو من مندوحة القول.

إعمار غزة معركة جديدة تتطلب تنسيقاً واسعاً بين المؤسسات الخيرية والدول والمنظمات الدولية

ولا شك بأن المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية أسهمت بما استطاعت -في ظل الحصار والقيود- على تقديم المساعدة لأهلنا المكلومين في غزة، وهي بذلك تبني على ما حققته من قربها من الناس، والعمل المسبق معهم، وما يتصل بالتحرك العاجل لسد الحاجات الملحة، وسوف يتصاعد هذا الدور في مرحلة الإعمار.

ومن أبرز المسارات التي تستطيع المؤسسات الخيرية العمل عليها سد ثغرتين مركزيتين؛ الأولى: تصعيد تقديم الإغاثة العاجلة، بناء على جهودها السابقة، وحاجات الناس اليومية في ظلال الأزمات المالية والعينية المستمرة، ووجود فئات كثيرة من الجرحى وعوائل الشهداء بحاجة لأن تستمر معهم هذه الإغاثة، أما الثانية: فهي مشاريع التنمية المستدامة، وهو جانب بالغ الأهمية خاصة بما يتصل بالتمكين الاقتصادي، والمساهمة في الاقتصاد المحلي؛ وهو ما سينعكس على حياة الناس بشكل مباشر.

وهو ما يعني أن عمل هذه المؤسسات سيمضي في مسارين متوازيين؛ الأول: استمرار تقديم المساعدات الإنسانية المباشرة من غذاء ودواء ومأوى، وخاصة للفئات الأكثر حاجة، بالتوازي مع العمل على دعم مشروعات إعادة الحياة إلى طبيعتها، على غرار دعم الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تساعد الأسر على استعادة قدرتها الإنتاجية، وتمنح الشباب والنساء فرصاً للعمل والاعتماد على الذات، وصولاً إلى بناء المدارس والمستشفيات والمراكز المجتمعية.

التمويل الدولي والحوكمة الميدانية ركيزتان أساسيتان لمواجهة حجم الدمار غير المسبوق بغزة

ولا ريب أن المؤسسات الكويتية ذات المصداقية ستؤدي دوراً محورياً في القضايا آنفة الذكر، وفي تعزيز الشفافية والتنسيق مع مختلف المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية، والإسهام الحقيقي في إيصال الدعم إلى مستحقيه بفعالية ونزاهة، وهي قضايا بالغة الأهمية في ظل الحاجات الكثيرة والمتنوعة ما بعد توقف الحرب، وفي مرحلة الإعمار.

المنظمات الدولية.. الخبرة والحوكمة

وأمام حجم الحاجات، من المهم انخراط مؤسسات دولية، فالواقع في غزة يحتاج تضافر الجهود، وهنالك جهات دولية تعمل بالفعل في القطاع على غرار الوكالات التابعة للأمم المتحدة، ومن بينها وكالة «الأونروا» أو «اليونيسف» وغيرهما، وتكمن أهمية هذه المنظمات أنها تتلقى تمويلاً كبيراً من الجهات المانحة مباشرة وخاصة الدول، وهو ما يعطيها ملاءة أكبر بكثير مما تمتلكه الجمعيات الخيرية، التي يظل تمويلها بالمقارنة محلياً وذا طابع شعبي.

وتأتي أهمية هذه المنظمات في بناء القدرات المحلية، والاستمرار في استثمار رصيدها السابق في العمل بغزة، وخاصة وكالة «الأونروا»، التي تمتلك قاعدة معلومات ضخمة وكادراً كبيراً، ووجوداً مؤسسياً بالغ الأهمية والتأثير، إضافة إلى قدرة فرقها على العمل الميداني، الذي حاول الاحتلال استهدافه خلال العامين المضيين، إلا أنها استمرت في العمل على الرغم من كل الضغوط.

الدول العربية والإسلامية.. دعم سياسي وتمويلي مطلوب

وأمام المسؤولية على المؤسسات المحلية أو الدولية، يبرز الدور المحوري للدول، إذ يجب أن تتحمل الدول العربية والإسلامية جزءاً أساسياً من مسؤولية إعادة الإعمار، ومن المأمول أن تبدأ هذه الدول بالتحرك العاجل والبدء بتخصيص الاعتمادات المالية لإعادة الإعمار، مع أهمية إطلاق صناديق إعمار مشتركة، تستطيع أن تموّل المشاريع الكبرى في قطاع غزة، وخاصة شبكات الطرق وإزالة الركام وجزءاً كبيراً من الإسكان وترميم المدارس وغيرها.

عملية الإعمار لا تقتصر على إعادة البناء المادي بل تشمل تمكين المجتمع واستعادة الحياة الطبيعية

وإلى جانب الدعم المالي، على هذه الدول أن تضغط نحو استمرار وقف العدوان، ولا تسمح للاحتلال بالعودة ثانياً إلى الحرب، خاصة بعد إيفاء المقاومة وتسليم الأسرى، فقد عانى الفلسطينيون معاناة شديدة خلال العامين الماضيين، وهناك حاجات كثيرة جداً؛ من النواحي الحياتية والصحية والتعليمية والاقتصادية، تتطلب استمرار الهدوء زمناً طويلاً، فالإعمار لا يمكن أن ينجح في بيئة مضطربة أو تحت ضغوط عسكرية تمارسها دولة الاحتلال، مع الضغط من خلال المجتمع الدولي لكي تخفف القيود والعقبات أمام دخول المساعدات والمعدات الثقيلة، ولا شك أن لبعض الدول العربية والإسلامية خبرات كبيرة من النواحي التقنية والهندسية، كما خاضت بعضها تجارب لإعادة الإعمار من المهم الاستفادة منها.

رؤية مستقبلية للإعمار الشامل

حتى تتحول عملية الإعمار في غزة إلى مشروع نهضوي حقيقي، لا بد أن تراعي حاجات الناس الحقيقية، وما يتصل بتفاصيل المجتمع الفلسطيني في القطاع، وأدوار العوائل والمنظومات المتصلة والفاعلة، مع أهمية استعادة المحاضن الشعبية لدورها، وخاصة المساجد، التي تشكل مظلة شرعية وفكرية بالغة الأهمية للفلسطينيين في القطاع.

أما حول الحاجات الأوسع، والأكثر شمولية وأهمية، التي تتصل بالقطاعات المركزية الاقتصادية والتعليمية والصحية، من الضرورة بمكان إنشاء هيئات متخصصة في كل واحدة من هذه المجالات، تشارك في تنسيق الجهود ما بين المستويات كافة؛ الخيرية الشعبية، والمؤسسات المانحة والدول العربية والإسلامية، للعمل بشكل تكاملي وتحديد الأولويات ومتابعة التنفيذ ميدانياً.

الكويت تواصل مسيرتها الريادية في ميادين العمل الإغاثي منذ عقود دعماً للمكلومين والمنكوبين

وهنا يُمكن اقتراح العديد من الحلول التي تساعد في تحقيق الأهداف، من بينها اعتماد نظام رقمي موحّد لتتبع التمويل والإنجاز، إضافة إلى أنظمة أخرى لها اتصال مباشر بالمستفيدين من الناس، مع العمل المباشر مع فرق الإغاثة التي عملت في ظل العدوان وقد استفادت بشكل كبير من التجربة على الرغم من الاستهداف المتكرر لها.

ختاماً، لا يمكن أن تتم إعادة إعمار القطاع من قبل جهة بعينها، فهي مسؤولية مشتركة؛ عربياً وإسلامياً وإنسانياً، وتحتاج إلى تضافر الجهود وتكامل الأدوار، وقدرة هذه الجهات على التحرك العاجل، والتنسيق الكبير، سيسهم في تحقيق إنجاز نوعي، يتصل بتقصير عمر إعادة الإعمار، خاصة أن قطاع غزة يمتلك خبرات فنية وهندسية ومعرفية بالغة الأهمية، وطاقات بشرية مهولة تستطيع تحقيق المستحيل، ونرى هذا الشعب المصابر البطل يحقق قصة نهوض جديدة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة